درجت السلطة الفعلية في الجزائر منذ بلوغ الأزمة السياسية الحلقوم،وتتبعها بأزمة اقتصادية ،في أواسط الثمانينات بعد الصدمة البترولية، على اختيار أقصر السبل لأجل اجتيازها،والسهل من الوصفات لعلاجها.وكما كانت الغيبوبة السياسية السمة البارزة للحكم آنذاك ،في تدارك الوضع الذي كان يتفاقم ساعة بعد ساعة.كان الاقتصاد هو كذلك قد بلغ انهياره أطوارا متقدمة.السلطة كانت تظن بأن أسواق الفلاح،سوف تكون كافية لتغطية عيوب التسيير،ولا تفضح مسيرة التنمية التي كان شعارها نحو حياة أفضل. ولكن فضحها الشارع بانتفاضة أكتوبر وقبلها بانتفاضة القفة.لم يكن هدف السلطة الفعلية في واقع الأمر،بكل حكوماتها المتعاقبة،هي تحريك عجلة الاقتصاد،وتمكين سياسة اقتصادية عامة،واضحة الأهداف تشارك فيها الحكومة،ويشارك فيها المواطن،ويتحمل الجميع الأعباء.كل ما هنالك أن الحكومات بمئات وزرائها كانوا ينظرون إلى الوضع السياسي والاقتصادي بعين كليلة،يكون المواطن الرقم الفاعل في تغطية عجزهم،يشارك في دفع الضرائب،ويساهم في اختيار الرؤساء وكفى.وكانت حكومة مولود حمر وش في الحقيقة السبَّاقة إلى انتهاج منطق اقتصادي يميل إلى الصبيانية الاقتصادية كما يسميه مالك ابن نبي Economisme .إذ حصرت أحلام الشبيبة الحائرة التي انضمت لحزب عباسي مدني في مشاريع تشغيل الشباب،وليست مشاريع ترمي إلى توظيف القدرات الشبانية في تنمية تشاركية تتوخى النهوض بالاقتصاد،وبلوغ الرفاه.وتلتها سياسات اقتصادية كلها تدافع عن بقاء الوضع القائم ،وإحكام القبضة الحديدية على كل شيء ولم نتبين على إثرها أي نهج الجزائر تتبع لا ي اشتراكية صرفة،ولا هي رأسمالية حقيقية بكل قواعدها.وحتى لما استقال بلعيد عبد السلام المعين من طرف الجنرالات كما قال هو عن نفسه،بسبب اعتراضه عن سياسة إعادة الجدولة لم تكن السياسة الاقتصادية،حسب المنطق السلطوي تريد أن تخرج من تلك العباءة القديمة في تسيير شؤون الدولة،والاعتماد دائما على العطاءات الضريبية للمواطن البسيط.وبدلا من إخراج الاقتصاد من حالة الإنعاش،رهنت مستقبل أجيال بأكملها،بالهرولة غير المشروطة شطر صندوق النقد الدولي،والبنك الدولي،ونادي باريس،ونادي لندن.والتخفيض الذي مس الدينار إلى أكثر من 200 بالمائة من قيمته في عهد حكومة رضا مالك،لم يكن له حسب خبراء الاقتصاد مبررا بما أن الجزائر لا تملك صادرات بالحجم الذي يتطلب هذا التخفيض المروع.ويكون رئيس الحكومة الحالي أحمد أويحيى هو أيضا قد استلهم خيار الاعتماد على سياسة ارتفاع الأسعار،في معالجته لآثار عجز الميزانية،وحالة الاقتصاد العامة الذي هو خيار حسب المحللين،لا يزيد إلا في ارتفاع التضخم،وتوسيع دائرة الخصاصة أكثر مما هي عليه ما دامت الأجور متوقفة ،من سابقيه إلى هذا النهج،وهذه الطريقة.لأن معالجة الأزمة دائما حسب كل الحكومات المنتهية صلاحيتها تتم بالطريقة السهلة وهي فرض ضرائب جديدة،ومزيد من الأعباء على المواطن من دون التفكير في طرق ناجعة،أو بدائل أخرى،أو ميكانزمات عملية كما تعمل به كل الحكومات في الدول الأخرى .