حركة الشبيبة الفتحاوية الطلابية في رام الله قالت في بيانها أن لحظة الحقيقة قد اقتربت وزادت أن حكومة السيد محمود عباس دون الكنية كما يرغب بذلك هو ، أشبه بحكومة مجلس حكم بول بريمر في العراق المحتل ، وسبق أن قلنا أن التشبيهات هذه من قبيل الرياضة غير المفيدة على الإطلاق في هذا الظرف الذي اخترقت فيه هذه الحكومة كل الحواجز سقوطا إلى الدرك الأسفل بحيث أصبحت في نوعها قابلة لأن تكون مرجع التشبيهات لمن أراد التشبيه فيما هو قادم من زمن وليس العكس . أما قضية اقتراب لحظة الحقيقة فهذه أيضاً فجيعة لأن هذه اللحظة بالذات قد مرّت بالجميع وأصبحت ماضيا وأن نوعية الحقيقة التي أصبحت نفلا عن الرؤيا وعن ونفلا عن القول أيضا فقد أصبحت مع رسالة الدحلاني هذا والذي كشف عنها ونشرت في مواقع الإنترنت حقيقة من نوع خاص ، لم يعد ممكنا اليوم التحايل على واقع مدرك حتى دقائقه التفصيلية التي ما عادت هي ذاتها بحاجة لمن يوسعنا تنظيراً وتحليلا لأنه لم يعد هناك من مركّب بتاتا وأصبحت كل الأمور في أبسط أشكالها التي لن تنحل بعده إلى ما هو أبسط فلقد وصلنا إلى الإليكترون الخياني أيها السادة في ذرات الموقف ، وانكشفت كل المخفيات وما عاد هناك أعظم ، ولزم أولا هذه الحكومة ولزم السيد محمود عباس إعلانه المزدوج بالبراءة من هذه الرسالة والبراءة من صاحبها قبل كل شيء .
عصابات المافيا التي يتحدث عنها من هو أسوأ من المافيا التي على الأقل كان لها أخلاق الأسرة الواحدة التي لا تبيع أيا من أعضائها مع سخف المقارنة التي اضطرتنا لها عبقرية السقوط الدحلانية ومن وراءها ، والذين يريد هذا الدحلاني اجتثاثهم من أصولهم واجتثاث أفكارهم وآرائهم عبدا بين يدي هيكل الصهاينة نقول له بصوت واضح أنك قد بلغت في عتهك كل مبلغ وهذا أهون الرتب ، وإن الأفكار التي تريد استئصالها هي نبت الأرض التي تدنسها بقدميك يوميا وتسمسر على ما شربت من دماء من أجل الحياة الراكعة تحت سوط الأسياد الذين تعدهم بقرب التخلص من أبناء لهذه الأرض بررة كل همهم حياة تسر الصديق أو ممات يغيظ العدى ليسوا متطفلين إلا بقدر أصلك وما ضربت من مثال في أداء الأمانة وخلق المؤتمنين ولأرض لن تقبل هؤلاء الذين تمنيهم الأماني وما يمنيهم الشيطان إلا غرورا .
تابعنا ما رآه عدد من الأخوة المحللين وآخرها مقالة الأخ بلال الحسن حول نوعية الخلاف القائم في الساحة الفلسطينية وإحالته إلى الجهوية في وجهة النظر وليس للشخصانية أو الفردية ، ونتفق معه في ذلك تماما بيد أنا نرى أن المعادلة التي أسعفنا بها تحليله الدقيق ما عادت قائمة حيث اتضح نوعية الهدف "الوطني " الذي تراه حكومة عباس من خلال هذا الدليل القطعي وغير القابل للتأويل ، ولن يكون منفذا أن يقال بأنه غير ملزم لحكومة طالما أن الحكومة مسؤولة بالتضامن وحيثما كان السبب المعلن لحرد رئيس هذه الحكومة هو مطالبته بمزيد من الصلاحيات الأمنية في يد كاتبها ، وإن كان يدري هذا الرئيس بمثل هذه الرسالة والتوجه فهي مصيبة وإن كان لا يدري فالمصيبة أعظم وفي الحالين فإن بقاء هذه الحكومة أصبح جريمة وطنية يشترك بها كل من يسكت عنها بعد ذلك.
