عندما تمر ذكرى ميلاد الزعيم الخالد جمال عبد الناصر لا بد من النظر إلى ما يدور في الوطن العربي الأكبر وما آلت إليه الأحوال من بؤس وانهيار وضياع وإذلال وامتهان لكل شيء يمت للعروبة بشيء. والأكثر من ذلك أن ليس هناك بارقة أمل أو بصيص من نور يتلمس الإنسان العربي طريقه وسط هذا الظلام الدامس. ونسأل أين أنت يا عبد الناصر؟ لقد كان وجوده يبث الأمل في النفوس. ما أزال أذكر ترقبنا، نحن الشباب، لخطاب عبد الناصر وانتظاره على أحر من الجمر. وأنا هنا أتحدث كمواطن فلسطيني، كنت مع أصدقائي نختلف أحايين كثيرة في مواقف وجزئيات معينة مع الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ولكن عندما كنا نتحلق حول المذياع ونستمع إلى خطابه يتبدد الاختلاف ويدب الأمل في نفوسنا ونجدد ثقتنا بقيادة هذا الرجل العظيم. أود الإشارة هنا إلى عمل عظيم، نادرا ما يشار إليه عند التحدث عن سيرة الزعيم الخالد، ألا وهو قرار مجانية التعليم في الجامعات المصرية لكل أبناء الوطن العربي. لقد كان لهذا القرار الوقع الكبير في قلوب أبناء العروبة حتى أولئك الذين لم يعاصروه وإنما قرأوا وسمعوا ولمسوا ما تركه من مبادئ حتى يومنا هذا. هذا العمل، مجانية التعليم، التي كان لها الأثر الكبير جدا على الفلسطينيين خاصة والعرب عامة. فأنا واحد، كاتب هذه السطور، من أولئك الذين حالفهم الحظ بأن يستفيد من هذا القرار. فلولا قرار مجانية التعليم واستقبال الجامعات المصرية لألوف الطلاب الفلسطينيين والعرب في الستينيات من القرن الماضي لما حصل الآلاف المؤلفة وربما الملايين من الطلاب المصريين والعرب على أي تعليم جامعي. لقد أتاح جمال عبد الناصر للملايين من أبناء الفلاحين والعمال في نجوع وقرى ومدن مصر، أرض الكنانة، ومن كل الأقطار العربية بأن يحصلوا على التعليم الجامعي الذي يروق لهم. فما الأجيال المتعاقبة من المهندسين والأطباء والعلماء والمدرسين والمتخصصين في مختلف فروع العلم التي بنت مجتمعات بقضها وقضيضها في الخليج العربي وفي بلدانها كانت من نتاج التعليم المجاني الذي أتاحته ثورة 23 يوليو بقيادة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ومن يرى غير ذلك فهو جاحد لنعم الله عليه ومجاف للحقيقة.
إن زعامته وضحت وظهرت إبان حياته منذ نعومة أظفاره في المدرسة الثانوية وفي الكلية الحربية وفي صفوف الجيش وتجربته النضالية في فلسطين لخير شاهد على وطنيته وعروبته الصادقة في وقت كان يراد لمصر أن تنكفئ على نفسها وأن تتدثر برداء الفراعنة. ولكن عبد الناصر بفكره وبفلسفته وبزعامته استطاع أن يحسم عروبة مصر وصحح المفاهيم السائدة آنذاك. وكذلك أرسى دعائم القومية العربية وحركتها في طول الوطن العربي وعرضه. وأتبع ذلك بالمثال أي بالوحدة مع سوريا رغم فشلها ليس لقصور في مبادئ الفكر القومي ليس هنا مجال إثارتها. استطاع وهو على رأس الثورة أن يجعل العروبة والإسلام صنوان لا يفترقان وكلاهما رديف للآخر وليس نقيضا له.
إن الدليل على صحة فكر وفلسفة ومبادئ الزعيم الخالد جمال عبد الناصر هو استمرارية فكره ومبادئه إلى يومنا هذا. انتشرت الحركات والأحزاب الناصرية في معظم الأقطار العربية والملايين الذين ما يزالون على العهد وعلى حبهم للزعيم الخالد يذكرونه بكل حب عند كل ملمة ونازلة في الوطن العربي. ورغم وفاته منذ ست وثلاثين سنة ما زالت الشعوب العربية عند كل مظاهرة أو مسيرة ترفع صوره وتحلف بحياته حتى اليوم.
ويكفيه فخرا أن نتذكر مقولات ثلاث رددها في خطاباته ما يزال معناها ينسحب على أوضاعنا المتردية. المقولة الأولى قيلت بعد نكسة حزيران 1967 التي عمل أثناء حياته جاهدا، بكل ما أوتي من قوة، على إزالة آثارها حيث قال: "ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة." والمقولة الثانية قالها عن المقاومة الفلسطينية الوليدة آنذاك: "إن المقاومة الفلسطينية من أنبل الظواهر ويجب المحافظة عليها." وأما المقولة الثالثة هي: "إن حرية الكلمة هي طريق الديموقراطية."
رحمك الله يا أبا خالد وطيب الله ثراك وجزاك الله عنا خير الجزاء!!