هذه القناعة، شبه الكاملة، وإن كانت قد ساهمت في انتقال دفة الحديث، هذه الأيام، إلى كافة الاحتمالات المفتوحة، التي تسم المستقبل العراقي؛ وكذا، المستقبل السوداني، بعد الدفع الأمريكي في تصعيد أزمة دارفور على الساحة الدولية.. فهي، في الوقت نفسه، ساعدت على لفت النظر إلى سيناريوهات أخرى، تخص المستقبل الفلسطيني؛ وبالتحديد: بعد أن استطاع شارون "التملص" من سيطرة اليمين الديني الإسرائيلي، وضغوطاته عليه. في هذا الإطار، فإذا كان الحديث عن فلسطين، والسودان، يمثل أهمية في السياق العام لكافة الظروف والملابسات التي تمر بها المنطقة العربية، راهناً.. فإن الحديث عن المستقبل العراقي لا يقل أهمية، خاصة وأننا نعلم علم اليقين أن كلاً منهما ليسا ببعيدين عن العراق.
ولعل قولنا الأخير، هذا، يتأكد إذا لاحظنا: أنه من غير المتصور، ولا المنطقي، أن تأتي الولايات المتحدة الأمريكة بهذا الحجم الكبير من القوة العسكرية، لتخوض حرباً كبيرة، ولتحقق أهدافاً تعتبرها استهدافات إستراتيجية رئيسة.. ثم تنسحب، بعد وقت أقل ما يقال في شأنه: أنه "لا يفي بالمطلوب".
ولكن.. هل يعني هذا أن الولايات المتحدة تمتلك إستراتيجية لـ "البقاء في العراق"؛ وفي الوقت نفسه، تمتلك "المبادرة الإستراتيجية" للقيام بذلك(؟!).
بداية، فإن هناك أكثر من عامل يدفع الولايات المتحدة على البقاء في العراق، إلى مدى غير قليل.. وبالتالي، فإن مجموع هذه العوامل يشكل المرتكز الرئيس لـ "إستراتيجية البقاء" الأمريكية في العراق.
فهناك، من جهة.. العامل الذي يتعلق بـ "المقاومة العراقية المتصاعدة"؛ وهو، نفسه، العامل الذي يؤشر إلى أن انسحاباً أمريكياً "سريعاً"، لابد أن يؤدي إلى ضرر بالغ بمكانة الولايات المتحدة الأمريكية كـ "قوة عالمية رئيسة".. بل ـ لا نغالي إذا قلنا ـ "إيذاناً" بفشل سريع، ومدو، لمشروعها الإمبريالي (= الإمبراطوري)، في الشرق الأوسط "الكبير/الموسع"؛ وربما لمشروعها الإمبراطوري العالمي الأكبر.
ولا عجب، والحال هذه، أن يكون هناك ثمة "مراهنة" أمريكية على اتجاه المقاومة العراقية إلى "الانخفاض" مستقبلاً.. على الأقل، من منظور النفاذ التدريجي لما لديها، لدى المقاومة العراقية، من أسلحة ومعدات وذخائر.
أيضاً، يبدو أن ثمة "مراهنة" أمريكية على الازدياد التدريجي لقدرة قوات الشرطة العراقية، الجديدة، على ضبط الأمن الداخلي في المدن العراقية.. وكذا، على إمكانية قوات الجيش العراقي ـ التي سوف تعمل مع القوات الأمريكية، أساساً ـ في حماية حدود العراق من أي "تسلل" لـ "المقاتلين و/أو الإرهابيين".. وهذا منطقي، إذ ما هي الوظيفة الحقيقية لجيش عراقي تكونه، وتقوم على تشكيله وتدريبه، قوات الاحتلال الأمريكية.
والواقع، أن هذه المراهنة الأخيرة، وإن كانت قد بدت بوضوح عبر أحاديث الرئيس الأمريكي، جورج بوش، في مناظراته الانتخابية أمام منافسه لانتخابات الرئاسة الأمريكية، جون كيري.. فإن كافة المراهنات السابقة، تؤشر، في حقيقة الأمر، إلى قناعة لدى الأمريكيين، مفادها: أن كل ذلك الخطر والتهديد الذي يواجه، الآن، القوات العسكرية الأمريكية، سوف يقل مستقبلاً..
