سياسة الكل الأمني التي تحولت بقدرة قادر وكما فرضها الظرف البوتفليقي على خصوم فكرة التحاور حتى مع من تحوم حوله شبهة القرابة الأيديولوجية مع الإسلاميين، ناهيك عن الجبهة الإسلامية للإنقاذ أو المسلحين في الجبال والأحراش .إلى سياسة وئامية تقبل التفاوض مع الذي حمل السلاح ،وروَّع الآمنين.بل تقبل بالعفو والقبول بتغيير الفكرة كلية ،و ما اصطلح عليه على أن سياسة الكل أمني هي الخيار الإستراتيجي الذي لا محيد عنه كما كان يعبر عن ذلك عرَّاب الاستئصال رضا مالك ومن لف لفه من عتاة الإبقاء على تأزم الحالة الأمنية ولو كلف ذلك حرق البلاد برمتها.السياسة الوئامية المنتهجة من طرف عبد العزيز بوتفليقة غيرت مفهوم التعامل مع الأزمة الأمنية،كما كسرت حتى الحاجز النفسي الذي كانت القلة الفرانكومانية تقيمه في وجه أي مقاربة مفاهيمية تصالحية تنهي الأزمة،سواء بين السلطة وبين من يبدون أنهم خصومها،أو حتى بين الجزائريين أنفسهم الذين وجدوا أنفسهم وجها لوجه مع أزمة طاحنة لا ناقة لهم فيها ولا جمل.لقد كان الوئام المدني في الحقيقة انعطافة كبيرة من أجل تغيير المفاهيم والمصطلحات،حيال الوضع المتأزم القاتل،لكن لم يكن على الآمال الكبيرة في أن يكون الوئام المدني كما أريد له أن يكون من قبل الشعب الحامل لأعباء الأزمة والمتضرر من سياسة الكل الأمني.فالقدرة التعبيرية للشعب الجزائري لم تعد قادرة على استيعاب مفهوم ما تأتي به السلطة من مصطلحات وما ترميه من وراء تلك المصطلحات.لأن الوئام المدني كسياسة أمنية موضوعها واضح لكل ذي لب ويعني إنهاء الاقتتال بين أبناء الوطن الواحد، وإرجاع اللحمة الوطنية الممزقة كما كانت ورأب الصدع فضلا عن إحقاق الحق وإبطال الباطل أو هكذا فهمناه جميعا لما انتقل الخطاب السلطوي من مرحلة سياسة الكل الأمني إلى مرحلة التأمل مع الأزمة بشيء من الوضوح والمكاشفة وأحيانا بالمصارحة غير المعهودة،بعد أن سمعنا عبد العزيز بوتفليقة يتحدث عن الأزمة،وعن توقيف المسار الانتخابي،والانقلاب على خيار الشعب وكأنه علي بن حاج أو أي مواطن يعيش مع نبض الشارع .أما أن يتحول الوئام المدني إلى مجرد شطح سياسي الغاية الكبيرة من ورائه هو إسكات بارود البنادق،والخضوع التام لسلطة الأمر الواقع دون النظر في مجريات الواقع،وأسباب الأزمة حتى يتم القضاء عليها.فذلك هو عين الانقلاب على المفاهيم،وعن كل ما قيل من أوصاف في سياسة الوئام المدني.. بل انقلاب شر من الانقلاب الذي حد في 92 .معجم السلطة يعج بالمصطلحات التي تفصلها على مقاسها،فكما دأبت على تفصيل الانتخابات على مقاسها دائما.فهي تفصل المصطلحات على مقاسها أيضا كما تفهمها.ونكذب على أنفسنا لو قلنا بأننا لم نأمل في الوئام المدني خيرا.بل حلمنا بأن يكون المستقبل مع السياسة الوئامية الجديدة أكثر نضارة ،وأكثر ازدهارا.وكما كان المواطن الجزائري يفرح لقرب انفراج الأزمة،كان العالم أيضا يرى في السياسة الجديدة المخرج الحقيقي للجزائر بعد عشرية الدم والدموع و تفتيت الذات.بل وذهب أحد المواطنين وهو مجاهد إلى تقبيل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من زجاج التلفزيون كتعبير منه على النشوة،التي خلقها الوئام المدني.وما أن تعودنا على فجيعة مصطلح الوئام المدني بأنه خضوع تام للسياسة السلطوية، فرضتها التعاملات الأجنبية.تفاجأنا على حين غرة بأن الوئام المدني ناقص جنينيا،وغير مكتمل .ويحتاج إلى ترقية إلى مرتبة اصطلح عليها المصالحة الوطنية الشاملة.وما أن تعودنا على المصطلح وتعودت مسامعنا على هذا المصطلح،من فرط ما ردده أحمد أويحيى ومن قالوا بأن المصالحة الوطنية الشاملة هي التموقع في خانة الفقر ،والقبول بالأمر الواقع،والرضا على من نازعك طرف الثياب ولطمك على خديك.حتى نسمع عن مصطلح جديد هو العفو الشامل.فهل قدر للوئام المدني أن يعيش الزمن الكافي حتى نطمع في استبداله بمصطلح جديد.؟وماذا يعني الوئام المدني ،والمصالحة الوطنية،والعفو الشامل، أليسوا مترادفات لمعنى واحد،أليسوا مصطلحا واحدا،تنحو منحى فلسفيا واحدا.محصلتها معالجة آثار الأزمة والوقوف على مسبباتها.كيلا تتكرر كرَّة أخرى؟.إن الانتقال من وضوح المصطلحات،إلى غموض المعاني هو الهدف الذي تسعى إليه السلطة .بكل تفرعاتها.فمفهومية المصطلحات لا تحتاج إلى ذكاء خارق ،خصوصا وأن المشكلة واضحة كما هو معلوم،بكل أسبابها.والمواطن الجزائري لو توخينا الحقيقة سنجده غير مكترث بكل المصطلحات،لأن المهم عنده هو انتهاء أزمته،ووضوح مستقبله.بل لا يهمه أن تبقى السلطة على ضبابية ما تقوله تحاول أن تلهي بها نفسها والناس.وتغني لنفسها أغاني الوئام المدني والمصالحة الوطنية الشاملة ،والعفو الشامل،وهي تعي جيدا أن ذلك مجرد نزوة ظرفية.لأن المصطلحات التي لا يفهمها الشعب كواقع،فهي مصطلحات ميتا فيزيقية.