وبطبيعة الحال ثمة مسافة واسعة بل اختلاف نوعي بين الفهم والتفسير وبين التبرير، فقد تكون الصورة التي تؤدي إليها عمليات التفسير العقلاني الهادئ إلى موقف أكثر سلبية من أمريكا لكن الأهم أنه سيكون أساسا يمكن البناء عليه بدلا من حالة الدهشة المزمنة من عجزنا عن فهم العقل الأمريكي وفشلنا في التواصل معه وصولا إلى جسر للحوار بدلا شعار "الموت لأمريكا" الذي يتخذه بعض الأمريكيين تكئة للرد عليه بشعار "الموت للعرب".
وتعد السمة الأكثر تفردا في بنية آلة السياسية الأمريكية الضخمة ما يسمى "مؤسسات الفكر والرأي" وهي ظاهرة كبيرة ومركبة لا يجوز اختزالها في إلحاق هذه المؤسسات جميعا باللوبي الصهيوني. وحسب الديبلوماسي الأمريكي المعروف فإن دور هذه المؤسسات الفكر والرأي، من بين غيره من المؤثرات العديدة في صياغة السياسة الخارجية الأمريكية، أحد أكثر تلك الأدوار أهمية وأقلها فهماً وتقديراً. فقد قامت هذه المؤسسات التي تشكل ظاهرة أميركية مميزة، بصياغة التعاطي الأميركي مع العالم لفترة تقارب مئة عام. ولكن كون مؤسسات الفكر والرأي تقوم بمعظم مهامها بمعزل عن أضواء وسائل الإعلام يجعلها تحظى باهتمام يقل عما تحظى به المنابع الأخرى للسياسة الأميركية.
وهذه المؤسسات مستقلة أنشئت لإجراء الأبحاث وإنتاج معارف مستقلة متصلة بالسياسة، وهي تسدّ فراغاً مهما بين الأكاديمي وصانع القرار ما يعني المساعدة على سد الفجوة بين عالمي الأفكار والعمل. وقد ولدت هذه المؤسسات قبل قرن كجزء من حركة تستهدف الاحتراف في العمل الحكومي. وكانت رسالتها المعلنة، في معظمها، غير سياسية ويضم الجيل الأول منها "معهد البحوث الحكومي" (1916)، وهو ما أصبح لاحقا "مؤسسة بروكنغز" (1927). وكانت "مؤسسة كارنيغي للسلام العالمي" (1910) أول مركز أبحاث يحصر نشاطه في السياسة الخارجية.
و مع اندلاع الحرب العالمية الأولى أصبحت هذه المهام ملحة إذ أطلقت الحرب جدلا حول الدور العالمي المناسب للولايات المتحدة. وخلال شتاء 1917 - 1918، جمع العقيد إدوارد هاوس، (كان مستشاراً للرئيس وودرو ويلسون) بشكل متكتم متحفظ، باحثين بارزين لاستكشاف خيارات ما بعد الحرب. وقام هذا الفريق، الذي عُرف باسم "مجموعة التحقيق"، بتقديم النصح للوفد الأميركي لمؤتمر السلام في باريس. وقد تطورت الفكرة من نادي عشاء شهري لتصبح إحدى أكثر مؤسسات السياسة الخارجية تأثيرا، ففي 1921، انضمت المجموعة إلى مصرفيين ومحامين وأكاديميين بارزين، لتشكيل "مجلس العلاقات الخارجية". وساعد الجيل الأول من مؤسسات الفكر والرأي في إنشاء واستدامة مجموعات محلية من المواطنين المتنورين المؤيدة للتعاطي العالمي، وحافظ في الوقت نفسه على إبقاء فكرة "الدولية" حية خلال السنوات التي انقضت بين رفض الولايات المتحدة الاعتراف بعصبة الأمم واندلاع الحرب العالمية الثانية.
وكما كان للحرب الأولى فضل ميلاد الظاهرة كان للحرب العالمية الثانية دور رئيس في تطورها، فبرزت موجة ثانية من مؤسسات الفكر والرأي بعد 1945 وتلقى العديد منها دعما حكوميا مباشرا. وأطلقت مؤسسة "راند" (1948) التي أنشئت أساسا كمؤسسة مستقلة لا تبغي الربح بتمويل من سلاح الطيران لتعمل في الدراسات الاستراتيجية وما زالت تؤثر في صياغة طريقة تحليل سياسة الدفاع والردع بعد مرور عقود من نشأتها. وبرزت خلال العقود الثلاثة الأخيرة، موجة ثالثة من مؤسسات الفكر والرأي تركز على تأييد آراء معينة ومناصرتها بنفس قدر تركيزها على الأبحاث، مستهدفة إنتاج وتقديم مشورة سياسية في الوقت المناسب يمكنها التنافس في سوق الأفكار المزدحمة، والتأثير في القرارات السياسية. وتعد مؤسسة "هيريتيج" المحافظة (1973) النموذج الأصلي لمؤسسات الفكر والرأي الداعية لأفكار معينة كما يلعب "معهد الدراسات السياسية الليبرالي" دورا مشابها.