وهو ما يعني: أن تكلفة الوجود العسكري الأمريكي في العراق، سوف تقل؛ ما يمثل عاملاً مهماً في استمراره هناك.. بل، تتزايد أهميته إذا أخذنا تصريحات جون كيري، في المناظرات الانتخابية، إياها، عندما قرر أن: "القوات الأمريكية العاملة في العراق، لا تحمي في العراق سوى وزارة النفط"، وذلك في معرض الانتقادات التي كان يوجهها إلى الرئيس بوش.
هذا عن العامل الخاص بـ "خسائر القوات الأمريكية" في العراق، من جراء تصاعد المقاومة العراقية.. هناك.
بيد أن هناك، أيضاً، من جهة أخرى.. العامل الذي يختص بـ "الضغط والمساومة" على بلدان الشرق الأوسط عامة، والبلدان العربية منها على وجه الخصوص؛ وهو، نفسه، العامل الذي يمثل ركناً أساسياً، ضمن أركان "إستراتيجية البقاء" الأمريكي في العراق.
وفي ما يبدو، فقد كانت الرؤية الأمريكية تقوم على أساس أن التواجد العسكري الأمريكي، الكثيف، في العراق، يمكن استثماره في اتجاه تغيير العراق من الداخل.. ثم، تقديم العراق الجديد كـ "نموذج" للبلدان الأخرى بالمنطقة..
إلا أن واشنطن قد اكتشفت خطأ التصور بـ "سهولة المهمة" في العراق؛ بل، وخطأ مثل تلك الحسابات "البسيطة" في التعامل مع الساحة العراقية بتكويناتها المختلفة، وتشابكاتها المعقدة..
لذا، تحولت، كما يبدو بوضوح، من: البدء بالعراق وتقديمه كنموذج لجيرانه من بلدان المنطقة، إلى: الضغط على بلدان المنطقة، من خلال وجودها العسكري الكثيف في العراق، لأجل أن تنطلق فيها حركة التغيير (أو: حركة الإصلاح، حسب التصور الأمريكي). أي: تنطلق الحركة، في إطار الضغط إياه، من الداخل، وبدور وإشراف مباشرين من الخارج.
يعني هذا، في ما يعنيه، أن الخط المستقيم الذي يصل بين هذين العاملين: الخسائر الأمريكية من جراء تصاعد المقاومة العراقية، والمشروع الأمريكي للشرق الأوسط.. (هذا الخط) يؤشر إلى أن الوجود العسكري الأمريكي في العراق يصبح مرتكزاً رئيساً في إستراتيجية الولايات المتحدة للتعامل مع مشروع الشرق الأوسط (الكبير/الموسع)، الذي يمتد، حسب التصور الأمريكي، "من المغرب حتى أفغانستان"، وذلك كـ "مقدمة ضرورية" لمشروعها الإمبراطوري الأكبر على مستوى العالم.
ولكن.. ماذا لو لم ينجح جورج بوش في الانتخابات القادمة، وذهب جون كيري ـ بدلاً منه ـ إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض(؟!).
في اعتقادنا، بناء على ما نراه في الراهن من ظروف وملابسات، سواء على الساحة الدولية أو الإقليمية، أو حتى الساحة الداخلية في الولايات المتحدة الأمريكية.. نقول: أن قرار الانسحاب العسكري الأمريكي "السريع" من العراق، هو أصعب من أن يتخذه رئيس جديد، على الأقل: لجهة الخسائر الهائلة التي يمكن أن يسببها قرار كهذا لـ "هيبة" الولايات المتحدة، وإستراتيجيتها الدولية والإقليمية.
ولعل هذا ما يبدو بوضوح من تصريحات كيري.. إذ أن الاختلاف بينه وبين بوش في هذا الشأن، يتعلق بمدى إمكانية مساهمة حلفاء الولايات المتحدة الدوليين، بتحمل واجباتهم المفروضة في الشأن العرقي (كيري)، أو مدى إمكانية الحزم الأمريكي، حتى ولو كان حزماً انفرادياً، في هذا الشأن (بوش).
إستراتيجية البقاء الأمريكي في العراق، إذن، واضحة.
فهل تمتلك الولايات المتحدة مثل هذا الوضوح، في ما يتمحور حول: "المبادرة الإستراتيجية" التي تمكنها من القيام بذلك(؟!).
