حق تقرير المصير لم يكن الحقوقيون بالمغرب يولونه الأهمية التي تليق به, لاسيما و هو حق تنبني و تؤسس عليه جميع حقوق الإنسان. سنتطرق إلى الموضوع عبر ثلاثة محاور :
- كيف ترى المواثيق الدولية حق تقرير المصير
- كيف ترى الدولة المغربية هدا الحق
- موقف الحقوقيين من تطبيق حق تقرير المصير
- فيما يخص المحور الأول أن هدا الحق تم التنصيص عليه في العهدين الدوليين الخاصين سواء بحقوق الإنسان المدنية و السياسية أو بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية(1966) وقد تصدرهما معا(البند 1) وبنفس الصيغة وبدون أي تغيير. و طبعا هدا التكرار لم يأت اعتباطا اعتبارا لأهميته القصوى و حيويته و تأكيدا لوحدة حقوق الإنسان و عدم قابليتها للتجزئة.
وحق تقرير المصير يعد من المبادئ الأساسية للقانون الدولي والدي يلزم حكومات المجتمعات و قواه و سلطاته السياسية باحترام إرادة الشعوب من خلاله و الإقرار لها بحقها في اختيار و تأسيس كيانها و نظامها السياسي. ومن المعروف أن مبدأ حق تقرير المصير أعلن عنه في مطلع العقد الثاني من القرن العشرين’ وتم إدراجه في ميثاق عصبة الأمم ضمن الفقرة 22, كما أدرج في ميثاق الأمم المتحدة في المادة(2), وبالتالي في العهدين السابقين الذكر اللذين ينصان في بنديهما الأول على ما يلي : " لكافة الشعوب الحق في تقرير مصيرها و لها استنادا إلى هدا الحق أن تقرر بحرية كيانها السياسي و أن تواصل بحرية نموها الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي. ولجميع الشعوب تحقيقا لغايتها الخاصة أن تتصرف بحرية في ثروتها و مواردها الطبيعية دون إخلال بأي التزام من الالتزامات الناشئة على التعاون الاقتصادي الدولي القائم على مبادئ المنفعة المشتركة و القانون الدولي, ولا يجوز بأي حال من الأحوال حرمان شعب ما من وسائله المعيشية الخاصة". من هدا التعريف يتبين أن من حق الشعب أن يختار نظامه السياسي و نظامه الاقتصادي. وفي هدا الصدد اعتبرت اللجنة الدولية لحقوق الإنسان أن لحق تقرير المصير أهمية خاصة و تحقيقه شرط أساسي لضمان و احترام حقوق الفرد و هو ضروري لاتخاذ التدابير لحماية حقوق الإنسان و مسؤوليته ما دام يعتبر حجر الزاوية لمنظومة القانون الدولي و يدونه لا معنى لها. وبدلك ادا لم يختر الشعب نظامه السياسي و الاقتصادي عبر دستور وضعه بنفسه و تكون السيادة له حيث أن السلط التشريعية و التنفيذية و القضائية تكون تحت مراقبته لا يمكن التحدث عن دولي الحق و القانون و لا عن حقوق الإنسان.
لكن ما هو رأي الدولة المغربية في مبدأ حق تقرير المصير؟
من المعلوم أنه على كل الدول كل أربع سنوات إنجاز تقارير لرصد التقدم الطارئ بخصوص حقوق الإنسان بها و لتبيان مدى التزامها بالعهود الدولية التي صادقت عليها. و في هدا الإطار بعثت الدولة المغربية إلى جينيف في 27 غشت 1999 تقريرا في هدا الشأن. وفيما يخص حق تقرير المصير جاء في هدا التقرير أنه « حق أساسي أولت له الدولة المغربية عبر تاريخها السياسي و الدستوري أهمية بالغة و شكل تابثا من توا بثها, (...) و تذكروا أن دساتير 1962, 1970, 1972, 1992 و 1996 هده الدساتير كلها وضعت أساس النظام السياسي المغربي وفق مبدأ تقرير المصير. والدليل أن السيادة للأمة تمارسها مباشرة عبر الاستفتاء و بواسطة الهيئات الدستورية(...) و أن الأعضاء البرلمانيين يستمدون سلطتهم من الأمة, كما أن إنشاء الجهة تثبت الديموقراطية على الصعيد الوطني".
وتعليقا على هدا الشق الوطني من التقرير نقول أن التقرير تكلم عن الأمة عوض الشعب علما أن لفظ الأمة فضفاض في أن لفظ الشعب معلوم و واضح. كما سطر على كون التقرير أكد أن حق تقرير المصير كان الشغل الشاغل للدولة المغربية مند البداية, وبدلك سبق المغرب العهود الدولية في هدا المجال ما دام أن حق تقرير المصير معمول به مند دستور 1962 قبل العهدين الدوليين(1966).
و يضيف تقرير الدولة المغربية, " أما فيما يتعلق بالشق الدولي, تكفي الإشارة أن المغرب التزم بكل قرارات مجلس الأمن و بدون أي تحفظ رغم حقوقه الثابتة تاريخيا, كما أن المغرب بدل مجهودا جبارا للنهوض بالحقوق الاجتماعية و الثقافية بأقاليم الصحراء رغم قلة موارده"
أن المغرب كان على الدوام و مند البداية إلى يومنا هدا حسب التقرير ملتزما بحق تقرير المصير في شقيه الوطني و الدولي, بل كان سباقا إلى الالتزام به و ما على الأمة المغربية إلا أن تحمد الله لأنها وصلت إلى أقصى ما يمكن أن تصل إليه أي دولة في هدا الصدد.