وحتى تبني الخيار الليبرالي الذي لا رجعة فيه،كما كانت الاشتراكية في وقت من الأوقات خيار لا رجعة فيها، من طرف حكومة أحمد أويحيى باتباع سياسة إلغاء الملكية العامة نهائيا،وإحلالها بالملكية الخاصة هو نوع آخر من الهروب نحو الأمام وإدارة الظهر للمسؤولية المنوطة التي يتوجب على الحكومة القيام بها. لأن الإبقاء على الملكية العامة يعني أن الحكومة لها تبعات فيما يتعلق بالتسيير،وهي تريد أن تتخلى عن هذه التبعات ولكن بخوصصتها والتخلي عنها،للتفرغ فيما بعد للسياسة الجبائية والمكس.صحيح أن المؤسسات العمومية هي في وضع مفلس،لكن هذا لا يعني بيعها بالثمن البخس،وتسريح عمالها.وحتى لو تمت خوصصتها أو بيعها بالكامل،فهل تستطيع هذه المؤسسات أن تنهض من جديد ،وتسهم في نهضة اقتصادية؟.ومن هذا الاقتصادي العبقري الذي سوف يشتري هذه المؤسسات ويقدر على النهوض بها من جديد،ويسهم ساعتئذ في ارتفاع النمو؟ .إن الإطار العام السياسي لا يتبدل،وأفكار الضريبة والجباية ،والبيروقراطية لن تتبدل،وبالتالي فإن الذي سيقدم على شراء هذه المؤسسات المفلسة،سوف يفلس على ضرائبها،وجبايتها،إذا كان حقا يدفع ما عليه من ضرائب وجباية.وكما هو معلوم أن الركود الاقتصادي الحالي سببه تلك الذهنيات التي استمرأت الغلول،والسحت،وعدم التفكير في المصلحة العامة.وهي نفسها التي ستتقدم لشراء هذه المنشآت المفلسة،كي تظهر بعد ذلك أنها تحسن التسيير،فلماذا لم تحسنه قبل ذلك ؟إن الليبرالية هي قبل كل شيئ ثقافة،وأفكار.والطفولة العقلية لا تقدر على بناء نفسها فضلا عن المشاركة في بناء محيطها.فلا نطمع في الذي لا يحركه ضميره كي ينفع العامة وهو يعيش في كنفها،أن ينفعها وهو متحكم في رقابها.خوصصة المنشآت من غير تلك الاستراتيجية كسوناطراك،التي سيأتي يوم ليس ببعيد وتعرف الخوصصة،لأننا تعلمنا أن ما لا رجعة فيه يمكن مراجعته،يمكن أن تعطي ثمارا لو كانت النية صادقة،و القوانين تطبق بحذافيرها،والبيروقراطية منعدمة.وقبل هذا وضع المواطن في الموضع الذي يليق به،والاهتمام به قدر الإمكان.وليس هذا فحسب الإلمام بشؤون الحضارة الكاملة المتكاملة.لأن الليبرالية ليست خوصصة وبيع،والتفكير في جلب الضرائب فقط بل هي قدرات فكرية تنطلق مع البعد الحضاري ،والمنظومة القيمية للمجتمع .فهل فكرت حكومة أحمد أويحيى في الحركية العامة للاقتصاد في غياب رجال أكفاء يعرفون ومن صلب البيئة كيف يسيرون هذه المنشآت،لما تخوصص.وهل ضمنت أن الهبة الاقتصادية سوف تكون في حال ما كانت الخوصصة،وأن المواطن لا تصيبه الخصاصة،أكثر مما أصابته حاليا؟.من السابق لأوانه أن نقول هذا لكن ما يمكن التأكيد عليه أن المقدمات تفضي دائما إلى نتائج،والسياسة العامة السلطوية التي تحكم البلاد ليست إلا مقدمة لنتائج عرفنا منها شطرا والآخر سنعرفه بعد سنوات،لما يكتمل بناء الخوصصة نهائيا ،وتدخل الجزائر منظمة التجارة الدولية،ببعض براميل المازوت،وأفكار اقتصادية بالية