إن التبريرات المقدمة من الجانب الحكومي على لسان وزير الطاقة والمناجم التقنوقراطي السيد/ شكيب خليل،حول جنوح شركة نافطال نحو اعتماد أسعار جديدة لكل أصناف الوقود، واسعة الاستهلاك لدى أغلبية الشعب الجزائري، جاءت لتعبر عن الوجه الحقيقي لمسعى السياسة الاقتصادية الحكومية، وبيّنت كيف أن ليبرالية العالم الثالث، عندما تبدأ تحصد، لا تجد أمامها سوى الفقير المعدم لتبدأ بحصده.كما بينت في نفس الوقت ،حقيقة مفهوم مصطلح التقنوقراطية، التي لا تعترف إلا بلغة الأرقام، ولا تلقي بالاً لأي أمر له شأن بالكيان الإنساني. لأنه لا يمكن التصديق بأطروحة زيادة هوامش الربح على مختلف أصناف الوقود، كي نبرر الزيادة الارتجالية، التي لا سند لها قانونا حسب ما أدلى به بعض البرلمانيين ، حيث أنها زيادات لم تمر على الغرفة التشريعية، كما أنه لا سند لها اقتصاديا لأن هذه الزيادات جاءت من منطلق قرار فوقي لا دخل للعبة السوق فيه. لأن الأسعار في الاقتصاد الليبرالي في غالبيتها لا تتحدد بقرار ولكنها تتحدد وفق معطى المنافسة، أين عندما يكون للحرية دور مهم، ودور مميز. ولا يمكن أن تعتبر هذه الزيادات إلا ضمن السياق العام الذي تريد الحكومة أن تعمل من خلاله،من أجل الوصول إلى تحرير الأسعار كلية. وفي نفس الوقت تأديب الغرفة النيابية على ما سببته من احتباس سعر الغازوال في سقف دينار واحد للتر الواحد. إن وزير الطاقة والمناجم شكيب خليل لم يجهد نفسه ليشرح للشعب المتضرر من هذه الزيادات، سوى رمي الكرة في مرمى البرلمان، وتحميل النواب مسؤولية هذه الزيادات وبالتالي هذه الاضطرابات العريضة، والاحتجاجات التي تجتاح الوطن. كما لم يجد رئيس الحكومة أحمد أويحيى، تبريراً ليرمم به عذر التقنوقراطي الذي لا يؤمن بالجانب الإنساني، شكيب خليل سوى في أن يقول "أن هذه الزيادات تدخل ضمن خصوصيات الحكومة"، و"أن الحكومة تسيّر الأسعار والمجلس الشعبي الوطني يقنّن الضرائب" متناسيا بأن الحكومة عندما تخرج نهائيا من عقال الاقتصاد المركزي، كما يردد الطقم الحكومي كله هذا، لا عمل لها بعد ذلك سوى مراقبة السوق وتقنينه، بما يتماشى وحرية المبادرة الاقتصادية. ولا يمكن التصديق البتة بأن الاقتصاد في حالة متقدمة من الليبرالية وفي نفس الوقت يتم التدخل من قبل الحكومة من أجل تحديد الأسعار. اللهم إلا إذا كان السوق كله في قبضة يد الحكومة كما هو الشأن بالنسبة لسوق أصناف الوقود، وشركة نافطال. وعندها لا يمكن توصيف هذا الاقتصاد سوى بأنه ليبرالي غير واقعي وغير عقلاني، هذا إن جاز أن يوصف بالليبرالية أصلاً. وبنفس النغمة دائما كانت التبريرات لتداعيات تلك الزيادات في أسعار الوقود، على استقرار الشارع، أن ذلك مرده إلى مناورات قام بها أصحاب الأرباح وسياسيون من داخل المجتمع كما يقول رئيس الحكومة أحمد أويحيى ، ومن دون أن يبرز نوع هذه المناورات. ومن دون توضيح المسلك العام الذي يتوجب على جموع الشعب أن تسلكه ‘ هذا الشعب الذي ستزيد أعباؤه المعيشية على ما هي عليه، خصوصا وأن الأغلبية الغالبة مسرحة من عملها بسبب الظرف الليبرالي، وبسبب الخصخصة