لكن ما هو موقف الحقوقيين من تطبيق حق تقرير المصير؟
أن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان, سواء في أدبياتها أو بياناتها أو تقاريرها الموازية تعتبر أن المغرب مازال لم يعرف بعد التطبيق الفعلي و العملي لحق تقرير المصير و دلك اعتبارا لكون :
- أن الدستور ممنوح ) octroyé) وليس نابعا من إرادة الشعب الذي لم يسبق له أن شارك أو ساهم في بلورته أو إعداده, اد غالبا ما كان يتم إعداد الدستور و يتم التصويت عليه مع الدفع بالتصويت بنعم بجميع الوسائل الممكنة.
- جميع الدساتير (مند 1962 إلى الآن) تكرس السلط التشريعية و التنفيذية و القضائية بين أيدي المؤسسة الملكية, علما أن المؤسسة الملكية مقدسة و بالتالي فوق هده السلط كلها. كما أن الحكومة مقيدة بحدود دستورية.
- أن الدولة اعترفت بنفسها أن الانتخابات السابقة عرفت التزوير و التلاعب لأنه عندما تقول الحكومة أنه من الآن فصاعدا ستقوم بأجراء انتخابات نزيهة و شفافة ألا يعني هدا أن السابقة لم تكن كذلك؟ باستثناء الأخيرة علما أنها عرفت هي كذلك جملة من الخروقات علمها الجميع.
- فيما يتعلق بملف الصحراء, يكفي القول أنه لم يسبق للشعب المغربي أن أبدى رأيه في هده القضية. و الآن نسمع عن الحل الأول و الحل الثاني و الحل الثالث و الحل الرابع حتى اختلط المر على المرء
- بالنسبة للحكومات لم يسبق لأي واحدة منها أن خرجت من صناديق الاقتراع. إنها تعين من طرف المؤسسة الملكية, وهي إما أن تكون حكومة تقنوقراطية أو سياسية أو تقنوسياسية. و قلبها تجانس غريب اد هناك وزارات السيادة(والتي لا ينص عليها الدستور و لا وجود لمثلها في أي بلد وهو مفهوم مبتدع). و في هدا الصدد طرح التساؤل التالي : هل الشعب يساهم فعلا في تركيبة الحكومة؟ وأن الأدهى من هدا و داك, عندما تعين الحكومة و تشرع في عملها فادا به تخلق بجانبها هيئات و مجالس و ضناديق خارجة تماما و كليا عن نطاق الحكومة لتتدخل بقوة في جملة من المجالات من اختصاصات الحكومة الخالصة, الشيء الذي قد يدفع المرء إلى الاعتقاد أن الحكومة عليها هي نفسها أن تطالب بحق التقرير في مصيرها.
و فيما يتعلق بالنظام الاقتصادي في المغرب قيل أن المغرب أمة وسطا أي ("شويا من الليبرالية و شويا من الاشتراكية) أما حاليا فهناك الحديث عن النظام الليبرالي للانخراط في العولمة, إلا أنه لم يسبق أن تمت استشارة الشعب بخصوص النظام الاقتصادي الراغب في اعتماده. و في هدا الصدد علق بنزكري قائلا أن الجميع يعاين نهب أموال الشعب اد نسمع عن الملايير,115 مليار بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي و القرض العقاري و السياحي و لاكوماناف و غيرها, أموال الشعب تنهب تحت مرآي عيونه و لا من حسيب و لا رقيب. أن زين الدين الزاهدي صرح في حديثه مع جريدة "لوجرنال" أنه منح قروضا لصهر زين العابدين بنعلي و لأحد أعضاء المخابرات السعودية دون ضمانات و دون الامتثال للإجراءات المنصوص عليها في هدا المجال ودلك استنادا على تعليمات توصل بها عبر الهاتف مضيفا أنه لا يوجد أحد بالمغرب يناقش التعليمات.
أن الشعب المغربي لم يقرر مصيره وإنما يقرر مصيره مضيفا أنه في عصر العولمة فان جميع الشعوب"سترتاح" من هدا الحق لأنه من الآن فصاعدا السوق هي التي ستحدد كل شيء مكان الشعوب و عوضها. فما العمل ادن؟ إن الخطر أضحى يهدد الجميع حتى في المكتسبات التي أصبح من الضروري الدفاع عنها لأنه في عصر العولمة لم يعد هناك مجال للتمتع بحق تقرير المصير من الناحية الاقتصادية و السياسية. فالآن الإمبريالية تصول و تجول و يمكنها التدخل في أي بلد دون حسيب و لا رقيب, بل وصل بها الحد إلى الضغط على الدول لإلغاء الحدود و مطالبتها بتغيير قوانينها الداخلية, فحتى الأجر الحد الأدنى المضمون ( SMIG) يراد التخلي عنه لترك السوق تقوم بدورها في هدا المجال. لهدا أضحى من الضروري الدفاع على المكتسبات, و هدا أمر لم يعد يهم شعبا دون غيره و إنما يهم الشعوب قاطبة, و بالتالي أضحى على الحركات الحقوقية عبر العالم السعي إلى توحيد نضالاتها و مجهوداتها من أجل فرض احترام المواثيق الدولية لحقوق الإنسان في كل مكان.