الخطوات الإصلاحية المتبعة حكوميا منذ بداية الفترة البوتفليقية،التي اعتبرت كفترة تغيير شامل لكل المفاهيم السائدة،اقتصاديا،وسياسيا لم تستطع إلى الآن أن تخلق جوا أوكسيجينيا،يسهل على كل القوى الحية في البلاد بأن تتفاعل مع المرحلة الجديدة.وتتكيف مع المنعطف الاقتصادي الليبرالي كبديل للاقتصاد المركزي البالي.فمشروع الإنعاش الاقتصادي مع بداية سنة 2001 الذي اعتبر نقطة عبور نحو إصلاحات اقتصادية، لم يكن في حقيقة الحال سوى قفزة في فراغ مجهول،شبيهة إلى حد كبير بالقفزات الكاميكازية.ولو أن المشروع صاحبه غلاف مالي ضخم،وسيج بسياج معنوي أطلق عليه مشروع مارشال الذي أنقذ أوروبا من الضياع،والجوع بعد الحرب العالمية الثانية. غير أنه كان فاشلا منذ الوهلة الأولى ليس لأن المشروع لا يحمل أسباب النجاح .ولكن كانت انطلاقته مرصودة منذ البداية من طرف أشباح المشاريع.وفاقدة أيضا للإرادة السياسية التي تحمي المشاريع الحقيقية من أن تتحول إلى مشاريع وهمية.الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لم يكن جاهلا بما ينضح به الواقع الاقتصادي،كما لم يكن غافلا عما تريده الذهنيات الماكروفاجية البالعة لكل ما يقع أمام أعينهم ناهيك عن ما يوضع بين أيديهم.وقد نبه ربما لأول مرة في عهد التعددية بأن الاقتصاد الجزائري تحكمه قلة متنفذة حصرهم في فئة قليلة لا تتعدى خمسة عشر فردا.لكن في موازاة ما قاله عن هذه الفئة بأنها لا تشكل خطرا كبيرا ،وهم في الحقيقة مجرد قطط سمان لا أقل ولا أكثر.ومن الصعب بمكان إيقاف هذه الفئة التسونامية التي مدت جذورها في دواليب الحكم،وغرست مخالبها في جسم الاقتصاد الوطني.لكن ليس ذلك بالمستحيل لو حضرت النية،واعتمدت سياسة شفافة تأخذ في الحسبان المراقبة الصارمة،وتطبيق القانون بحذافيره.ولعل إلغاء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للقانون الذي يحرم شريحة واسعة من إصدار سجل تجاري الخاص بالإستراد والتصدير،يدخل ضمن استراتيجية العمل بمقتضى أسلوب خلق المنافسين في السوق لكي يكون كفيلا لمحاصرة مد البارونات التسونامية التي تتحكم في سيرورة الموانئ.ويعتبر أيضا كثير من المحللين الاقتصاديين أن السرعة الكبيرة التي تمشي بها الحكومة نحو الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية،هو من أجل الحد من استغوال هذه القلة.لأن نهايتها لا تكون إلا على يد المنافسة الميدانية.ما يعاب على الحكومة أنها لم تقدر على التكيف بعد مع ما تدعو إليه أن نجاعة الاقتصاد الوطني يكمن في الانفتاح الكبير،فكلما كثر حديثها عن ضرورة اتباع النهج اللبرالي كلما احتاجت إلى سنين طويلة لكي تفي بما وعدت به.إذ لا يمكن أن نصدق أحاجيها عن التفتح واقتصاد السوق،مع شمولية سياسية ترى بأن القطاع العام ملكها تتصرف فيه،كيف ما يروقها.فعندما نسمع أويحيى مثلا يتحدث عن اقتصاد حر،وعن خصخصة ناجعة،وفي المقابل يأمر بأن يحاصر المال العام في خزانة الدولة لا يخرج إلى التداول داخل السوق.نكاد نجزم بأن الاقتصاد الوطني بعيد كل بعد عن الشفاء الحقيقي.لأن دواء الاقتصاد الليبرالي لا يمكن أن يكون إلا ليبراليا،ويطبقه الليبراليون.لقد صنفت الجزائر كدولة لا يزال الطابع المركزي للتسيير هو الغالب على كل مسيرتها الاقتصادية.واحتلت المرتبة 114 من مجموع 161 دولة، حسب تقييم هيئة دولية أمريكية في الآونة الأخيرة.وهي الرتبة التي نستطيع أن نقول عنها أنها منطقية بحكم ما يعرفه الاقتصاد الجزائري من تأخر رغم كثرة التشريعات ،والقوانين التي تخصص من أجل التسيير الاقتصادي.فالهيئة الأمريكية التي قيمت اقتصاد الجزائر انطلقت من مسلمة ما تقوله الحكومة نفسها وما يردده النظام الرسمي بأن الجزائر انتقلت إلى النظام الرأسمالي بشكل يرفض النقاش فيه.كما انطلقت من أسس متينة،يؤخذ بها في كل التقييمات الاقتصادية.كمؤشر البطالة التي لا تزال الهاجس الكبير لدى الشباب الجزائري ،المنظومة البنكية التي لا تزل تسير بذهنية البايلك"الملكية الشاغرة"،الجانب القانوني الغائب،رغم أن الجزائر تملك ترسانة كبيرة من القوانين خصوصا ما تعلق منها بالاستثمار ،والبيروقراطية النقطة السوداء لكل اقتصاد يتأهب للنهوض . فرغم تحقيق نجاعة كبيرة فيما تعلق بالتوازنات الكبرى إلا أن الاقتصاد الجزئي في عمومه لا يزال يتخبط في الوحل،كما لا يزال في مستوى متدني وضعيف.وما لم تكن هناك سياسة عامة جريئة تفجر كل الدمامل،وتهتم بكل المشاكل السياسية والاجتماعية،من دون التستر وراء الأوهام والترقيعات،والاختباء وراء النماذج المستوردة فإن الاقتصاد الوطني سيبقى أسير التخلف أبد الآبدين،ولن تقوم له قائمة كما سيبقى محتلا المراتب الدنيا إلى الأبد.و التلفيقات الاقتصادية لم تعد مجدية في زمن أصبح العالم بأسره يعيش على المكشوف.وبما أن الحكومة لم تفصل في أمر تسيير الاقتصاد بكل شفافية،ولم تعترف بأنها لا تزال تطارد خيوط الأوهام بإصلاحاتها الهيكلية الوهمية،فسيظل الاقتصاد دائما على ترهله لا تقوم له قائمة،ورهن كمشة من البارونات التسونامية التي تجرف كل ما تجده أمامها.