كانت مسألة الأحزاب السياسية في عهد الرئيس الأسبق اليامين زروال تندرج ضمن أولوية الحكم القائم،في وجوب تمرير المشرط السلطوي عليها وتشريح جثتها بما يتوافق وترتيبات الراهن الحزبي،بعيدا عن عقدة انتخابات لا يمكن التحكم في نتائجها كما حدث في السابق.وقد حققت ذلك بتكسير المعارضة الحقة التي انصهرت في مجموعة ما سمي بجماعة عقد روما،عندما ألفت بين القلوب لحركة حمس،والأرسيدي،والتجديد الجزائري في تلبية دعوة السلطة الفعلية كما يضمنها الواقع السياسي،الذي يؤكد على أن الأقلية تبقى أغلبية لو كانت من رحم السلطة،والأغلبية أقلية إذا كانت تنحدر من أوساط الجماهير.ولعل تغيير دستور 1996 بحجة عدمية ممارسة السياسة من منطلقات دينية،عرقية،أو لغوية على رغم أن دستور 1989لم يحو ثغرات قانونية،بل العكس كان فاصلا لجميع السلطات الثلاث هو من باب الحيازة وبشكل نهائي على مفاتيح العمل السياسي،بحيث يتم تحريك قفله بالكيفية التي ينبغي للسلطة الفعلية أن تحركه.ولمسنا من تغيير الدستور كيف أن المعارضة في مجملها انكفأت على نفسها،قبل أن تنساق نحو جني المغانم،بعيدا عن مغارم التعب الميداني.وهذا هو السر في أن بعض الأحزاب انشطرت داخليا وتنظيميا بعد أن مسها اليأس في أن تحقق مكاسب سياسية،لما رأته من قوة إحكام السلطة في العملية الانتخابية بشكل لا يقبل حتى مجرد الاختراق الانفرادي عندما أعلن بوتفليقة ترشحه لانتخابات 1999.وقد كانت العهدة التي أعتبرها الجميع عهدة مشوبة باللاشفافية فاصلة بين ما اختارته الجماهير العريضة في تحقيق الديمقراطية،وبين ما أرادته الأحزاب التي ركبت السفينة السلطوية،رغبة في التموقع السياسي وفق نظرية المشاركة كما تدعي حركة حمس التي هي وسط بين المطالبة والمغالبة،ورهبة من الصندوق الشفاف الذي لن يرحمهم ألبتة لو حوكموا إليه.والمنتصر الوحيد سياسيا هو عبد العزيز بوتفليقة في كل تلك المسيرة .لأنه لم يعرف عنه أنه اعترف باللإئتلاف الذي دعمه في انتخابات 1999،أو التحالف الحالي في انتخابات 2004 ولذلك فهو يحسب نفسه غير مطالب بالمرة بأي تبعات تجاه هذه الأحزاب التي أعلنت له ولاءها،والحديث باسمه في كل مناسبة.بوتفليقة أبدى امتعاضا كبيرا من الدستور الحالي،كما أبدى إعجابه بالنظام الرئاسي الذي يجعل معظم القرارات في يد رئيس الجمهورية،كما هو معمول به اليوم. ولعل الملاحظات التي يمكن أن تكون بهذا الصدد،جنوحه لوظيفة التعيينات بكل سلالمها التي هي ضمن خصوصيات الوزارات المعنية،أيضا احتكاره لوظيفة الخارجية ومن فرط ذلك هناك من نسي بأن الجزائر بها وزارة خارجية ووزير خارجية اسمه عبد العزيز بلخادم.بل ذهب آخرون إلى اعتبار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لا يزال وزيرا للخارجية ،والعهد هو عهد السبعينات.التبريرات التي يبديها عبد العزيز بوتفليقة في أنه معجب بالنظام الرئاسي،ولو أنه لم يقل ذلك بالصريح من العبارات،عدم اعترافه بالمجالس المنتخبة.فهو ينظر إليها بالصغار على أنها مجالس هشة،لا تحوز رضاه فضلا عن النزول عندها زائرا.وقد يكون خطابه الأول والأخير في الغرفة النيابية نوع من الكيمياء السياسية التي أراد أن يمدها لهذا المجلس الذي يعرف مربطه لو فكر في التمرد،ووقف حائلا دون تحقيق مطالبه.وكانت تهديدات عبد اللطيف ابن شنهو في أنه سيرفع ما لم يوافق عليه النواب كعدم المصادقة على قانون منع استيراد الخمور مثلا إلى رئيس الجمهورية ليفصل فيها،تصب في مصب واحد ووحيد هو أن عبد العزيز بوتفليقة هو المايسترو وbig boss الحكومة وليس أحمد أويحيى.والملاحظ على جميع التشكيلة الوزارية،وغير الوزارية لا تجرؤ على أن تتحدث باسمها،فالجميع يلهج بأن المشاريع في معظمها مستمدة من برنامج فخامة رئيس الجمهورية.تغيير الدستور الذي تقدر أوساط سياسية عارفة بالشأن الجزائري سوف يكون في السداسي الأول من العام المقبل.وعليه فإن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة سوف يلعب ورقة العفو الشامل أولا: لتحريك البيدق اللائكي ،المناوئ لمثل هكذا مشروع.خصوصا وأن التيار اللائكي الإستئصالي لو تحرك في اتجاه الرفض للعفو الشامل وهو قد بدأ بالفعل يتحرك،فهذا إيذان بأن بوتفليقة فعلا قد رمى بحجرة في الماء الراكد لإحياء نخوة الجماهير -التي تعاكس دائما هذا التيار،وتخالفه في البوصلة السياسية،وقد نجح بوتفليقة في الانتخابات الأخيرة بسبب هذه البوصلة- لمساندته في مشروع تغيير الدستور الذي لن يحيد عن الرغبة الجامحة للحيازة المطلقة لكل الصلاحيات الدستورية،وتمديد العهدة تيمنا بنظام زين العابدين بن علي،لأن العهدة الثالثة غير مضمونة إذا ما استمر الوضع العام بالكيفية الحالية.ثانيا:لتكسير كل الأحزاب التي لا يزال عرق فيها ينبض بالمعارضة الحقة،والمعلوم أن كل الأحزاب من طرف إلى طرف لن تتجرأ و وتعلن تمسكها بالخيار الإستئصالي،ولو كان سعيد سعدي هذه المرة.فالأحزاب تعرف جيدا بعد أن أفرغت من محتواها المبني على التواجد في الساحة من أجل المعارضة ولو بالبيانات أنها يجب أن تنضم إلى الصف وإلا ستحل بقانون التمثيل النسبي الذي يلوح دائما به عبد العزيز بوتفليقة.لأن هناك أحزابا أميبية لا يسمع بها أحد،تكفيها جرة قلم لتكون من الغابرين.وفوق هذه الأولويات المدرجة في أجندة عبد العزيز بوتفليقة التعاون الخارجي مع أمريكا على وجه الخصوص من أجل تحقيق كل المطامح السياسية.وهذه الورقة المهمة التي في يد عبد العزيز بوتفليقة تجعله في وضع قوي جدا أما الخصوم الداخليين والخارجين.ولو تحققت أطروحة هنري كسنجر الذي دعم جورج بوش في الانتخابات الأمريكية الأخيرة في وجوب إنشاء مجموعة اتصال بعد الانتخابات العراقية المقبلة، تشرف عليها الأمم المتحدة.وذكر من بين الدول المهمة الجزائر التي لها تجربة مع الإسلام المتطرف.فإن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ضمن الخارج في كفة،والداخل في الكفة الأخرى.كما ضمن عهدة ثالثة تمتد إلى ما يرضاه ويحب أن يرضى به وعليه.