وبحلول القرن الواحد والعشرين، أصبحت هناك أكثر من 1200 مؤسسة للفكر والرأي موزعة على كامل الساحة السياسية الأميركية تشكل مجموعة غير متجانسة، فبعض هذه المؤسسات مثل: "معهد الاقتصاد الدولي"، أو "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" يركز على مجالات أو مناطق معينة. بينما تغطي مؤسسات أخرى، مثل: "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية"، السياسة الخارجية بصورة عامة. ولدى القليل منها مثل "بروكنغز" وقفية لتمويلها، بينما تحصل مؤسسات أخرى مثل "راند" على معظم إيراداتها من عقود للقيام بأعمال لزبائن في الحكومة والقطاع الخاص وتعتمد قلة منها، مثل "معهد السلام الأميركي" بصورة شبه كاملة على التمويل الحكومي. وأحيانا تقوم هذه المؤسسات بدور إضافي كمنظمات غير حكومية ناشطة في قضية معينة.
ومع ظهور الجيل الثاني من هذه المؤسسات وظهور مجموعة كبيرة منها تعمل على الدعوة لاتجاه سياسي ما بعد أن كان الجيل الأول منها يعمل بمنطق محترف لا تحكمه انحيازات تحولت من طرح بدائل عملية إلى الترويج لرؤى نظرية، وهو ما جعلها تصبح أكثر إغراقا في العمل السياسي، غير أنه – كما يقول السفير هاس - ليس من السهل لفت انتباه صانعي السياسة المنشغلين والغارقين في المعلومات أصلاً. لذلك تحتاج مؤسسات الفكر والرأي لتنجح في ذلك، إلى استغلال قنوات متعددة وإلى استراتيجيات تسويق: نشر مقالات وكتب وأبحاث ودراسات؛ والظهور بانتظام على شاشات التلفزيون وفي مقالات الرأي وإصدار نشرات موجزة تسهل قراءتها، وبيانات حقائق، ومواقع إنترنت.
وتوفر بعض المنعطفات التاريخية الحاسمة فرصاً استثنائية لإدخال تفكير جديد لحقل السياسة الخارجية وقد وفرت الحرب العالمية الثانية واحدة من هذه الفرص. فبعد اندلاعها أطلق "مجلس العلاقات الخارجية" مشروع دراسات ضخما حول الحرب والسلم لاستكشاف أسس ما بعد الحرب. وقد أنتج المشاركون في هذه الجهود 682 مذكرة قدموها إلى وزارة الخارجية حول مواضيع متنوعة، بدءا من احتلال ألمانيا إلى إنشاء الأمم المتحدة. وبعد سنتين من الحرب، نشرت مجلة "فورين أفيرز" التي تعكس هوية وأهداف المجلس مقالا غير موقع (كتبه الدبلوماسي الأميركي جورج كينان) بعنوان "أسباب التصرفات السوفيتية"، وساعد المقال في إقامة الأسس الفكرية لسياسة الاحتواء التي اتبّعتها أمريكا لأربعة عقود تالية.
وعلى صفحات المجلة نفسها نشر صامويل هنتنغتون (1993) أطروحته الشهيرة "صدام الحضارات". ومنذ الحادي عشر من سبتمبر 2001 أسهمت دراسات قام بها "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" ومعهدا "هيريتج" و"بروكنغز" في النقاش الذي فرضه الحادث.
ورغم أن ما نعرفه كعرب عن هذه المؤسسات يكاد يقتصر على كونها "محضن" تنضج فيه مخططات الهيمنة الأمريكية وأنها لا تشغل نفسها إلى بطرح تصورات للعلاقات الخارجية فإن هذه المؤسسات تقوم بدور كبير في طرح تصورات في القضايا الداخلية. وتشكل حملات الانتخابات الرئاسية وفترات انتقال الحكم مناسبات مثالية لرسم برنامج عمل للسياسة الخارجية. ويشرح ذلك مارتن أندرسون، من "مؤسسة هوفر"، قائلا: "في أوقات كهذه بالذات يطلب المرشحون المشورة من عدد كبير من المثقفين لتحديد المواقف السياسية حول حشد من القضايا السياسية الداخلية والخارجية. ويتبادل مرشحو الرئاسة الأفكار مع الخبراء السياسيين ويختبرونها خلال مسار الحملات الرئاسية. إن الأمر أشبه ما يكون باختبار تسويق لاستراتيجية قومية."
وقد كان أكثر الأمثلة شهرة على هذا ما حدث بعد انتخابات سنة 1980 عندما تبنت إدارة رونالد ريغان مطبوعة عنوانها "تفويض للتغيير" صادرة عن "مؤسسة هيريتيج" كبرنامج عمل، وهناك حالة ثانية أكثر حداثة تمثلت بصدور تقرير سنة 1992 أعده "معهد الاقتصاديات الدولية" و"مؤسسة كارنيغي" يقترح إنشاء "مجلس أمن اقتصادي"وهو الاقتراح الذي نفذه كلينتون بعد ذلك بالفعل.
