كما كان متوقعا،وكما درجت عليه العادة دائما أن اللقاء الذي جمع الحكومة ،بالاتحاد العام للعمال الجزائريين،وأرباب العمل،لم يفض إلى أي شيئ يذكر قد يعود بالمنفعة على الطبقة العمالية،أو حتى يستطيع أن يسهم في رفع الغبن عنها بمنحها ولو كانت شبه وعود كاذبة.حتى الأمل في أن تعطي الحكومة موافقتها،من أجل إلغاء المادة 87 مكرر،كحد أدنى لرفع معنويات العمال التابعين للوظيف العمومي ،ولرفع المقدرة الشرائية لهم،ولو كان ذلك ظرفيا،للأسف ذهب أدراج الرياح مع تعنت أحمد أويحي واتخاذه لموقف عدم الموافقة على أي مسألة من أجل رفع للأجور ،لأن ذلك حسبه سوف يكلف الخزينة العمومية خسائر باهظة، وكتعلة أيضا للتنصل من الواجب الحكومي في زمن الليبرالية للتكفل بمعيشة الموظف المواطن ،رغم أن الخزينة العمومية التي يتحدث عنها أحمد أويحيى متخمة بالدولارات.وسقف سعر برميل البترول في ارتفاع مطرد. الثلاثية في اجتماعها وإن كان العنوان هو العامل ومصلحته المهنية ،بيد أن الحقيقة هي عكس ذلك.ولم تشر إلى ما يمكن أن يعطي دليلا واحدا على أن الاجتماع كان غرضه بالأساس هو مستقبل المواطن،ومعيشته التي هي مهددة في كل لحظة،من طرف جرافة اللبرالية،ووحشية اقتصاد السوق.لقد كان اجتماعهم مجرد تقليد بروتوكولي لم يختلف عن تلك الاجتماعات البروتوكولية التي تخرج دائما باللاشيء ورزمة أصفار.والتي دائما تشرئب لها الأعناق على معرفة نهايتها مسبقا بأنها غير مجدية،ما دامت لا تعني المستوى الحياتي للموظف.وما تقرر في هذا الاجتماع الثلاثي،لا يحمل إلا طابعا مميزا هو التخلي نهائيا عن دور الدولة في الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين،مهما كانت الأسباب.لأنه من غير المعقول،ولا من المنطق أن يتحدث الجميع عن تفعيل الاقتصاد الوطني،وترسيم الخطوط العريضة لمشروع العقد الوطني،من أجعل رفع معدل النمو،وبموازاة ذلك ينظر إلى المواطن على أنه الهامش وليس اللب في كل عملية اقتصادية.بل يركن في آخر الصف.مع العلم أن كل اقتصاد قوي هو من قوة المواطن،وكل اقتصاد ضعيف فوهنه،متأت من وهن المواطن.والدولة في هذه الحال يجب أن تعتمد على مصادرها المختلفة من أجل الحفاظ على آدمية الفرد الجزائري،الذي أصبح منذ أن أشهرت السلطة سيف الليبرالية،وهو يترنح تحت الفقر،وهن العظم،يلعق فقط ريقه.
ما تدافع عليه الحكومة،وتحرص عليه حرصا بالغا هو الانتقال اليوم نحو الليبرالية،بالهرولة اللامشروطة نحو المنظمات العالمية،المالية والتجارية،ولو كان ذلك على حساب الطبقة العمالية المتوسطة،والطبقات الدنيا المعدمة.فما يشغلها ليس توظيف أشمل لكل مقدرات الأمة بغية الوصول إلى اقتصاد متكامل.لأن أي اقتصاد مهما كانت عبقرية منظريه فلن يحقق المعجزة ما دام يعمل خارج إطار مقدرات الأمة،ويتحاشى حضور شفافية التسيير.ويجعل الفرد قطب الرحى في كل عملية تنموية،منبوذا لا قيمة له إلا جني البخس.
والواضح أن في إفرازات اجتماع الثلاثية الأخير،يكمن خيار الهروب نحو الأمام من قبل الحكومة التي تريد أن تنهي مشروع ليبرالية كل شيء،حتى المواطنين الذين سيأتي اليوم الذي يخاطبهم أحمد أويحيى صراحة ومن غير مواربة،كما خاطبهم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بداية عهدته بأن يشمروا على السواعد بأن لا يعتمدوا على الدولة،رغم أنه يتقاضى أجرا من الدولة ومن الخزينة العمومية.لأن مهمة الدولة قد انتهت في إطعام الناس،وإيجاد للعاطلين عملا مناسبا.ويستطيع كل ذي لب أن يتصور الدور الذي تلعبه الحكومة،في غياب مشروع خدمة المواطن،وخدمة معيشته اليومية.
