ارتفعت وتيرة الحديث عن معايير الديمقراطية والإصلاح السياسي في مصر بين الحكومة وأجهزتها الرسمية كوزارة الداخلية والحزب الوطني وغيرها من أجهزة السلطة من ناحية وبين المعارضة بأحزابها الرسمية والمحجوبة عن الشرعية والحركات الشعبية للمعارضة والنخب السياسية من ناحية أخري ، كل طرف يشرح مفاهيمه حول الديمقراطية والإصلاح الديمقراطي كما يراه وبما يتوافق مع مصالحه ، وهناك بعض الدعوات التي تخرج تطالب بتقسيمات فئوية وطائفية بدعوى أنها لدعم الديمقراطية وضمان تمثيل بعض الفئات المحرومة، لذلك رأيت أن أشتبك مع الجدل الدائر حول بعض المفاهيم التي اختلف معها ومنها: تخصيص نسبة 50% للعمال والفلاحين
لم تعرف مصر قبل يوليو 1952 هذه البدعة حيث كانت المشاركة السياسية تتم بغض النظر عن الانتماءات الطبقية ، وكانت الطبقات الكادحة تمارس العمل السياسي من خلال الأحزاب سواء الشرعية منها مثل الوفد ومصر الفتاة أو الحركات السرية مثل التنظيمات الشيوعية وحركة الأخوان المسلمين .

لكن بعد مصادرة الحياة السياسية والتعددية الحزبية باعتبارها فاسدة وتنتمي للإقطاع والسراية ( الحكم الملكي السابق ) ونتيجة ما أعلنته ثورة يوليو من انحيازها للطبقات الكادحة ورغبة في تحقيق المزيد من التمثيل لهذه الطبقات تم اختراع تمثيل العمال والفلاحين في التنظيمات السياسية بنسبة 50% من عدد المقاعد وهى بدعة فتحت الباب أمام العملاء والمرتزقة. وإذا كان ضباط يوليو قد صادرو الحياة السياسية واستخدموا الطبقة العاملة في صراعهم حول الديمقراطية خلال مظاهرات مارس 1954 وظهور العمال الصفر وعملاء الأجهزة الأمنية كممثلين للعمال فإن الاستمرار في هذا الطريق كان الدافع وراء نسبة تمثيل العمال والفلاحين.

لقد استخدمت السلطة وعلى مدي أكثر من نصف قرن الجهل والأمية في تمرير نماذج لعملاء كممثلين للفلاحين والعمال وغالبيتهم من أصحاب الكروش وعملاء الأجهزة المباشرين واستمر هذا الحال على مدي أكثر من نصف قرن ، ورغم دخول مصر مرحلة التعددية الحزبية الشكلية منذ حوالي ثلاثة عقود لازالت السلطة متمسكة بهذا الصيغة المشوهة لأنها تضمن من خلالها السيطرة وضمان وصول الجهلة والمرتزقة وباعة الضمائر ليمثلوا نصف عضوية المجالس المنتخبة بما يضمن سيطرتها المستمرة وتحريكهم لدعم كافة السياسات المعادية لمصالح الكادحين .
يختلف ذلك المفهوم عن كل مفاهيم الديمقراطية السائدة في مختلف دول العالم ولذلك أري من الضروري وقف هذه المهزلة وإلغاء نسبة تمثيل العمال والفلاحين وذلك للأسباب التالية :
1. إن نتائج التجربة سلبية بكافة المقاييس رغم وجود بعض الاستثناءات القليلة التي تضيع وسط طوفان الجهلة والفاسدين والمرتزقة وان الحسم يكون لصالح الأغلبية من الموافقين دائماً.
2. انتهاء الفترة التي كانت ثورة يوليو تبحث خلالها عن زيادة نسب تمثيل العمال والفلاحين وانتهاء كافة المكتسبات التي تحققت لهذه الطبقات.
3. أن وجود تعددية حزبية وتداول حقيقي للسلطة وفرص متساوية أمام جميع المواطنين في الترشيح والانتخاب هي أفضل ضمانة لتحقيق تمثيل حقيقي للفلاحين والعمال.
4. لم يمنع وجود 50% عمال وفلاحين ضمن المجالس النيابية والمحلية من الاعتداء على كافة المكتسبات الاجتماعية والاعتداء على التعليم المجاني والصحة المجانية وانطلاق غول الأسعار وتصفية القطاع العام وصدور تشريعات معادية لأبسط حقوق الفلاحين والعمال مثل قانون الإيجارات الزراعية وقانون العمل الموحد وغيرها من ترسانة التشريعات المعادية للطبقات الكادحة.
5. إن مفهوم التمثيل الطبقي والفئوي هو مفهوم متناقض مع جوهر الديمقراطية فأساس التمثيل هو البرنامج الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والطبقات أو الفئات التي يعبر عنها. إن الأستاذ نبيل الهلالي هو أبن الرأسمالية وربيب القصور ولكنه من أفضل المدافعين عن مصالح الكادحين ، وكذلك الأستاذ محمد سيد احمد وغيرهم الكثيرين من أبناء الرأسمالية الكبيرة الذين انحازو عن وعي للطبقات الكادحة.

