بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني -الذي أصبح منذ ابتدأ رمزيا لا يسمن ولا يغني من قتل أو تدمير أو تشريد مبرمج على أيدي نازية القرن الحادي والعشرين، يتوجب علينا- نحن أبناء القضية- أن ننجز استحقاقات المرحلة بكفاءة واقتدار وسرعة قياسية. شعبنا يقاسي على كل الأصعدة من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية. نعم هناك الاحتلال الجاثم على صدورنا ولكن على أي مؤسسة أو سلطة جديدة العمل قدر المستطاع على تخفيف الأعباء الثقيلة عن كاهل الشعب لاستمرار صموده. نحن مقبلون على فترة زمنية حاسمة بعد رحيل الرجل الذي قاد النضال الفلسطيني لعشرات السنين وترك ما ترك من إرث سياسي واقتصادي ثقيل. من بين هذه الاستحقاقات إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والبلدية. وإذا تجاوزنا مقولة جواز أو عدم جواز إجراء الانتخابات في ظل الاحتلال، فلنولي هذه الانتخابات اهتمامنا والنظر إلى أهميتها بالنسبة للشعب الفلسطيني على أمل أن تفضي إلى إرساء تقاليد ديموقراطية حقيقية وتسرع من وتيرة الإصلاح المنشود شعبيا وترتب أوضاع البيت الفلسطيني.
تزمع السلطة إجراء انتخابات رئاسية في التاسع من يناير القادم في الضفة والقطاع في ظل احتلال بغيض وحصار خانق. ومن المفترض أن يتبع ذلك انتخابات تشريعية وانتخابات عامة للمجالس البلدية والقروية. هذه انتخابات مطلوبة وجيدة في نفس الوقت ولكنها لن تجترح ،كما يتصور البعض، المعجزات أو تقوم بحل كل المشاكل التي يعاني منها الشعب الفلسطيني وخاصة المتاعب الاقتصادية التي يرزح تحت نيرها كافة أبناء الشعب الفلسطيني. هذا جدلا إذا افترضنا أن الانتخابات ستكون نزيهة وشفافة. ولكن تعترض هذه المسيرة عقبات وتحديات كثيرة لتصبح ذات مصداقية وحقيقية. إن أكبر التحديات التي تنتظر هذه المسيرة هو الاحتلال الصهيوني. فكيف يتسنى لهؤلاء الناخبين أن يدلوا بأصواتهم بحرية والانتقال من أماكن تواجدهم إلى أماكن صناديق الاقتراع. قد يفكر الناخب الفلسطيني مثلا للمرة العاشرة فيما إذا كان باستطاعته الذهاب إلى أماكن الانتخاب دون أن يلاقي العنت والإرهاق والإذلال على حواجز التفتيش المتغلغلة في عروق الوطن.
والتحدي الآخر هو أن جزءا صغيرا من الشعب الفلسطيني الذي سيشارك في الانتخابات أي حوالي 3،4 مليون في الأراضي المحتلة ولن يتسنى لأكثر من 6 ملايين فلسطيني في الشتات أن يشاركو ا في هذه الانتخابات. ولهذا سيكون التمثيل في المؤسسات التي ستنبثق عن هذه الانتخابات ناقصا ولا يمثل كافة أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج.
ومع ذلك يعتبر إجراء هذه الانتخابات حاجة ملحة فرضتها المعطيات الحالية ومطلب شعبي قبل أن تكون مطلبا دوليا داخل فلسطين للضرورات التالية:
• إجراء الانتخابات الحرة الشفافة يمكن أن تساعد على إزالة الاحتقان والفوضى السياسية على الساحة الفلسطينة.
• إفراز قيادة شرعية يلتف حولها الشعب على أساس البرنامج الذي انتخبت هذه القيادة على أساسه.
• صيانة الوحدة الوطنية والصمود أمام الضغوطات الدولية والعربية التي قد تقود إلى فتنة داخلية وحرب أهلية.
• خطوة أساسية على طريق الإصلاح والتغيير الداخلي الحقيقي وإقامة مؤسسات وطنية منتخبة.
• هي الآلية الوحيدة لبناء مؤسسات ديموقراطية فاعلة تمهد للدولة المستقلة.
• إنهاء الأسطورة الصهيونية بأن الكيان الصهيوني يمثل الديموقراطية الوحيدة في المنطقة.
• تشكيل مؤسسات تكون المرجعية عن اتخاذ قرارات مصيرية تخص الثوابت الفلسطينية
• تشجيع المشاركة من كافة أبناء الشعب وفئاته المختلفة في البناء وتحمل المسؤولية والاشتراك في المؤسسات الشرعية المنتخبة.
• الاحتكام إلى المؤسسات الشرعية المنتخبة ديموقراطيا في حالة نشوب أي خلاف أو إشكال بين مكونات الشعب الفلسطيني.
ولكي تكون الانتخابات حقيقية وديموقراطية، يجب اشتراك جيمع الفصائل الفلسطينية والتيارات ومكونات الشعب الفلسطيني دون استثناء كي تأتي المؤسسات الجديدة ممثلة للشعب الفلسطيني لتفادي حدوث انقسامات وخلافات أو اضطرابات داخلية. كذلك يجب الابتعاد عن التحديات والضغوطات السياسية الخارجية (صهيونية وأمريكية وعربية) وعدم التأثر بالإيماءات والإيحاءات القادمة من الخارج. عندئذ ستأتي قيادة شرعية ممثلة ومعبرة عن تطلعات الشعب في الاستقلال والتحرير والعودة. إن الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية لا يعنيهما وجود أو مجيء قيادة منتخبة وشرعية بقدر ما يعنيهما وجود طرف مستعد للتنازل عن الحقوق والثوابت الفلسطينية. وبالتالي إذا وجد هذا الطرف فإن ما يسمى بالعملية السلمية سوف تتقدم ليس بسبب رغبة صهيونية في التفاوض أو بسبب حنكة المفاوض الفلسطيني ولكن بسبب التنازلات التي سيقدمها الطرف الفلسطيني الذي ندعو ألا يكون أبدا.