ولمؤسسات الفكر والرأي دور شدد الأهمية في التجربة الأمريكية التي قامت على مجموعات من المهاجرين متعددي الثقافات على نحو كان يجب أن يؤدي إلى انقطاعات فيما يسمى في أي مجتمع "الاستمرار" بمعانيه الفكرية والسياسية والثقافية فعبر تدفق مستمر من الخبراء للخدمة في الإدارات الجديدة وفي فرق الموظفين التابعين للكونغرس يتم تأمين الاستمرارية، وتعتبر هذه الوظيفة التي تؤديها المؤسسات بالغة الأهمية في النظام السياسي الأميركي. ففي الديموقراطيات المتقدمة الأخرى مثل فرنسا أو اليابان تعتمد كل حكومة جديدة لتحقيق الاستمرارية على عدد كبير من موظفي الإدارة المدنية. أما في الولايات المتحدة، فيؤدي كل انتقال للسلطة إلى استبدال مئات الموظفين من الدرجة المتوسطة أو من كبار الموظفين في السلطة التنفيذية. وتساعد مؤسسات الفكر والرأي على سدّ هذا الفراغ.
وقد قام جيمي كارتر، بعد انتخابه بتعيين الكثير من الخبراء مؤسسة "بروكنغز" ومن "مجلس العلاقات الخارجية" في حكومته. وتوجه رونالد ريغان إلى مؤسسات أخرى لتشكيل هيئة خبرائه ومستشاريه، فاستعان خلال فترتي حكمه بمئة وخمسين شخصاً من مؤسسات: "هيريتيج"، و"هوفر"، و"معهد إنتبرايز".
واتبعت إدارة بوش الحالية نمطاً مشابهاً في ملء وظائف المستويات العليا ففي وزارة الخارجية، يشمل الموظفون الكبار ممن لديهم خلفيات في مؤسسات الفكر والرأي فمثلا نائب وزير الخارجية للشؤون العالمية، بولا دوبريانسكي (سابقا نائب رئيس، مديرة مكتب واشنطن في "مجلس الشؤون الخارجية") ؛ ونائب وزير الخارجية لمراقبة التسلّح والأمن الدولي، جون بولتون، (نائب الرئيس السابق لـ "معهد الاقتصاد الأميركي")؛ ومساعد وزير الخارجية لشرق آسيا والمحيط الهادئ، جيمز كيلي (سابقا رئيس "منتدى المحيط الهادئ التابع لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية")؛ ومساعد الوزير لشؤون المنظمات الدولية، كيم هولمز (نائب الرئيس السابق لمؤسسة "هيريتيج"). وفي البنتاغون بيتر رودمان مساعد وزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي (سابقا مدير برامج الأمن القومي في "مركز نيكسون". وتوفر هذه المؤسسات من ناحية أخرى فرصا للمسؤولين السابقين ليستمروا في العمل من خلالها.
وبمقدار ما تمتد الذراع الطويلة للسياسة الأمريكية تنتشر منتجات هذه المؤسسات تنشرها مطاعم ماكدونالدز أو صواريخ باتريوت، وفي هذا العالم البراق المصقول ديناصورات تلعب أدوارا حاسمة في السياسة الدولية من خلال تأثيرها في صانع القرار الأمريكي.
بعد ما يقرب من قرن على ميلاد الظاهرة فإن عبارة "مؤسسة فكر ورأي" التي استخدمت لأول مرة في أمريكا خلال الحرب العالمية الثانية للإشارة إلى غرفة أو بيئة آمنة يستطيع علماء الدفاع والمخططون العسكريون الاجتماع فيها لمناقشة الأمور الاستراتيجية، أصبحت تطلق على حوالي 2000 مؤسسة أمريكية في ميدان التحليلات السياسية تعمل "كما لو كانت جامعات بلا طلاب"، وحوالي 2500 أخرى مشابهة عبر العالم. وعندما تطلق العبارة تنصرف الأذهان إلى صورة منظمة مثل "راند" إحدى أكبر مؤسسات الأبحاث الأميركية الخاصة بالسياسة الخارجية والدفاعية ويعمل بها أكثر من 1000 موظف وتتجاوز ميزانيتها السنوية 100 مليون دولار.
تتباين مؤسسات الفكر والرأي بدرجة كبيرة من حيث حجمها ومواردها وعدد عامليها، فقد تستعمل العبارة لوصف ورشة عمل متواضعة مثل "مؤسسة الدراسات السياسية" التي يقل عدد عامليها عن 24 شخصا وتتراوح ميزانيتها بين 1 – 2 مليون دولار سنويا. ومن أصل 2000 مؤسسة أمريكية، يعتبر ما يقارب 25 % منها مؤسسات مستقلة أما الأكثرية فمرتبطة بالجامعات وتمارس هذه المؤسسات أنواعا مختلفة من النفوذ. فبينما تظهر بعضها مثل "معهد إنتربرايز" و"مؤسسة هيريتيج" فعالية في المساعدة على تأطير مناقشات سياسية ذات طبيعة نظرية أو عامة، فإن مؤسسات أخرى مثل "راند" تظهر نفوذاً أكبر في تقدير تكاليف وفوائد تطوير تكنولوجيات سياسية جديدة.