اجتماع الثلاثية ضبطت ساعته مع زيارة مدير صندوق النقد الدولي" روديرغو ديراغو" إلى الجزائر،الذي أشاد بمجهودات الحكومة في التطبيق الحرفي لمقررات الصندوق الدولي،ولسياسة الانفتاح الاقتصادي.وعندما نسمع مثل هذا الكلام،وقد جربت الجزائر في بداية عهدها،الانصياع لكلام مسؤلي هذا الصندوق،نفهم لماذا فجوة الفقر تزداد يوما عن يوم،ولماذا جحافل البطالين تتضاعف عاما بعد عام.لأن القول المؤدلج والمنمق،لا يمكن له أن يخفي هول الكارثة التي يعيشها آلاف الشباب الجامعيين الحالمين بأن يكون لهم منصب شغل في جزائر العزة والكرامة،كما لا يمكن أن يغطي العجز الفاضح الذي تتخبط فيه مختلف المؤسسات التي تشرف عليها الحكومة،وسوء التسيير الذي يساهم في تعويمه أشباه المسؤولين داخل القطاعات.فمن له اليوم القدرة على ابتلاع مغالطات التصريحات،وأراجيف الأرقام التي تجعل من الجزائر يابان إفريقيا وهي للأسف الشديد تحبو في طريق التنمية الاقتصادية،لم تبلغ حتى طول مرتبة اقتصاد البنغلاديش.؟
الحكومة بقرارها سد فوَّهة البركان الاجتماعي بأن كل شيئ على ما يرام،وسياسة انتظروا الفرج في السنوات القادمة مع حلول السنة الليبرالية الحقيقية،ووضع العقد الإجتماعي الذي سينطلق في سبتمبر القادم،مما يعني تمديد لفترة الحل،وتجديد للمظهر دون الجوهر،وتبديد لطاقة الأمة التي هي في حالة نفاد مستمر.تكون قد فصلت نهائيا فيما تعلق بمشروع الدولة،واقتصارها فقط على تحقيق ما تطلب منها بخصوص التزاماتها تجاه المنظمات المالية الكبيرة.
ومادام صندوق النقد الدولي راض تمام الرضا عن الجزائر،وعن مسلكيتها الاقتصادية في تحقيق كل تطلعات النظرية اللبرالية،مهما كانت هذه النظرية التي يختلف فهمها حسب كل دولة،وحسب كل مسؤول.فإن الجزائر في الطريق الصح.ولو كانت هذه النظرية في حد ذاتها تجلب الدمار لكل فئات الشعب،وتخلق من صلبه ماسح الأحذية،وهو حامل لشهادة جامعية.بل تدفع خيرة العلماء نحو الانتحار كما حصل مع أحد علماء قسنطينة عندما انتحر،بسبب تهميشه، عشية يوم العلم ،وعشية زيارة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لمدينة العلم قسنطينة.
وبكل صدق لا يجدي في زمن أصبح الجميع من فصائل الشعب تملك في بيوتها الهوائي المقعر،وتسافر نحو الخارج ،وتحتك مع الشعوب المتحضرة،الخطاب الرنان،وحرارة التصفيق.لأن الجميع وعى اللعبة ،ووعى أين مصيره متجه.كما لا يجدي التمظهر بان إطارات الجزائر الذين برهنوا خارج أسوارها،في بيئة حية تقبل الفعل والتفاعل،وترضخ للغة العقل،كما تعترف بالمادة الرمادية،سوف يقبلون المجيء ويعملون ضمن فريق لا يؤمن حتى بنفسه،فضلا عن إيمانه بما يفعل.لأنهم ببساطة شديدة يعرفون معنى أن تتهدم القدرة الشرائية للمواطن، ويصبح الفرد رهن الفقر واللقمة،كما يدركون بأن سياسة التفقير تحت أي مسمى،لا تبني الدولة،كما لا ترضي سوى البارونات العالمية والذين يوهمون الناس على أنهم من طينة طين الأمة ولكن هم عكس ذلك،أجسادهم تتغذى هنا،و قلوبهم معلقة بالضفة المقابلة.
ونخشى ما نخشاه عندما يكتمل البناء اللبرالي،ويرتب بيت العقد الاجتماعي الذي يبشروننا به،حكومة ونقابة،وربوبية البزنس عفوا أرباب العمل،أن يجد النظام نفسه وحيدا يتعامل مع هذا العقد الاجتماعي ، ساعتئذ سيجد الشعب غير معني به ،لأن الفقر عندئذ يكون قد قتله،ومن يدري قد تتعاقد الحكومة مع شعب آخر تمارس عليه طقوس الحكم،وتلقنه دروس،ونظريات اللبرالية؟ من يدري فكل شيئ ممكن في جزائر العزة والكرامة.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية