عبارة موحية تلك التي وردت في تقرير الصحافية رندة تقي الدين (الحياة 21/ 2/ 2005) منسوبة إلى الشّهيد رفيق الحريري إذ يشبه لبنان بأوكرانيا قائلا إنّ: "أوكرانيا ليست أهم من لبنان والرئيس بشار الأسد ليس أقوى من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالنسبة إلى الأسرة الدولية التي تريد انتخابات حرّة في لبنان". والبعد الذي تغفله هذه المقارنة هو المحك الحقيقي لمستقبل الملف اللبناني السوري، فمن المؤكد أن لبنان ليست أقل حيوية ولا قدرة على المثابرة وراء المطالب الوطنية اللبنانية المشروعة من أوكرانيا.
أما الفرق الحاسم فهو بين الثقافتين السياسيتين للنظامين "الروسي" و"السوري"، صحيح أنهما هجائيا يتكونان من الحروف نفسها مع فارق في الترتيب، إلا أن الفرق في المحتوى هو فرق نوعي. فالنظام الروسي الذي ورث الاتحاد السوفيتي وإن لم يتحمّل أن يرث كل عداواته القديمة هو نظام "علماني عقلاني" ما يعني أنه يملك القدرة على التراجع عندما تكون المعركة التي تواجهه خاسرة يقينا، فهو مؤهل لأن يخوض بعض معاركه "افتراضيا" فيصبح مقبولا لنخبته السياسية أن تتراجع عن خوض معركة دون الحاجة إلى أن تقبل "الهزيمة" بعد أن تقع بالفعل.
أما النظام السوري فهو نظام لا عقلاني تعاني نخبته السياسية من وقوعها في أسر حتميات موهومة تجعله يخوض كل معاركه حتى آخر جندي، حتى لو كانت المعركة حول قضية بيّنة البطلان، أو حول قضية تقبل المواءمة والمفاوضة والحل الوسط. وقد يكون من التجاوز مقارنة الوضع القائم في سوريا بوضع النظام العراقي قبل إسقاطه، غير أن المحتوى متشابه إلى حد بعيد وبخاصة فيما يتصل بالطبيعة اللاعقلانية للثقافة السياسية لحزب "البعث". والعامل الذي سيكتب نهاية مسلسل التجاذب الجاري حاليا سيكون قدرة النظام السوري على فكّ قيود الحتميات الوهمية قبل أن يختنق بها.
هذا هو الفرق الرئيس بين أوكرانيا ولبنان، وهو فرق يسلط الضوء على دور البعد الثقافي في مصير مشروعات التغيير السياسي. فالمعارضات السياسية الديموقراطية تحت حكم الديكتاتوريات العقلانية القادرة على التراجع في الوقت المناسب كما هو الحال في الاتحاد السوفيتي نفسه وفي جنوب أفريقيا، يختلف مصيرها ومصير مشروعاتها التغييرية اختلافاً تاماً عن مصير المعارضات التي تواجه ديكتاتوريات لاعقلانية مصابة بأعراض "ماساداة"!!