وحسب جيمس ماكغان كبير باحثي "معهد أبحاث السياسة الخارجية" فإن هذه المؤسسات قامت بنشاط كبير لتصدير أساليبها عملها وهياكلها التنظيمية للخارج، إذ روج "معهد أوربان" و"مؤسسة هيريتيج"، و"معهد أبحاث السياسة الخارجية"، و"معهد هدسون" بنشاط لنهجهم في التحليل السياسي لمجموعات مختلفة في إفريقيا وآسيا، وأوروبا الشرقية ودول الاتحاد السوفيتي السابق. وبعضها أقام مؤسسات تابعة خارج أمريكا.
وتعد مؤسسة "بروكنغز" إحدى أقدم مؤسسات الفكر والرأي الأمريكية إذ انبثقت عن "مؤسسة الأبحاث الحكومية" التي أسسها (1916) رجل أعمال يدعى روبرت بروكنغز الذي أسس لاحقاً منظمتين أخريين هما "مؤسسة الاقتصاد"، و"كلية الدراسات العليا للاقتصاد وشؤون الحكم". وفي 1927 تم دمج الثلاث لتشكل "مؤسسة بروكنغز" التي ركزت في البداية على السياسة الداخلية الاجتماعية والاقتصادية، ولم تضف الدراسات الدولية إلى برنامج أبحاثها إلا بعد الحرب العالمية الثانية.
وحسب ستروب تالبوت رئيس "بروكنغز" فإنها تعمل في ثلاثة ميادين رئيسة: دراسات السياسة الخارجية، والدراسات الاقتصادية، ودراسات شؤون الحكم، ويضم هيكلها التنظيمي أيضا عدة مراكز أبحاث تركز اهتمامها على مناطق كالشرق لأوسط، أو قضايا كسياسة التعليم. ومنذ ميلادها زودت المؤسسة صانعي السياسة وعامة الناس بأبحاث قابلة للتطبيق في التوقيت المناسب، فلعبت الأفكار الواردة منها دورا أساسيا في الحشد للحربين العالميتين وفي تكوين العملية اللازمة لإنشاء موازنة الحكومة الفدرالية، ونظام الخدمة المدنية، والضمان الاجتماعي؛ وفي تطوير مشروع مارشال؛ وفي التحكم بالأسعار خلال الحرب العالمية الثانية؛ وفي استخدام العقوبات لمعاقبة ما يسمى "الدول المارقة"؛ وفي تنظيم مجلس الأمن القومي وهيكل السياسة الخارجية والدفاعية الأخرى.
وقد خلص آندرو ريتش، أستاذ العلوم السياسية الذي درس هذه المؤسسات، في تقرير أعده قبل خمس سنوات إلى أنها "تبقى مصدراً رئيسا للمعلومات والخبرات بالنسبة لصانعي السياسة وللصحفيين. ويتم الاعتماد على تقاريرها بشكل منتظم لإرشاد ومساندة أعضاء الكونغرس في جهودهم التشريعية والصحفيين في وضع تقاريرهم." وقد وجد ريتش، في دراسة أعدها حول الموظفين العاملين مع أعضاء الكونغرس والصحفيين الذين يغطون أعمال مجلسيه، أن 90 % منهم يرى أن مؤسسات الفكر والرأي "لها بعض التأثير أو تأثير كبير" في السياسة الأميركية، وتعتبر "بروكنغز" الأكثر مصداقية بين ثلاثين مؤسسة تناولتها دراسته.
وقد خدم أكثر من اثني عشر من باحثي "بروكنغز" في مؤسسات رسمية كالخارجية ومجلس الأمن القومي، ومنهم، جيمز ستاينبرغ، نائب مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، مدير فريق عمل التخطيط السياسي في وزارة الخارجية (سابقا نائب رئيس، مدير برنامج دراسات السياسة الخارجية في "بروكنغز")، ومارتن إنديك مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون الشرق الأدنى، سفير أمريكا مرتين في إسرائيل ، (مدير مركز صبان لسياسة الشرق الأدنى التابع لمؤسسة "بروكنغز") وغيرهما. وتبلغ الميزانية السنوية للبحوث في "بروكنغز" حوالي 40 مليون دولار توفرها مصادر عدة منها هبة موقوفة من مؤسسها وعائد مبيعاتمؤسسات تابعة لها، إلى جانب هبات من مصادر أخرى. ولأهمية وسائل الإعلام في التأثير في المواطن وصانع القرار على السواء يكرس كثير من باحثي "بروكنغز" وغيرها جهدا كبيرا لترويج أفكارهم إعلاميا، وقد أنشأت "بروكنغز" استوديو تلفزيوني وإذاعي خاص بها لتسهيل المقابلات مع وسائل الإعلام.
