في عاصمة بلد (المليون شهيد) يجتمع اليوم قادة وزعماء العالم العربي في قمتهم الدورية المعتادة، وغني عن الذكر أن هذه القمة تعقد في ظروف صعبة مثيرة يسودها الارتباك والترقب تستوعب ببؤسها ما بين المحيط إلى الخليج، وتأتي هذه القمة بعد قمة تونس العام الماضي لنجد أن المشكلات قد تفاقمت وتوالدت، ولم تفلح قرارات تلك القمة حتى في تطويق المشكلات والحدّ من تداعياتها، وأما الحل فقد كان الجميع بمن فيهم القادة أنفسهم على علم بأن قراراتها عاجزة عن ذلك، ففي العام الماضي ناقش المجتمعون المشكل العراقي الذي لا يزال مستعصيًا على الحل، وقد زاحمه مشكل جديد هو المشكل اللبناني ـ السوري، إن لم يكن قد احتل درجة أعلى منه في سلم الأولويات!
وفي هذا العام تبدو الهيمنة الأميركية على المنطقة أكثر وضوحًا وجلاء، إذ ترسم الإدارة الأميركية ملامح مخططاتها وغايات مراميها بلا مواربة، ويتنافس مسؤولو الإدارة على التصريح بما هو مطلوب من دول العالم العربي في ظل ما يسمى بالحملة العالمية لمكافحة الإرهاب، ويرى عامة الناس بأم أعينهم كيف تستجيب الأنظمة العربية لتلك المطالب بسرعة وتفانٍ على صعد شتى أمنية وسياسية واقتصادية وتعليمية، وبالرغم من أن المسؤولين العرب يكررون مرارًا وتكرارًا أن تنفيذ تلك المطالب لا يتم استجابة لضغوط أميركية وإنما ينبثق بدوافع وطنية صِرفة تسعى إلى تحقيق المصلحة العامة غير أن التصريحات المصاغة بلغة الأوامر والتي تطلقها الإدارة الأميركية بسبب ودون سبب أحيانًا كفيلة بجعل رجل الشارع العادي يتوجس ريبة من صدق تصريحات ولاة أمره! فأنظمة عريقة في الاستبداد يصحو ضميرها فجأة للقيام بإصلاحات ديموقراطية (شكلية) سريعة دون مقدمات، وهو أمر يصعب على المرء تقبله باعتباره إصلاحًا وطنيًّا محضًا لا شأن للضغوط الخارجية في إحداثه على هذا النحو المفاجئ!
وليس بغريب بعد هذا أن ينظر المواطن العربي إلى هذه القمة وأخواتها بعين اللامبالاة وقلة الاكتراث، فهو يرى الأزمات تنداح على وطنه من كل حدب وصوب، ولا يجد في قرارات القمم ما يسهم في التخفيف من آثارها المدمرة، بل إنه يشعر بنوع من الاغتراب الوجداني إزاء هؤلاء المجتمعين، فالمفترض أنهم يمثلونه ويعبّرون عن آماله وهمومه، ويستشعرون أوجاعه وأنَّاته، لكنه لا يرى من ذلك شيئًا، إنه لا يحس بأنه ممثل في تلك القمة بل يبدو غريبًا عنها، فهو لا يتدخل في رسم جدول أعمالها ولا يسهم في صياغة قراراتها ولا ترتيب أولوياتها، ولا يمارس دورًا رقابيًّا مستقبليًّا يكسب تلك القرارات صبغة الجدية والقابلية للتطبيق حتى لا تبقى مجرد حبر على ورق، إنه مغيَّب تمامًا عن أداء أي دور مهما صغر يقنعه ولو بصورة محدودة بأن تلك القرارات هي قرارات أمة واحدة تمخضت عن تشاور أبنائها، فهي في نظره قرارات نخب سياسية معتقة، عجزت متفرقة عن إصلاح شؤونها الخاصة، فهل تنجح في إصلاح شأنها العام حين تجتمع؟ لا غرو حينئذ أن ينظر المواطن المغلوب على أمره إلى تلك القمم باعتبارها معركة لا ناقة له فيها ولا جمل! وليت الأمر كذلك فمنية المرء أن يعود من الغنيمة بالسلامة، غير أن تلك القرارات للأنظمة غُنْمها وعلى ظهور المساكين غرمها!!