ما زالت شركة التبغ تستبلد المواطنين بمباركة وتزكية الحكومة. لقد سبق أن تطرقت إحدى الصحف لموضوع الدعاية العلنيَّة والمكشوفة للسجائر في نقط بيعها. وبعد الحملة الإعلانية ل "كولواز" هاهي "فورتونا" تقوم بالمثل، وهي حملتها الثانية بعد الحملة الإعلانيَّة الأولى التي شنتها في صيف 2003. ففي كل نقطة بيع وفي كل مكان وحين من طنجة إلى الكويرة يصادف الرجل والمرأة، الطفل والشاب والكهل والشيخ دعاية السجائر ودعوته إلى المساهمة في مسابقة بعد اقتناء علبة السجائر. فكيف تم السماح لهذه الحملة الإعلانيَّة الذائعة الصيت وللمرة الثالثة على التوالي منذ صيف 2003 في جميع أركان المغرب في الحواضر والبوادي، عِلْمًا بأنه فعل ينافي القانون الجاري به العمل ويناهض الوازع الأخلاقيَّ والإنسانيَّ؟ فهل هذا يدخل ضمن توجيهات وتعليمات المؤسسات المالية والدولية في إطار التوجه الليبراليِّ المتوحش المفروض فرضًا على بلادنا أم أنه مجرد انعكاس من انعكاسات الخوصصة المرتجلة أم مجرد هفوة تكررت 3 مرات على التوالي؟ فكيف لحكومة أن تقبل الدوس على قوانين جارية المفعول ومكفول لها أن تحرص على احترامها؟ أم أن ضغوطات أصحاب رؤوس الأموال وصلت إلى حد تجعل الحكومة تستبلد المواطنين؟
ومن المعلوم أن أباطرة السيجارة في العالم يعملون على شراء ذمم بعض القائمين على الأمور لتسهيل انحراف تطبيق مقتضيات القانون الرامية صراحة ـ وبدون لف ولا دوران ـ لمنع الدعاية للسجائر والتدخين. لاسيما وأن هؤلاء الأباطرة لاحظوا ازدياد الأصوات المنادية بمنع التدخين في الأماكن العمومية ومنع ظهور أيِّ شكل من أشكال الدعاية الملتوية لصالح التدخين في معظم وسائل الإعلام. وكما أن هؤلاء الأباطرة حاولوا بجميع الوسائل شراء ذمم بعض العلماء للتعليق على الأبحاث المرتبطة بعلاقة السرطان بالتدخين قصد تبيان وجوه قصورها حتى ولو أدى الأمر إلى الاختلاق والتزوير. كما عمل هؤلاء على منع نشر المقالات التي تعنى بأضرار التدخين وعلاقته بالسرطان.

ولعل أسلوب الدعاية المعتمد هو أكثر جدوى وفعاليَّةً من دعاية وسائل الإعلام أو استعمال الملابس والأدوات والأكسيسوارات، إنه أسلوب يمس جميع فئات الشعب المغربيِّ ويغطي كل شبر على امتداد التراب الوطني. وذلك باعتبار أن نقط بيع السجائر تغطي جميع التراب الوطني أكثر من أيِّ تغطية أخرى (أمن ـ صحة ـ تعليم)، عِلْمًا بأن أغلب تلك النقط لا تقتصر على بيع السجائر وإنها في أغلبيتها الساحقة أماكن لبيع مختلف المواد الغذائية لاسيما في الأحياء الشعبيَّة والبوادي. وبذلك تكون الدعاية موجهة لعموم الفئات ولمختلف الأعمار وغير محصورة على المدخنين.
و في وقت يتضح فيه أن السجائر الفرنسية "كولواز" والسجائر الإسبانيَّة "فورتونا" فقدتا الكثير من نفوذهما في أسواقهما الداخليَّة والسوق الأوروبيَّة بفعل الدعاية المضادة للتدخين هناك وبفعل تحرك فعاليِّات المجتمع ضد آفة التدخين، والدراسات الخاصة بأضرار التدخين. فقد اضطرت للبحث عن أسواق جديدة، وطبعًا وجدت في حكومتنا الموقرة السند الكبير غير المسبوق لتمكينها من السطو على السوق المغربية، بل وتجاوز الأمر هذا الحد بتزكية ومباركة دعايتها في كل شبر من التراب الوطنيِّ. فكيف يمكن قبول استبلاد المواطنين بهذه الطريقة؟
إن القانون رقم 91-15 المناهض للتدخين والصادر في الجريدة الرسمية عدد 4316 المؤرخ في 2 أغسطس/أوت 1995، ينص بواضح العبارة على منع أيِّ دعاية للسجائر والتدخين، وعلى إلزاميَّة كتابة وطبع عبارة "التدخين مضر بالصحة" على كل علبة سجائر. وبالرغم من كل هذا فإنه في الواقع يتم استغفال المواطنين والتحايل على القانون حيث، يسمح أوَّلًا بالدعاية للتدخين والسجائر على أوسع مدى، وثانيًا تكتب العبارة المفروضة بخط صغير جدًا لا يكاد يبين بفعل اللون المستعمل وصغر حجم الحروف.
وفي حين أن الحكومات التي تحترم مواطنيها ولا تستبلدهم فرضت أن تكتب عبارة "السجائر تقتل" بخط حجمه أكبر حتى من ماركة السيجارة نفسها على العلبة لتكون واضحة للعيان باعتبار أنها تريد إخبار المواطن ليتحمل مسؤوليَّته كاملة ولا تسعى لاستغفاله أو استبلاده كما هو الشأن عندنا. فإذا أخذنا مثلاً علبة "ونستون" الأمريكية نجد أن العبارة المفروضة مكتوبة بخطٍ ميكروسكوبيِّ تحت عبارة: FULL- RICH FLAVOR (غنيٌّ ومنعش) مكتوبة بخط ولون بارز جدًا يفقع العين.
فعوض أن تعمل حكومتنا الموقرة على تفعيل القانون وتطبيقه في هذا المجال ـ وهذا أضعف الإيمان ـ وأن تجتهد في توسيع مقتضياته وترسيخها كمنع بيع السجائر لأقل من 18 سنة وحظر تبني ورعاية شركة التبغ للأنشطة المدرسيَّة والمجتمعيَّة. فإنها على العكس من ذلك، بالتمام والكمال، تُزَكِّي وتبارك دعاية السجائر في جميع نقط بيعها بالمدن والمداشر حتى في النقط القريبة من المدارس والجامعات.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

nashiri logo clear

دار ناشري للنشر الإلكتروني.
عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

 

اشترك في القائمة البريدية