وبين ما يقرب من ألفي مؤسسة تبرز أسماء قليلة يمكن وصفهم – بناء على حجم تأثيرهم - بأنهم "ديناصورات"، ومنها:
"معهد أميركان إنتربرايز" (1943) المتخصص في أبحاث السياسة الخارجية ويعمل فيه حوالي خمسين باحثا وبلغت ميزانيته عام 2000 سبعة عشر مليون دولار.
و"مؤسسة كارنيغي" (1910) ويبلغ عدد العاملين في مكتبها في واشنطن 100 شخص، كما يعمل حوالي أربعين باحثاً روسياً في مكتبها في موسكو. وتبلغ ميزانيتها السنوية حوالي 18 مليون دولارا تحصل على معظمها من الهبات إلى جانب إيرادات أخرى ضمنها عوائد بيع مجلة "فورين بوليسي" البارزة.
و"مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" وكما يشير اسمه يعمل بشكل متخصص في مجال السياسة الدولية، ويعمل فيه 190 باحثا، وتشكل مساهمات الشركات والمؤسسات الوقفية والأفراد 85 % من ميزانيته السنوية البالغة 17 مليون دولار.
و"مجلس العلاقات الخارجية" (1921) وهو مجموعة من المؤسسات تقتصر مهمتها على زيادة فهم أميركا للعالم وتقديم الأفكار لسياستها الخارجية، ويصدر المجلس مجلة "فورين أفيرز" المعروفة ويعمل فيه حوالي مائتا شخص وتبلغ ميزانيته لهذا العام 6.29 مليون دولار.
و"مؤسسة هيريتيج" (1973) وهي منظمة للأبحاث والتعليم تدعم السياسات المحافظة ويعمل بها 185 موظفا بينهم 75 خبيرا في مجموعة واسعة من القضايا السياسية المحلية والدولية. وتعتمد في ميزانيتها السنوية البالغة حوالي 28 مليون دولار على مساهمات أعضائها ودعم أكثر من 200 ألف متبرع أمريكي.
وبين هذه المؤسسات تنفرد "راند" بموقع متميز إذ تعد "عقل البنتاجون" وحسب مايكل ريتش نائب رئيسها التنفيذي فإن مؤسسات الفكر والرأي عملت عن كثب مع القيادتين المدنية والعسكرية في البتناجون، منذ بداية عهدها، حول قضايا عديدة، بدءاً من التكنولوجيات الجديدة ووصولاً إلى التخطيط والعمليات العسكرية. وتحتاج القوات المسلحة وكذلك القيادة المدنية، لأبحاث موضوعية ممتازة النوعية حول الاتجاهات الجيوسياسية، وما قد تنطوي عليه الخيارات المختلفة في السياسة الخارجية من مدلولات.
وتعتبر "راند" التي أُسست كمنظمة غير ربحية عام 1948 أقدم هذه المؤسسات وأكبرها ويتعلق حوالي نصف أعمالها الحالية بالدفاع القومي، وتدير ثلاثة مراكز أبحاث وتطوير ترعاها البنتاجون وتمول فيدراليا بموجب عقود طويلة الأمد. وبفضلها تمكن سلاح الطيران من الحصول على مساهمات مدنية علمية هائلة خلال الحرب العالمية الثانية. وكجزء من برنامج أوسع للأبحاث حول القوة الجوية قامت به مول سلاح الطيران عملية لتطوير أبحاث تحليلية غير مسبوقة لفهم طبيعة الاتحاد السوفيتي، وتناولت الأبحاث تطور الاستراتيجية، والعقيدة، والأنظمة العسكرية السوفيتية كما طلب سلاح الطيران أيضا دراسات تحليلية حول اقتصاد الاتحاد السوفيتي وسياسته الخارجية وبرامجه العلمية والتكنولوجية، وموضوعات أخرى كثيرة.
وسرعان ما قصد سلاح الطيران، ثم مكتب وزير الدفاع، مؤسسة "راند" للقيام بأبحاث حول الصين، وأوروبا الشرقية، واليابان، وجنوب شرق آسيا، والشرق الأوسط، وأميركا اللاتينية، وأوروبا الغربية. وهي دراسات وفرت للحكومة الأميركية والرأي العام - من خلال تقاريرها المنشورة - مجموعة مستقلة من الأبحاث حول موضوعات مثل: القوة الاقتصادية، والقدرات العسكرية، والثورات المسلّحة، ونوايا الهيمنة، والاحتمالات الممكنة لقيام قيادات جديدة تستطيع خلافة سابقاتها في الكثير من بلدان العالم.