إن التحول، المشار إليه، الذي فرضته الساحة العراقية على الرؤية الأمريكية، كان قد نتج عنه تحول آخر.. إنه ذلك الذي يمكن وصفه بـ "الواقعية"، تلك التي حلت محل الديموقراطية وبناء عراق جديد، كاهتمام مركزي لدى الإدارة الأمريكية، إدارة جورج بوش..
ترى، هل نغالي(؟!).
لا نعتقد أن في الأمر أدنى مغالاة..
إذ، باتت هذه الإدارة تعرف، ربما أكثر من غيرها، أنه حتى لو أراد إياد علاوي أن يكون صدام حسين آخر، فلن يستطيع.. فهو لا يمتلك لا الجيش ولا الحرس الجمهوري ولا أجهزة الاستخبارات، تلك التي دمرتها الولايات المتحدة.
وبالتالي، فقد فرضت "الواقعية" على الإدارة الأمريكية التعاطي مع ما هو موجود فعلاً على الأرض، هناك في العراق.
والموجود فعلاً على الأرض، أن الأكراد يتصرفون في الشمال بصفتهم "دولة مستقلة"؛ أما الأحزاب والمؤسسات الدينية الشيعية في الجنوب، فهي السلطة الحقيقية المقبولة في الجنوب.. وأما في الوسط، فقد أقام السنة "دولة شبه مستقلة". هذا هو الموجود فعلاً على الأرض؛ وهذا هو الواقع الذي فرض على إدارة بوش التعامل مع الساحة العراقية بـ "واقعية"، من منظور أنه حتى لو أرادت تغييره، فلن تستطيع.
وفي ما يبدو، فإن المطروح أمريكياً، كحل لهذه الإشكالية، وكما يبدو من تصريحات المسؤولين، وكتابات المفكرين الإستراتيجيين، الأمريكين، هو: "الكونفيدرالية المرنة"..
يكفي أن نشير، هنا، كمثال، إلى فرانسيس فوكوياما، صاحب نظرية "نهاية التاريخ".. إذ، رغم أنه أعلن رفضه لتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات شيعية وكردية وسنية "إلا في حالة اليأس الشديد [حسب تعبيره]، لأن ذلك قد يؤدي إلى فوضى دموية كتلك التي حدثت إبان تقسيم الهند، وإلى تدخل القوى الإقليمية مثل إيران وتركيا".. لكنه اقترح ما هو أكثر فداحة من التقسيم.
لقد اقترح فوكوياما: العمل على إبرام "تحالف فيدرالي" بين الشيعة والأكراد، الذين يسيطرون معاً على كل المناطق الغنية بالنفط، وفرض شروط صعبة على "السنة"، المعزولين، في مقابل حصولهم على بعض واردات النفط.
رؤية فوكوياما، التي أوردناها كمثال، ليس لأهميتها الخاصة ولكن لأن هناك من المسؤولين الأمريكيين من يتحمس لها بقوة، يكفي أن نذكر منهم: بيتر غالبريايث، أحد المسؤولين الأمريكيين الذين ساهموا من قبل في حل مسألة البوسنة بالشكل الذي مايزال معظمنا يتذكره.. (رؤية فوكوياما)، تلك، تتمحور حول نقطة رئيسة: فصل السنة، وإقامة عراق كونفيدرالي محوره الشيعة والأكراد.
والواقع، أن ما يختبأ خلف هذه الرؤية، هو ما يتلخص في التالي: إن إقامة كونفيدرالية عراقية، يكون محورها التحالف "الشيعي/الكردي"، يعني أن ثمانين بالمئة من الشعب العراقي سيكونون ممثلين فيها؛ ثم، فإن هذه الكونفيدرالية سوف تحل مشكلة الانفصالية الكردية في الشمال، وتساعد، في الوقت نفسه، على احتواء الراديكالية الشيعية في الجنوب.. وهو ما سوف يسمح للحكومة العراقية، والقوات الأمريكية، بالتركيز على "التمرد السني" العربي، وعلى مسألة الأمن والنظام في العاصمة.
