من وظائف النكتة أنها تعتبر أسلوباً من أساليب التنفيس عن المشاكل التي يفرضها الواقع اليومي، لا سيما إذا كان مرّاً. وقد أدت النكتة بمجتمعنا المغربي دوراً مهماُ في الحقل السياسي والنضالي. ومنذ ثلاثينات القرن الماضي التجأ الوطنيون إلى إخراج التمثيليات الفكاهية والهزلية لتمرير جملة من المواقف والأفكار كان من المستحيل تمريرها عن طريق الكتابة أو عبر الصحف أو بواسطة المحاضرات العلنية. وهكذا استعمل الوطنيون التمثيل الهزيل لنشر المواقف والأفكار المناوئة للاستعمار وجبروته. وقد أكد لنا التاريخ أن السخرية ظلت سلاحا بين يد المقهورين للهروب من الواقع المرّ. وقد عرفت جملة الساحات العمومية والأسواق على امتداد المغرب أناساً برعوا في النكتة واستعمالها لهذا الغرض للتنفيس على النفس، وأشهر هؤلاء كانوا بجامع الفنا بمراكش ( من ضمنهم باقشيش وجالوق). وقد تداولت عدّة نكت خاصة بالسلطان المزور بن عرفة والذي كان موضوعاً للسخرية والاستهزاء في منتصف خمسينات القرن الماضي.
وقد سبق لجريدة الاتحاد الاشتراكي أن نشرت منها نسوق منها ما يلي:
* اضطرت الحكومة الفرنسية إبعاد بن عرفه يوم 30 أكتوبر1955 . وهو في انتظار السيّارة التي ستقله إلى طنجة، قال لزوجته: هل تتذكرين يوم أبعد الفرنسيون ابن عمي محمد الخامس إلى كورسيكا، كيف رآه الشعب على سطح القمر؟ فأجابته الزوجة: نعم هذا صحيح. ثم أردف بن عرفة قائلا: لقد أتى دوري أنا كذلك وسيبعدوني غدا عن العرش، تُرى أين سيراني الشعب المغربي؟ فنهرته الزوجة صارخة في وجهه: سيراك الشعب يا وجه النحس في قاع جهنم ( وفي رواية أخرى سيراك الشعب في الزبّالة).
* بعد هجوم الشهيد علال بن عبد الله و إلقاء الشهيد أحمد أقلا قنبلة على بن عرفة. يئس هذا الأخير واتجه إلى العارفين بخبايا السحر والعفاريت، فنصحه أحدهم بأن عليه أن لا يخرج من قصره إلا بعد أن تلد البغلة. وحاولت الإدارة الفرنسية اقناعه بالخروج والظهور الرسمي إلا أنه رفض خوفاً، وحاول الباشا الكلاوي إقناعه فقال له بن عرفة: والله ما بقي نخرج حتى تولد البغلة فأجابه الباشا الكلاوي : والله حتى تخرج ولوطارت معزى!.
* عندما نصب سلطاناً قال بن عرفة للمقيم العام : إنني لا أعرف أن أتكلم في الراديو كما يفعل محمد الخامس، فأجابه المقيم العام الجنرال كيوم : شغلك يا سيدي هو الطابع، اخبط به على جميع الأوراق وعيط يا فكاك لوحايل. ومنذئد أصبح الطابع لا يفارقه مثل السبسي والمطوي والتنفيحة. وذات يوم سأل بن عرفة مدير التشريفات الحجوي عن سر الطابع وقدرته الخارقة، فقال له :
- أسيدي هو خاتم الحكمة اللي كان عندنا سيدنا سليمان عليه السلام.
* ذات دارتلو في الخوة فدخل بن عرفة إلى مطعم فرنسي. دخل وجلس في القاعة الغاصة بالزبناء الفرنسيين الذي بدأوا يصفقون عند رؤيته تعبيراً عن الترحاب. وجاء مدير المطعم يهرول، وانحنى ثم قدم له لائحة الأكل ليختار ما يرقه. لم يفهم بن عرفة لأنه لم يكن يميز بين الواو وعصا الطبّال، واعتقد أن الفرنسي يستعطفه ويطلب حاجة لنفسه، وبدون تردد أخرج الطالع وبعد أن نفخ فيه خبطه على لائحة الأكل وقال له: خذ.... سير.... حاجتك مقضية.
*مر خادم يحمل دلاحة أمام بن عرفة فسأله هذا الأخير، هل الدلاحة طايبة؟ فأجابه الخادم : ليتفضل سيدنا ويطبعها وسيرى.
فما كان من السلطان إلا أن أخرج طابعه ونفخ فيه على عادته وطبع به ظهر الدلاحة.
هذه نماذج من النكث التي كانت رائجة في خمسينات القرن الماضي والتي كانت تحمل دلالات سياسية عميقة جداً.