وتلعب مراكز أبحاث "راند" دورا خاصا في تلبية احتياجات الجهات التي ترعاها في البنتاجون إلى الأبحاث والدراسات التحليلية. وهذه المراكز هي: "مشروع سلاح الطيران"؛ و"مركز آرويو التابع للجيش"؛ و"معهد أبحاث الدفاع القومي"، الذي يخدم في الأساس مكتب وزير الدفاع وهيئة الأركان المشتركة ووكالات الدفاع. ويقوم كل مركز بإدارة برنامج واسع ومتكامل للأبحاث يتناول الحاجات الأمنية الناشئة وتطوير استراتيجيات وعقائد وتكتيكات ومفاهيم جديدة للعمليات؛ وتطبيق تكنولوجيات جديدة، وقضايا متعلقة باللوجيستية وغيرها. وكمثال على ذلك، أعدت "راند" دراسة لسلاح الطيران استمرت عدة سنوات حول تحديث وسائل الدفاع الصينية ونتائجها بالنسبة لسلاح الطيران الأميركي.
ومع ازدياد الوزن النسبي لهذه المؤسسات في رسم السياسة الخارجية (والدفاعية) للولايات المتحدة يصبح ملحا أكثر فأكثر الانتقال من "الهجاء" إلى الفهم، فهذه المؤسسات هي في النهاية تعبير عن قناعات تيارات سياسية وفكرية في المجتمع الأمريكي لعل أهمها بالنسبة لنا وأكثرها تأثيرا في مصالحنا التياران الصهيوني واليميني المحافظ المتحالفان بقوة منذ عهد ريجان.
لعبت بنية النظام السياسي الأمريكي الذي لم يعرف "أيدلوجية قائدة" كالاتحاد السوفيتي، ولم يتأسس على هوية قومية شأن نموذج الدولة القومية المنتشر في أوروبا، دورا كبيرا في منح مؤسسات الرأي والفكر مساحة تأثير أوسع في صنع خيارات السياسة الأمريكية. وفي الواقع فإن جميع الدراسات والخطط الاستراتيجية الأمريكية التي ساهمت بدور رئيس في إعادة هيكلة دور الولايات المتحدة عقب انهيار الاتحاد السوفيتي خرجت من أروقة هذه المؤسسات.
ويبدأ فهم سيطرة هذا التحالف الصهيوني/ اليميني بتتبع مسار التقارب بينهما، وحسب ضابط الموساد المنشق فيكتور أوستروفسكي فإن للموساد دورا في دفء العلاقات بينهما ويرجع ذلك – جزئيا - إلى عمل مكثف بدأه الموساد في الستينيات، عندما كانت الساحة السياسية الأمريكية تتسم بخصائص معينة من زاوية النظر الإسرائيلية أهمها اثنان. الأولى أن الحزب الديمقراطي عرف بدعمه التاريخي لإسرائيل، أما الجمهوري المرتكز على تيار سياسي جنوبي محافظ فعرف بتبنيه سياسة حذرة تجاه إسرائيل بل بعداء بعض رموزه لليهود. أما الثانية فكانت ميل أغلبية اليهود الأمريكيين لتبني مواقف ليبرالية أساسها دعم الحزب الديمقراطي أو منظمات أخرى يسارية أو ليبرالية.
وبدأ الموساد عملية معقدة أثمرت نتائج أفضل من المتوقع إذ بدا واضحا ضرورة "إعادة نشر" اليهود الأمريكيين على نحو أكثر توازنا بين الحزبين وتزامن مع ذلك مصادفة أن طلب الرئيس جونسون من إسرائيل بعد حرب 1967 أن "ترد الجميل"، ببذل جهدها لحث اليهود الأمريكيين على تخفيف معارضتهم لحرب فيتنام، بل لدفعهم ـ إن أمكن ـ لدعم الحرب. وكان رأي جونسون كما أبلغه لجولدا مائير آنذاك أنه لا يستطيع أن يفهم كيف يؤيد اليهود الأمريكيون الشيوعيين الفيتناميين الذين يدعمهم السوفييت بينما موسكو تمد العرب بالأسلحة.
وما حدث – حسب أوسترفسكي - "اختراق للجالية اليهودية" فالموساد تحرك بسرعة لشقها وإبعادها عن معارضة الحرب وكان من الصعب العثور على مدخل لتحقيق الهدف فأغلب يهود أمريكا كانوا إما ليبراليين يعارضون الحرب مبدئيا أو يساريين يؤيدون السوفييت وبات من الضروري البحث عن منظمات ـ يسارية أيضا ـ لتنفيذ الهدف. وقد تحتم أن تكون هذه المنظمات يسارية لأنه لم يكن هناك أي وجود لمنظمات أخرى بين يهود أمريكا وكانوا جميعا يساريين برايات مختلفة. وظهرت راية بدت ملائمة للهدف هي راية "التروتسكيين" وكان تروتسكي يعتبر أن حكم ستالين ديكتاتورية بشعة يجب القضاء عليها وأن الاتحاد السوفييتي كائن مشوه يتحتم تدميره لإعادة بناء دولة شيوعية حقيقية.
