مصطلح «الجنجويد» مصطلح يتكرر كثيرًا عند الحديث عن الأزمة التي يعاني منها إقليم دارفور السوداني، ويختلف الباحثون في أصل الكلمة فمن قائل أنها تعني بلغة الفوريين: قطاع الطريق، ومن قائل أنها كلمة عربية مؤلفة من كلمتي (جن) و(جواد) أي: الشيطان الذي يمتطي جوادًا، ويقول آخرون إنها ليست جيمين بل ثلاث: جن وجواد وج 3، والـ G3 بندقية مشهورة بتلك الديار, وأيًّا كان الصواب من ذلك، فإن جماعة «الجنجويد» تألفت من بعض شبان القبائل العربية الذين انخلعوا من قبائلهم أو خُلِعوا منها، وامتهنوا قطع الطريق وسيلة لكسب الرزق. وهو مصطلح يعود إلى القرن التاسع عشر الذي شهد بواكير ظهور هذه الجماعات؛ ولذا فهي تذكرنا بصعاليك العرب أيام الجاهلية من أمثال تأبط شرًّا والشنفرى وعروة بن الورد، فهو نموذج يتكرر في فترات كثيرة من التاريخ العربي، غير أن صعلكة الجاهليين لم تكن بذلك التدمير والخراب الذي نسمعه عن صعاليك دارفور، بل إن من صعاليك الجاهلية من كان يمارس قطع الطريق لإطعام الجوعى وغوث الفقراء كما اشتهر ذلك عن عروة بن الورد، وهو ما لا تجده بالطبع عند «الجنجويد»، كما لم يتلوث أولئك الصعاليك الشرفاء بعار الاغتصاب وانتهاك الحرمات التي يتهم بارتكابها «الجنجويد».
وقد جرى الإعلام على وصف الصراع الدائر في هذا الاقليم بأنه صراع بين «الجنجويد» وسكان الإقليم من الأفارقة، على الرغم من أنه صراع قديم متجدد بين القبائل العربية من رعاة الإبل (الأبَّالة) والفلاحين (البقَّارة) وهو صراع ينشأ عادة بسبب شح المياه وقلة المراعي في فترات الجفاف، لكن الاحتقان السياسي الذي يشهده السودان والأزمات المتوالية التي تعصف به مصحوبة بحمى التدخل الخارجي اسهمت جميعا في اشعال جذوة الصراع وتحويله الى حرب اهلية رهيبة خلفت دمارًا ذهب بقرى بأكملها ومئات الآلاف من المهجرين وآلاف من القتلى الأبرياء وفظائع كثيرة مرعبة، والمحزن في هذا كله أن المتصارعين يلتحفون بعباءة الإسلام وتوحد بينهم أخوة الإيمان، وذاك مما يفطر القلب حزنًا وكمدًا.
وأما الأناقة الفرنسية فإنها تتجلى في صياغة القرار الأخير الذي أصدره مجلس الأمن، وقد تضمن إحالة المشتبه بارتكابهم جرائم حرب في دارفور على محكمة الجنايات الدولية، حيث تبنت فرنسا مشروع القرار وسعت إلى إقناع أعضاء المجلس بالموافقة عليه، وقد واجهت الدبلوماسية الفرنسية مشكلة إقناع الولايات المتحدة بالموافقة عليه، لا لأنها تعارض معاقبة السودان، ولكن لرفضها الاعتراف بشرعية تلك المحكمة التي رفضت الانضمام إلى الموقعين على إنشائها من قبل خشية أن تطال مواطنين أميركيين متهمين بارتكاب فظائع، ولما كانت الأناقة الفرنسية مضرب المثل في تصميم الأزياء وابتكار خطوط الموضة العالمية، فإنها لم تلقَ عنتًا في (تفصيل) القرار حسب الموديل الأميركي، إذ نص القرار بجرأة عجيبة على استثناء المواطنين الأميركيين من ذلك القرار خشية أن يكون أحد منهم متورطًا فعلًا في فظائع دارفور! وبناء على ذلك فقد امتنع المندوب الأميركي عن التصويت مفسحًا الطريق لصدور القرار! ومع الترحيب بإحالة مجرمي الحرب أيًّا كان جنسهم إلى تلك المحكمة غير أن صياغة القرار على هذا النحو قد كرست مفهوم المعايير المزدوجة التي تحكم الأمم المتحدة ومجلس أمنها، واعترفت بعدم المساواة بين أعضائها وهو ما يخالف ميثاقها الأساسي، ويبقى الجنجويد العرب الوحيدون خاضعين لسيف العدالة الصقيل، بينما يأمن حده الباتر الجنجويد الأكثر دموية وفسادًا!