والواقع، أيضاً، أن رؤية فوكوياما تمثل أحد الحلول المقترحة، أمريكياً، لحل الإشكالية العراقية التي تواجهها الولايات المتحدة الأمريكية؛ هذه الإشكالية التي يراها كينيث كاتزمان، كبير محللي الشرق الأوسط في مكتب الأبحاث التابع للكونغرس الأمريكي، متعددة الأبعاد.. فهو يرى: أن ما يجري الآن في بلاد ما بين الرافدين، هو حرب عصابات كلاسيكية حقيقية. ففي المرحلة الأولى، نفذت عمليات "اضرب واهرب"؛ وفي الثانية، شنت هجمات متكررة على قوات الحكومة العراقية ومراكزها وشرطتها، لزعزعة سلطتها ونزع الشرعية عنها؛ وفي الثالثة، سوف تخوض الحرب الشاملة للاستيلاء على السلطة.
وأياً ما يكن مقدار الصحة في ما يعتقده كاتزمان، فهو لم يخرج كثيراً عن إطار الرؤية التي تتسيد الساحة السياسية والإعلامية الأمريكية، راهناً، تلك التي فحواها: أن القوات العسكرية الأمريكية لا تستطيع السيطرة على أقسام كبيرة من العراق، الذي تفكك، فعلياً، إلى مجموعة جزر خارجة عن السيطرة تحكمها الميليشيات.
في هذا السياق، لا نجاوز الحقيقة كثيراً إذا قلنا: أن الولايات المتحدة على وشك أن تفقد "المبادرة الإستراتيجية" في العراق؛ المبادرة التي تمكنها من البقاء في هذا البلد لتحقيق استهدافاتها الإستراتيجية، والتي من أجلها جاءت بهذا الحجم الكثيف من القوات العسكرية.
ضمن أكثر الأمور دلالة على ذلك، أي: على فقدان الولايات المتحدة للمبادرة الإستراتيجية في العراق، أن المأزق الأمريكي، هناك، هو مـأزق ثلاثي الأبعاد..
الأول، أن ثمة استهداف أمريكي رئيس، وهو: القضاء على أية إمكانية تؤدي، أو يمكن أن تؤدي، إلى "استمرارية المقاومة" في العراق.. فـ "الدرس اللبناني" ما يزال ماثلاً في الأذهان.
الثاني، منع استئثار أي طرف بالساحة السياسية العراقية، وإبقاء الأطراف في حال مستمر من التنازع، ما يضطر هذه الأطراف إلى اللجوء إلى أكثر الأطراف الخارجية تحكماً في العراق، أي: الولايات المتحدة الأمريكية.
الثالث، مشروع "الشرق الأوسط" (الكبير/الموسع)، الذي تريد الولايات المتحدة بناءه، وهو "إقليم" ذو طابع سني في غالبيته.. ولأن العراق يجب أن يكون نموذجاً، لذا لا يجب أن تظهر الولايات المتحدة الأمريكية بمظهر من يتجاهل الشارع العربي السني، والذي لن يقبل فكرة تقليص دور السنة في العراق.
وفي هذا السياق، ذاته، الذي يؤشر إلى عدم نجاح الولايات المتحدة، في أي من هذه الأبعاد الثلاث، بشكل يكون مقبولاً لدى صناع القرار فيها، يصبح التساؤل: إلى أين يتوجه العراق؛ هذا البلد الذي يمثل، في إطار "الجغراسية" (الجغراسياسية) العربية، الواجبة، البوابة الشرقية لأمن العرب(؟!).
إن أول ما يمكن للمرء ملاحظته، أن ما يزيد على "سبعة عشر" شهراً قد انقضت على اندلاع المقاومة العراقية، هي ذاتها عمر الاحتلال الذي بدأ في العراق (في: التاسع من أبريل 2003).. ذلك أن المقاومة العراقية لم تتوقف ـ عملياً ـ منذ ذلك اليوم، بصرف النظر عن تحولاتها، ومستوى فعلها في الميدان؛ خاصة وأنها كانت قد فاجأت الجميع في الداخل والخارج، ليس فقط بفعلها، ولكن أيضاً بسرعة اندلاعها.