ووجد الإسرائيليون والأمريكيون في مواقف التروتسكيين تربة ملائمة فاستخدموها لسحب بساط التأييد لموسكو بين اليساريين أنفسهم وطور الموساد الفكرة بصورة خلاقة فاختراق الجماعات اليهودية التروتسكية، أو الجماعات التروتسكية التي يوجد بها عدد كبير من اليهود وبدأ يحشدهم ليس فقط لدعم حرب فيتنام، ولكن لدعم المشروع الإسرائيلي لاغتصاب فلسطين بدعوى أن الاتحاد السوفييتي ـ الذي اعتبره تروتسكي كائنا مشوها ومتوحشا ـ يقف وراء إجهاض المسارين معا: الانتصار الأمريكي في حرب فيتنام، وتحقيق حلم "إسرائيل الكبرى". وكان ما يقال للتروتسكيين الأمريكيين أمرا يشبه العبارات التالية:
"إذا كان الاتحاد السوفييتي نظاما رجعيا وقمعيا فإن من الضروري معارضة ما يفعل في فيتنام ـ أي دعم قوات الفييت كونج الشيوعية ـ وما يفعل في الشرق الأوسط لدعم الدول العربية التي تريد شن الحرب ضد إسرائيل وإزالتها".!
وهكذا تم نقل العديد منهم لدعم جونسون ومن ثم دعم أسس النظام الأمريكي المتناقضة مع أسس النظام السوفييتي، أي دعم حرية التجارة التي تناقض ما دعا إليه ستالين – قاتل تروتسكي- وما فعله عمليا.
بدأت عملية الموساد في كلية "سيتي كوليج" التابعة لجامعة نيويورك وكانت مركزاً للنشاط التروتسكي ومنها تم توجيه نشطاء مثل ايرفينج كريستول ـ حاليا أحد أبرز الصحفيين الأمريكيين ـ ونورمان بودهوريتز مؤسس مجلة "كومنتري" اليهودية الأمريكية المعروفة، وغيرهم ممن صاروا بعد ذلك نجوم ما سيعرف بـ "المحافظين الجدد". وبعد أن قام هؤلاء – حسب أوستروفسكي - بتأسيس منظمة تدعى "لجنة العالم الحر" اتسع نشاطها بدعم الموساد والمخابرات المركزية فخرجت عن نطاق اليهود رغم تركيزها عليهم لتضم عناصر أخرى، فالتحقت بها مثلا جين كيركباتريك والأخوان والت وايوجين روستو وريتشارد بيرل وايليوت إبرامز وكينيث آدلمان، وهي أسماء تألقت فيما بعد في سماء السياسة الأمريكية. لقد كان ذلك بمنزلة "مصنع" للقيادات السياسية التي بوسعها أن تتبنى موقفا أيديولوجيا متماسكاً في الدفاع عن سياسات محافظة وفي دعم إسرائيل. وما لبث هذا المصنع أن صار تيارا سياسيا عريضا ، وبخاصة مع احتدام المواجهة الأمريكية السوفييتية في السبعينيات والثمانينيات ، ثم شارك بفعالية في تحقيق انتصار سياسي كبير كان نقطة تحول ليس فقط في تاريخ هذا التيار السياسي ذاته، ولكن في التاريخ الأمريكي أيضا. وحمل المحافظون الجدد ـ ضمن تحالف أوسع ـ أول رئيس "محافظ جديد" إلى البيت الأبيض هو رونالد ريجان الذي عين كثيرا منهم في مناصب مرموقة في الخارجية ومجلس الأمن القومي وغيرهما.
ولم يكن جورج بوش الأب ينتمي للمحافظين الجدد بل للمحافظين التقليديين وجاء ليضع في البيت الأبيض أجندة تختلف جزئياً عن أجندة المحافظين الجدد، ففيما كانوا يدافعون ـ بصورة عمياء ـ عن إسرائيل وضرورة مواجهة الاتحاد السوفييتي، فإن بوش الأب كان يدافع عن المصالح الاستراتيجية الأمريكية فحسب كما يراها ـ حتى وإن تصادمت مع مصالح إسرائيل وكان يظن أن بوسعه الاستغناء عن المحافظين الجدد لكن الركود الاقتصادي جعل انصرافهم عن دعمه يتخذ وزنا أكبر وأخفق بوش الأب في انتخاباته الثانية.