التي بدأت تجرف الأخضر واليابس. وهل كان ينتظر رئيس الحكومة أحمد أويحيى من الشعب الجزائري أن يخرج للشارع مهللاً ومكبرًا بحياة الحكومة على الرحمة المسداة له بفضل هذه الزيادة. أو يخرج في مسيرة عفوية وكل فرد بيده باقة ورد، متجهين نحو شركة نافطال، كتعبير عن الحب في أن اكتفت بهذه الزيادة، ولم تجرؤ على حرمانهم من الوقود نهائيا، أو حتى من الحياة. إن الشعوب في كل الدنيا لا تحركها إلا المظالم، وما تعلق بالجوع على وجه التحديد. وليس الحديث هنا عن تلك الشعوب الحية التي تطلب حقوقها بعد أداء الواجب، كتلك الشعوب التي تعيش في أوربا وأمريكا، وإنما الحديث عن تلك الشعوب المغلوبة على أمرها، التي لا تستطيع أن تتحرك إلا إذا بلغت القلوب الحناجر، ورأت حياتها والموت سيان.ولو أن الشعب الجزائري يختلف عن طينة الشعوب الأخرى،لكنه ليس بمنأى عن أن يقوم عن بكرة أبيه ليطالب بأبسط الحقوق ، ويعبر عن انشغالاته الحياتية، ويظهر عدم رضاه. وبعد أن امتدت الزيادة في أسعار الوقود،لتطال ميزانيته الخربة. وتزيد من أعبائه الكثيرة. خصوصا وأن الشعب الجزائري مرت به أزمات اعتاد فيها على مثل هذه السلوكيات، وعلى التعبير عن سخطه في الشارع. كما حدث في سنة 1986 ،في مظاهرات القفة، وبعده بسنتين في مظاهرات أكتوبر. وفي كل مرة يظهر فشل الحكومة في إدارة الأزمة وفي توظيف لغة الحجج كما ينبغي. وهناك من ينظر إلى هذه الزيادات في الوقود على أنها بسيطة ولا تحتاج إلى مثل هذه الاحتجاجات، والتعبير عنها بالسخط العارم، واستعمال لغة التكسير والحرق. لكن يجب أن نسلم بأن الأوضاع الاقتصادية برمتها منهارة، وما هذه الاحتجاجات سوى أنها ضمن السكوت العام المطبق الذي عرفه الشعب منذ أكثر من عشرية، كما أنها تعبير حقيقي لحالة الكبت الذي لا زمه طوال تلك المدة. و إذا ما اعترفنا بأن الحالة الأمنية في عمومها عرفت تحسناً ملحوظًا، فهذا يكفي بأن يدفع عموم الشعب نحو التعبير عن الغضب في الشارع. وهل خرج الشعب محتجًا دون سبب يذكر،أ و نهج نهجًا من غير مقدمات؟. ما يلام عليه الشعب هو الطريقة التي يتم بها التعبير خاصة طريقة الحرق والتكسير. لأنه من غير المعقول أبداً أن ينطلق من يقول أنه على حق، في حرق ممتلكات هي ملك الدولة والشعب كله، لا ملك شخص بمفرده ولوحده. ومن غير المعقول أيضا أن تجابه الحكومة هذه الظاهرة بلغة الخشب، والتبريرات غير المنطقية، بأن تحمّل المسؤولية لغيرها وتتناسى أنها السبب الأول والمباشر في كل ما يجري.لأن القرارات الارتجالية دائمًا تكون لها دومًا انعكاسات سلبية، ولا تزيد الأمور إلا تعقيدًا، في حين أن المراد هو المعالجة. والاستمرار في ركوب الرأس من طرف الحكومة في تسوية مشاكلها مع النظام الريعي ليس بالقرارات وسن المراسيم لأن ذلك أسهل ما يكون عند كل حكومة شمولية. وإنما بالوقوف على مشاكل الشعب الحقيقية، لأنه لم يعرف عن هذا الشعب، أنه تأخر عن كل موعد انتخابي، كما لم يطالب بالمعجزات، كل ما هنالك أنه طالب بحياة كريمة، واحتج على رفع سعر مادة تصنّع في بلده.فهلا طلب هذا الشعب المستحيل،وأين المناورة في كل هذا