قلنا وطالبنا في كل مقالاتنا السابقة وأكثرها وضوحا " النيابة ضرورة وطنية " بضرورة هذه النيابة وناشدنا مرارا القيادة الوطنية الفلسطينية والرئيس أبو عمار واللجنة المركزية لحركة فتح والفصائل المختلفة وكذا فعل مئات الكتاب والكوادر الفلسطينية وعدد أكبر من المثقفين بأن يصار إلى تشكيل قيادة جماعية تكون بديلا للهرطقة الحالية التي شجعت هذا الدحلان وغيره على أن تمتد لرمز الثورة الفلسطينية المعاصرة وقائدها على هذه الصورة الوقحة الخائنة والغادرة وهي ذات اليد التي لم تنبت إلا بعطف ورعاية هذه القيادة وكانت أول ما فعلت هو عض هذه اليد والقفز عليها بأخس ما تكون الصفات ، وناشدناك يا أبا عمار أن تقوم فورا بوضع إطار ضمان الحماية وصمام الإمان الوطني لهذه المسيرة عبر هذه النيابة وعبر هذه الجماعية ولكنك ما زلت تعطي فرصة تلو فرصة فماذا تراك معطيا عقب ذلك ؟
نعم أصرَّ السيد محمود عباس على التشاور مع الرئيس أبو عمار إبان الوساطة المصرية وهو إصرار من لم يكن بعد قد قدّر ظرف فتح المواجهة على مصاريعها لا أكثر ولا أقل ، وتمنع حتى الساعة عن تنفيذ الفصل الثاني من المواجهة مع الشعب وفصائله المقاتلة أو وجهة النظر الثانية لأن القوى اللازمة لذلك لم تصل الذروة بعد التي تؤهلها لدخول هذه المرحلة ليس إلا ، وحينما ضاق صدرها بالوقت مهدّت من باب خلفي لدعوة أساطيل الأمريكان تحت حجة وجود القوات الدولية كجزء ضامن من خارطة الطريق التي ماتت وبالدليل الرئاسي الذي حاول أن يخفف من درجة وضوحه السيد أبوردينة عبثا ، ونحمد الله أن أساطيلهم تنوء بكلكل ولم تعد تحسن القيام وهي غارقة في اذنيها في الوحل الذي حشرت أنفها فيه غطرسة وصلفا ، فالمسألة ما عادت في طور الشاعرية اللغوية ولن تنفع بعد ذلك محاولات تشكيل اللغة على قاعدة الزجاج العاكس الشفاف لأنه لم يعد هناك من شعاع ليعكس .
عدم حضور اجتماعات اللجنة التنفيذية من قبل السيد محمود عباس متكررا هذا النوع من التصرف لأكثر من مرة في ضوء الاكتفاء بالعتاب فقط رغم خطورة مدلولاتها هو ذاته الذي سيكون معه تشنيف آذان المجلس التشريعي اليوم بترهات خرافة الانجازات لحكومته خلال مائة يوم ورفض النقاش أمامه لهذه الإنجازات والوصول إلى مغادرة مبناه لو طلب عكس ما أراد الرئيس المستأسد وقد كثرت البغاث واستنسرت ، ولا ندري هل سيرفق خارطة تفصيلية أيضا بمجمل الكوارث التي لحقت بهذا الشعب الصابر المرابط في ظل هذه الحكومة العتيدة خلال هذه المائة يوم من السقوط المدوي أم سيترك الأمر لحكومة شارون حتى تقرأها إنجازات لها أمام الكنيست الصهيوني لاحقا .
أيها الرئيس عرفات لم يعد الأمر محتاجا لكثير من تلكوء وتردد أمام ما نعلمه علم اليقين من حرصكم وحكمتكم وحيثما هي الشرعية الباقية الآن في رئاستكم للجنة التنفيذية فإن إقصاء هذه الحكومة الآن وليس غدا أصبح في حكم الواجب الوطني وإن إعادة تشكيل الأجهزة الأمنية وإسناد مهمة قيادتها إلى مجلس أمني قومي أصبح في حكم الفرض، والسنة بعده حكومة وطنية جماعية نظيفة ومراجعة شاملة ولا يقال إنما هي فورة غضب ونزق استخف أو صيد في ما عكر فما عاد هناك من عكر إلا عكارة وجوه شاهت وأيدي تبت وهلكت بعد ما قدّمت دليل الانتساب إلى ما هو غير وطني وغير فلسطيني وغير إنساني ، إن عدم النهوض بذلك الآن يترك المجال مفتوحا أمام أخطر الاحتمالات التي ستكون باهظة الثمن وأعلى من أي ثمن آخر ومهما كانت السلبيات الناشئة أو المضاعفات عن هذه الخطوات في ظن من يظن فإنها بلا شك ستكون محدودة ومؤقتة في ضوء تفجير المعادلة التي ما عادت قائمة إطلاقا ، وفي أفضل الأحوال فإن التضحية بحكومة وتجربة أفضل من التضحية بمسيرة هذا الشعب وإلقائها في مهب الريح.