درس الموساد بعمق نتائج "تجربته" مع المحافظين الجدد وقرر ـ بسبب نجاحها الكبير ـ تكرارها على الجبهة الدينية، فدعم فرقة دينية متطرفة تسمى الكنيسة الايفانجليكية، ووثق علاقته بقادتها وعلى رأسهم جيري فالويل ثم حث المنظمات اليهودية الأمريكية على دعمها ماليا، وكانت ترتكز على معتقدات تدعم إسرائيل لأسباب دينية دعما تاما، إذ يؤمن أتباعها بأن المسيح سيعود إذا نشبت حرب "هرمجدون" الإنجيلية، وهي حسب تصورهم لن تنشب إلا بسيطرة اليهود على "إسرائيل الكبرى" وتوحيدهم القدس وإعادة بناء هيكل سليمان. حينئذ سيشن خصومهم الحرب عليهم، ويعود المسيح لتبدأ نهاية العالم. وفيما يمثل المحافظون الجدد أبرز داعمي بوش الابن في الانتخابات الماضية، فإن الكنيسة الايفانجليكية التي يقدر أتباعها بـ 55 مليونا أبرز التيارات الدينية الداعمة له. وأيا كانت درجة التضخيم في رواية أوستروفسكي فإنها تظل رواية شديدة الأهمية لأنها تلقي الضوء على الخلفيات المخابراتية لهذا التحالف الذي يكاد يكون الحاكم الفعلي للبيت الأبيض.
أثمرت التحولات التي بدأت خلال سنوات الستينات واقعا جديدا إذ أصبح المحافظون الجدد تيارا ذا وجود ملموس على الساحة الأمريكية وخلال سنوات السبعينات بدأ رموزه عملية بناء مؤسساتي ظل يتضخم بوتيرة متصاعدة قبل أن يعقد تحالفا وثيقا مع الكنيسة الإيفانجليكانية المعروفة بانحيازها السافر لإسرائيل. وبدأ أولى خطواته قبل حوالي 30 سنة عندما وجدت مجموعة بارزة من صقور المحافظين الجدد إدارة فعالة للدفاع عن وجهات نظرها هي "لجنة الخطر الماثل" وكانت تضم مجموعة من المتشددين كانوا يعتقدون أن الاتحاد السوفييتي على وشك التفوق على أمريكا عسكريا فكان الدافع المباشر لقيام اللجنة الدعوة لزيادة الموازنة العسكرية والمعارضة المحمومة لأي شكل من أشكال الرقابة على التسلح.
بانتخاب رونالد ريغان عام 1980 انتقلت "لجنة الخطر الماثل" من الهامش إلى المركز وبعد أن كانت حجر الزاوية لمؤسسة ظل دفاعية أثناء إدارة كارتر، وكذلك فعل اليمين خلال سنوات كلينتون، وتم ذلك جزئياً من خلال منظمتين هما:"مركز السياسة الأمنية" و"المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي (جينسا)" الذي أسسه المحافظون الجدد عام 1976. وخلال ربع القرن الماضي انتقلت المنظمة من مجموعة غير مترابطة إلى منظمة مرموقة يرتبط بها عدد ضخم من كبار الشخصيات الممسكة بزمام السلطة في واشنطن، فحتى بداية تولي إدارة بوش الحالية السلطة كانت هيئة مستشاري "جيسنا" تضم شخصيات مثل ديك تشيني وجون بولتون ودوغلاس فايث وغيرهم إضافة إلى بقايا حقبة ريغان أمثال جين كيركباتريك يوجين روستو وأوليفر نورت.
وحسب موقع المعهد على الإنترنت فإنه أوجد يهتم بإطلاع الأمريكيين على أهمية القدرات الدفاعية الفعالة القادرة على حماية المصالح الأمريكية وإبلاغ القائمين على الدفاع الأمريكي والشؤون الخارجية مدى أهمية الدور الذي يمكن لإسرائيل أن تقوم به في تعزيز هذه المصالح في الشرق الأوسط. ويترجم هذا من الناحية العملية بقيام أعضاء هذا العهد بإصدار سيل لا ينقطع من المقالات والتقارير التي تشكل مؤشراً جيداً حول ما تفكر به القيادة المدنية في البنتاغون. وينفق القسم الأعظم من موازنة المعهد السنوية على إرسال مجموعات من الجنرالات الأمريكيين المتقاعدين إلى إسرائيل وبعد عودتهم يقومون بتدبيج المقالات وتوقيع الرسائل والإعلانات المؤيدة لليكود، ويقوم المعهد بالعمل نفسه مع طلبة الكليات العسكرية الأمريكية كل صيف.
وقد كان هناك على الدوام تداخل بين أسماء المكلفين بأعمال في "جينسا" و"مركز السياسة الأمنية" – فمستشارو "جينسا" أمثال: جين كيركباتريك وريتشارد بيرل وغيرهما خدموا في الهيئة الاستشارية لـ "مركز السياسة الأمنية"، كما أن أكثر من عشرين مستشارا من "مركز السياسة الأمنية" يشغلون مناصب رئيسة في المؤسسة الأمنية القومية الأمريكية.
وهناك من يرى أن أهم وربما أخطر مؤسسات الرأي الأمريكية على الإطلاق "معهد المشاريع الأمريكي" الذي يستمد خطره من كونه معقل الفكر اليميني الأكثر تشددا، ومن الحقائق التي تساق لتأكيد ذلك ما طرحه مايكل ليدين الناطق باسمه في رؤيته لإصلاح الشرق الأوسط التي يرى أنها مهمة بل رسالة على أميركا النهوض بها!