ومن ثم، يبدو أن تقاطعات المستقبل العراقي يتجاذبها نموذجين، انهيار الدولة من جهة، واستمرارية المقاومة من الجهة الأخرى؛ وهما النموذجان اللذان يتقاطعهما "العامل الأمريكي، كأهم العوامل في المعادلة العراقية.. ولعل هذا، يتأكد إذا لاحظنا مجموعة المشاهد المطروحة، التي يتداولها كثير من العراقيين والعرب، حول ذلك "العامل" في هذه "المعادلة".
فإذا كان من الصحيح أن السياسة الأمريكية، كانت قد تغيرت أكثر من مرة.. إلا أنه يبقى من الصحيح، أيضاً، أن قاسمها المشترك كان تنصيب حكومة عراقية موالية لواشنطن. وهذا منطقي، وشيء طبيعي، لدولة عظمى غامرت في خوض الحرب من أجل احتلال العراق.
بعبارة أخرى.. في ظل: "حكومة انتقالية" لم يثبت، حتى الآن، أنها قادرة على إدارة بلد يرزح تحت خراب بنية تحتية، وفراغ سياسي هائل، ونفوذ ديني واسع يسيطر على الشارع العراقي؛ وبعد: اندلاع "انتفاضة" دينية في الفلوجة وبغداد والنجف والكوت والناصرية، وغيرها من المدن، وبعدما تصدى الأمريكيون بقوة عسكرية ضاربة، وضارية، لهذه الانتفاضة؛ وبعد: حصار الفلوجة والشعلة وسقوط مئات من الضحايا العراقيين..
بعد هذا وذاك، وفي ظل ما قبلهما.. يصبح التساؤل: ماهي أفاق المستقبل لهذا البلد(؟!).
ليس هناك من شك، في ما يبدو من أحداث، بأن هناك "جدول أعمال" (أجندة) أمريكية، ترمي إلى إبقاء العراق متخلفاً بلا دولة أو نفوذ إقليمي، كما هي الحال في أفغانستان، وهي تجربة قادتها من قبل في الصومال (تجربة انهيار الدولة)، هذا رغم فشلها في استمرار احتلال هذا البلد العربي الأفريقي الصغير..
في ما يبدو، فإن العديد من الاحتمالات تبدو ملامحها في الأفق..
منها، الاحتمال الخاص بإمكانية نجاح الأمريكيين، وحلفاءهم الغربيين، في العثور على صيغة سياسية واقتصادية وأمنية ما، ترضي، أو يمكن أن ترضي، السنة، أو قل: "المثلث السني" في العراق.. غير أن مثل هذا الاحتمال، يبدو بعيداً عن التحقق، على الأقل في المرحلة الراهنة.
ومنها، الاحتمال المتعلق بالدفع في اتجاه نشوب "حرب أهلية"، تستمر أمداً طويلاً، وهو احتمال يعني إمكانية مشاركة كافة القوى الإقليمية في هذه الحرب تبعاً لمصاحها الخاصة؛ وتبعاً، أيضاً، لمدى تضررها من التطورات الحاصلة هناك.. وهو احتمال تتبدى ملامحه في الأفاق، ولكن: هل يخطىء الأمريكيون حساباتهم في "لبننة العراق"، بكل ما تستدعيه الذاكرة من هذا الدرس، رغم أنه لم يتجاوز الحدود اللبنانية(؟!).
ومنها، الاحتمال المتمحور حول تقسيم العراق، إما على النمط السويسري القديم، أو على النمط الأفغاني الجديد.. وهو الاحتمال الأكثر اقتراباً من التحقق، لأنه، ببساطة، يمكن أن ينبني على الاحتمال الذي سبقه. هذا، رغم أن تحققه بالصيغة السويسرية يعني: قيام كانتونات كونفيدرالية شبه مستقلة؛ أما تحققه بالصيغة الأفغانية فيعني: استقلال القبائل والعشائر وأمراء الحرب عن الدولة المركزية، التي ستكون ـ حينئذ ـ هامشية وافتراضية أكثر من كونها حقيقية.
وماذا بعد(؟!).
وبعد.. يصبح التساؤل حول مستقبل العراق أكثر إلحاحاً، خاصة وأنه تساؤل يتواكب مع تساؤل آخر، يتعلق بـ "الهدف الإستراتيجي الأمريكي"، من غزو العراق واحتلاله، ذلك الذي يتعلق بمشروعها في "إعادة هيكلة المنطقة"، كما صرح مارتن إنديك ذات مرة(؟!).