يوضح الكاتب والداعية الإسلامي/ د. محمد العوضي أن دولة الكويت قد شهدت ثلاث موجات من الإرهاب المسلح على أراضيها المسلمة والمسالمة، وقد تتابعت الموجات الدامية كالتالي: 1- موجة "الإرهاب اليساري" والذي قادته مجموعة تتبنى أفكار مختلطة من الثورية والماركسية، وقد ظهرت هذه الموجة في الخمسينات والستينات من القرن الماضي وانتهت مع هزيمة الأنظمة الثورية في مصر وسورية عام 1967، ولم تؤد هذه الموجة إلا لهروب بعض أعضاء خلاياها واعتقال البعض الآخر، ومن ثم عودتهم للعمل السياسي العلني وصولاً إلى منصب الوزارة الحكومية في التسعينات!

2- موجة الإرهاب التي قامت بها بعض المجاميع "الشيعية" على خلفية نجاح الثورة الإسلامية في إيران 1979م وبدء تصدير مفاهيم ونماذج لتلك الثورة للدول المجاورة، كما ساهمت الحرب العراقية – الإيرانية (حرب الخليج الأولى) والتي انحازت بها الأنظمة الخليجية للعراق في إشعال هذه الموجة من التفجيرات التي أزهقت أرواح الأبرياء.

وانتهت هذه الموجة مع احتلال حكومة الرئيس العراقي المخلوع/ صدام حسين لدولة الكويت عام 1990م، وحدوث إجماع خليجي ودولي على طرده من الكويت وتجريده من القوة التي تمكنه من مواصلة تعدياته على الدول المجاورة للعراق.

3- الموجة الثالثة هي التي تشهدها الكويت حاليًا تحت مسمى "الإرهاب الإسلامي" وتقوم بها بعض خلايا تنظيم "القاعدة" أو المتعاطفين مع أطروحاته القائمة على طرد القوات الأمريكية والبريطانية من الجزيرة العربية، ودعم خلايا المقاومة المسلحة في العراق وأفغانستان وغيرهما.

والملاحظ أن التقسيم السابق يستبعد العمليات المسلحة الأخرى التي أخذ بعضها طابع النضال السياسي في بدايات القرن أو التي لها طابع دولي في نهاياته، ومن المهم ملاحظة الأمور التالية بشأن الموجة الثالثة –والحالية- من الإرهاب في الكويت وهي:

أولاً- عدم تنفيذ خلايا الإرهاب لعمليات داخل الكويت: لم تقم الخلايا المنسوبة لهذا الإرهاب بأي عملية داخل الكويت إلى الآن ولله الحمد، وكل من سقط من ضحايا كان جراء العمليات الاستباقية التي قامت بها قوات الأمن الكويتية! وهو ما يثير التساؤل حول صحة مثل ذلك الإجراء الاستباقي، وحول دقة تنفيذه على افتراض صحة وقوة دلائل رغبة تلك الخلايا الإرهابية في تنظيم عمليات داخل الكويت.

والإجابة هنا متروكة للجهات الأمنية ولذوي الخبرات في ذات المجال، فأنا أرجو –كل الرجاء- أن لا يكون تصرف تلك القوات قد أثار علينا (عش الدبابير) كما يردد بعض المتابعين.

ثانيًا – أعضاء الخلايا معتقلون سابقون بقضايا مقاربة: فهم ممن قبضت عليهم قوات الأمن الكويتية سابقًا، وبعضهم يؤكد خضوعه لعمليات تعذيب أو إيذاء متنوعة مثل المتهم/ عامر العنزي والذي توفي في 8/2 بعد ثمانية أيام فقط من اعتقاله بكامل عافيته! مما يجب الوقوف عنده مليًا لمراجعة إجراءات الضبط والتحقيق السابقة ووضع كراسات نافذة تكفل المعالجة القانونية السليمة من جانب والفاعلة من جانبٍ آخر.

ثالثًا – ضرورة تلازم المعالجات الأمنية والفكرية: وهو ما أكدت عليه التصريحات الرسمية والشعبية وبدأت الجهات الحكومية فعلاً في تطبيقه، مما يعكس نضجًا كبيرًا واستفادةً من التجارب المصرية والسعودية والجزائرية سلبًا وإيجابًا في ذات المشكل الإرهابي.


رابعًا – إجماع شعبي وسياسي وطني على رفض الإرهاب: حيث اجتمعت كافة أطياف واجهات العمل السياسي والاجتماعي الكويتي الفاعلة للتنديد بالإرهاب المادي والتطرف الفكري، مما يعكس وحدة وطنية مميزة سبق تجليها عند احتلال قوات النظام العراقي البائد لدولة الكويت في 1990.

ولكن نشوز رموز وأقلام وصحافة التيار الليبرالي عن الالتفاف مع الأغلبية، من أجل التحريض ضد التيار الإسلامي ككل في ظل الحملة ضد الإرهاب والتطرف، يعد تصرفًا طفوليًا وتكسبًا رخيصًا على حساب أمن الوطن وسلامة ساكنيه!

وكم كان بليغًا ما سطره النائب الإسلامي/ د. وليد الطبطبائي بهذا الشأن حين قال أنه : (في عام 1969 تورط علمانيون يساريون في الكويت في أعمال إرهابية وخضعوا للمحاكمة ثم طوي هذا الأمر وصار بعض من أدينوا في تلك الأعمال وزراء وكتاب زوايا، وإبان الثمانينات تورط مواطنون في أعمال ارهابية بتحريض من أجهزة مخابرات أجنبية، وفي كلتا الحالتين بقيت الإدانة محصورة في الأفراد الذين ارتكبوا التجاوزات، فلماذا يعتبر البعض الآن اتهام شبان متدينين بأعمال إرهابية إدانة للتيار الإسلامي السني في الكويت؟) الوطن الكويتية 9/2/2005.

خامسًا- كفالة الحريات تجفف منابع الإرهاب: فمناخ الحريات العامة وسيادة القانون للحاكم والمحكوم على حد سواء هو ما كفل الاستقلال والازدهار لدولة صغيرة مثل الكويت وسط بحر متلاطم من التجاذبات ونفوذ الدول الكبرى، وهو ما يجب الحفاظ عليه لتجاوز هذه الموجة الإرهابية بنجاحٍ كما كان الحال مع الموجتين الإرهابيتين السابقتين.

أما التضييق الإعلامي والانحياز الصحفي القائمان حاليًا فيتعارضان مع العلاج المجرب سابقًا ويمثلان تكرارًا لتجارب فاشلة لدول عربية أخرى، بل إنهما –وللأسف الشديد- فقد امتدا ليتضمنا تعديات أخرى على الحريات والحقوق الدستورية.

في الختام: أرجو أن لا تكون الاسطوانة العربية المشروخة بأنه (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة) هي إجابة المسؤولين والمعنيين على جملة التساؤلات والملاحظات التي سقتها في هذا المقال، فالإرهاب نار قد أشعلت أوطانًا أخرى ونسأل الله سبحانه أن يعيننا على إطفائها في وطننا وعموم ديار المسلمين ... آمين.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

nashiri logo clear

دار ناشري للنشر الإلكتروني.
عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

 

اشترك في القائمة البريدية