المتأمل في فسيفساء الخارطة السياسية في الجزائر ،من أحزاب ذات مشرب ديمقراطي،وأخرى ذات مشرب وطني وإسلامي،ويحاول أن يجد للإخفاقات المتكررة التي رافقتهم مقابل تحكم السلطة في زمام القرار السياسي،والتوجهات الكبرى للبلاد يدرك مكمن الخلل ،ومربط العلة في أن المعارضة على اختلاف أطيافها لا ترقى إلى مستوى القوة التي تستطيع مناطحة الدور الريادي الذي تقوم به السلطة في كل مناسبة سياسية ،وفي كل عرس انتخابي.وقد استوعبت السلطة ضعف المعارضة ،بحيث تمكنت من تدجينها إما بالوعد أو الوعيد ،أو بسياسة التفكيك الداخلي ،وبث الشك في أن تكون هذه المعارضة البديل للحكم القائم.وهذا ما دفع أغلبية الأحزاب الموجودة داخل المربع المحسوب على المعارضة إلى حالة من اليأس،ومحاولة تدارك الأمور التي سيرتها السلطة بالكيفية التي تروقها،ومغالبة الإحباط المتخلق من وضع تتحكم فيه السلطة انفراديا.ولعل التفكك الذي أصاب أحزابا كانت إلى وقت النشأة الأولى عصية على الاختراق كما هي عصية على الزعزعة هو من قبيل الضبابية السياسية التي كانت تكتنف مسارها السياسي بعد أن تبين بأن السلطة تمكنت من مفاصل الحكم والمعارضة في آن واحد.التعويل الجماهيري في توازن الكفة بين السلطة والمعارضة لم يكن على تلك الأحزاب التي كذبت على نفسها،وسوقت كذبتها للعامة والخاصة من الناس بأنها ديمقراطية لا تحرص على المغانم من وراء تلك الكذبة ولكن تحرص على خدمة الشعب لما تتمكن من الوصول إلى الحكم.وإنما كان التعويل الأكبر والسلطة الفعلية تدرك هذا جيدا على التنظيمات الإسلامية التي هي أقرب من الشعب من أي تنظيم آخر.وأقرب إلى وجدان هذه الأمة من أي فصيل سياسي يتغنى بالصلاح،ويلعن الديكتاتورية.فالإسلاميون كانوا الملاذ الأوفر حظا للجماهير من كل تلك الأحزاب المتدمقرطة التي كبرت إعلاميا بفضل السلطة،بل سمن أهلها بفضل سحت السلطة أيضا.إن الإسلاميين على ما وجدوا أنفسهم عليه من مواجهة حقيقية للواقع،ولو من غير تأهب له،كانوا القدوة الأولى للجماهير بدليل أن أول انتخابات حرة ونزيهة فاز فيها الإسلاميون بالضربة القاضية ووجد النظام نفسه حائرا في هذا النصر المفاجئ .و الأمر سيان في الوطن العربي فكلما دخل الإسلاميون انتخابات كلما تبوءوا المراتب الأولى وأحرزوا النصر على جميع الخصوم.وربما المكانة التي وصلتها هذه الفصائل الإسلامية في قلوب الجماهير في أنها دائما يكتب لها النجاح انتخابيا ،ولو بدون الوصول إلى المبتغى الذي تطمح إليه منذ الأيام الأولى عندما كان أفراد هذه الفصائل الإسلامية تتحلق في حلقات مسجدية تتبادل الأحلام الوردية في إقامة المشروع الإسلامي والتمكين لدين الله في الأرض ،وإقامة نظام إسلامي لا يشذ عما صنعه الأولون من أبناء هذه الأمة.ترجع إلى التقارب النفسي بين هذه الفصائل الإسلامية وبين الشعب والإحساس بأن المتدينين هم أولى من غيرهم .ولو من دون احتكاك مباشر.فالجماهير لا تطمئن للذي يتقول أقاويل الديمقراطية ومفردات غريبة عنه جاء بها من كتب غربية،بل تطمئن للذي يقرن كلامه بالقرآن الكريم،والأحاديث الشريفة.ولهذا بقي ولا يزال الاطمئنان لكل سياسي متدين حتى يظهر عنه خلاف ما يدعيه.وكذلك يقسو الناس على كل سياسي متدين انحرف على ما يدعيه.والراصد لأحوال الأحزاب الإسلامية وما أصابها من نكسات على مستوى ثقة الشعب.ليس في أن السلطة قوية استطاعت أن تسلب من قلوب الجماهير حب هذه الأحزاب،بل في كون هذه الأحزاب الإسلامية لم تع جيد أطوار السياسة،والعمل السياسي الممأسس .بحيث بنت لنفسها برجا عاجيا في مخيلتها كون الجماهير العريضة معها،وحنقها على النظام يزيد كل يوم.ومن ثمة فإنها بمنأى عن أي مساءلة.ولم تقف عند الحد الذي يجعلها تغتر بالتفاف الجماهير حولها دون غيرها من الأحزاب الأخرى..ولكن تعمدت تغطية أخطائها،وعدم مراجعة الذات في أن هذه الأخطاء سوف تكبر ويتهدم كل البناء.وهذا ما حدث للأسف لكل الأحزاب الإسلامية الموجودة في الساحة السياسية.فالأخطاء تعاظمت وتعاظم معها الغرور بان كل شيء على ما يرام.وبأنه عيب أن يقال بأن الأحزاب الإسلامية أخطأت أو أنها تعاني المشاكل.وما دمر هذه الأحزاب لو تقصينا الحقيقة ،وفصلنا الأمور على سجيتها ليست المؤامرة الخارجية،أو حالة الاختراق الداخلي وإنما المغالطة التي نشأت عليها وهي تقديس القائد،والتمظهر أمامه بالولاء والطاعة على حساب العمل المؤسساتي.وقد يكون هذا الزعيم الملهم ،أو الرجل الكاريزماتي الذي تتمسح به الحاشية شخصية عادية جدا.ولكن الإفراط في التقديس يجعله يرى كل شيء أمامه أكثر احتقارا.فيندفع بفرط غروره نحو بناء عالمه الخاص الذي هو أقرب إلى التأليه منه إلى الإنسانية.إن الديمقراطية التي تطالب بها هذه الأحزاب الإسلامية وغير الإسلامية،وتبكي لأجلها كان الأولى بها أن تقتنع بها بداية ثم تقنع بها الآخرين.لأن الديكتاتور في بيته لا يمكن أن يكون ديمقارطيا خارجه.قد تكون التصورات الأولى التي أعطتها الجماهير للإسلاميين هي نفسها التي صورت على أن الإسلامي المتسيّس يسأل ولا يٌسأل ،يفعل ولا يقال لمَ فعلت.وهذا ما رسخ في ذهنهم بأنهم فوق المساءلة ما دام أنهم يمثلون المعارضة.ولكن نسوا في غمرة غرورهم ،أو خوفهم من الفضائح ونشر غسيلهم بأن البناء تآكل ومن القواعد،وهو آيل للانهيار اليوم أو غد.