إن الأستاذ نبيل الهلالي المحامي أكثر تعبيراً عن مصالح العمال المصريين من سيد راشد العامل ورئيس اتحاد العمال ، فالقضية الأساسية هي الوعي الطبقي وليس مجرد الانتماء المهني الذي يتم التلاعب به لتسهيل وصول العناصر الصفراء كممثلين للعمال والفلاحين.كما أن الفرص المتساوية وتداول السلطة هي الضمانات المطلوبة لوصول الممثلين الحقيقيين للطبقات الشعبية إلى مقاعد المجالس النيابية والمحليات وغيرها من مختلف التنظيمات التمثيلية.


تمثيل المرأة
إن المرأة نصف المجتمع وهي الأم والأخت والزوجة والأبنة وهى الآن الطبيبة والمهندسة والمحامية وأستاذة الجامعة ، ومنذ خرجت المرأة المصرية للعمل والمشاركة السياسية أصبح لديها فرص مساوية للرجال في تولى الوظائف العامة والتمثيل البرلماني ، ويحفظ لنا التاريخ الحديث نماذج مضيئة مثل المرحومة مفيدة عبد الرحمن والسيدة سهير القلماوى ونخبة من المتميزات مثل الدكتورة نعمات احمد فؤاد والدكتورة عواطف عبد الرحمن والدكتورة نوال السعداوى والسيدة فتحية العسال وغيرهم المئات والآلاف من السيدات المهمومات بمستقبل الوطن ، بل أنه من داخل تجربة تنظيمات ثورة يوليو برزت نماذج متميزة مثل المرحومة نوال عامر والسيدة فايدة كامل ، والسيدة عائشة عبد الهادي وغيرهم العديدات من رواد العمل النسائي .
لكن يدعوا البعض إلي إعطاء المرأة تمثيل متميز من خلال تخصيص عدد معين من المقاعد لها ، كما حدث في تجربة الانتخاب بالقوائم النسبية عام 1984 . ولكن ذلك التخصيص يعد مفهوم منافي للديمقراطية ويتعامل مع السيدات كنوع مختلف من الكائنات البشرية .

إن التشريعات المصرية لا يوجد بها ما يمنع من أن تكون غالبية المقاعد للسيدات ولكن هناك موروث ثقافي يحتاج إلى التطوير ، وهناك فكر سلطوي متخلف مسيطر على مراكز الحكم ومراكز صنع القرار والذي يتغنى بإنشاء المجلس القومي للمرأة ، والذي بادر بتعيين سيدة عضو بالمحكمة الدستورية العليا دون أن يكون للسيدات حق تولى مناصب النيابة العامة والقضاء. إنه لا يوجد لدينا سيدة رئيس جامعة أو محافظ رغم كل الأغاني والأفلام التي تتغني بها سيدة مصر الأولي عن حقوق السيدات ورغم ملايين الدولارات التي تتدفق على المجلس القومي للمرأة.

إن تمثيل المرأة يحتاج إلى توفير الفرص المتساوية والضمانات التي تجعل تولى المناصب على أساس الكفاءة والجدارة وليس على أساس الجنس أو النوع أو على أساس المزاج الشخصي وتجعل فرص التمثيل متاحة ومتساوية بين الرجل والمرأة ، أما محاولات تخصيص مقاعد مخصصة للمرأة فهو مفهوم مغلوط ومعادي للديمقراطية ويجب أن نتصدى له .


تمثيل الشباب
عندما أراد الرئيس عبد الناصر تطوير الاتحاد الاشتراكي في أعقاب النكسة وبعد صدور قرار 30 مارس تم تخصيص مقعد للشباب ضمن هيئات الاتحاد الاشتراكي العربي من القاعدة ولجان الوحدات الأساسية وحتى مستوى اللجنة المركزية. وسارت العديد من التشريعات على نفس النهج كما هو الحال في بعض النقابات المهنية والأندية الرياضية. بدعوى سماع صوت الشباب .
وهذه الدعوى ينطبق عليها كل ما ينطبق على الدعوات الأخرى لوضع قيود على الاختيار بدعوى تمثيل بعض الفئات أو الطوائف ، إن اختيار الشباب يجب أن يكون على أساس برنامج سياسي ورؤية وتصور محدد بغض النظر عن سن صاحب هذا البرنامج وكونه مرشح " كلاسيك " أو مرشح " كجول "!!!.

التمثيل القبلي والعائلي
منذ عصور الإقطاع وما قبل الثورة ظلت العصبيات القبلية والعائلية تسيطر على الترشيح والانتخاب في مصر خاصة في الريف ، بل وحتى داخل المدن الكبرى بل ودخل القاهرة.وتظل عضوية المجالس الشعبية والبرلمان حكر على عائلات بعينها منذ عهد بطرس غالي الكبير وحتى عهد بطرس غالى الحالي وعلى امتداد أكثر من قرن من التجربة الليبرالية في مصر .

كفر شكر تنتخب عائلة محي الدين سواء الباشا الكبير أو الدكتور فؤاد أو الأستاذ خالد محي الدين بتاريخه اليساري فالانتماء السياسي غير مهم والأساس هو الاختيار العائلي والقبلي ، وال رضوان وال أباظة وال عزام هم ممثلي دوائرهم منذ عدة عقود بل أنه عند وفاة العضو يتقدم نجله للترشيح كما يحدث الآن في احد دوائر وسط القاهرة والتي كان يمثلها السيد محمود إبراهيم ويتقدم الآن نجله لشغل نفس المنصب أليس ذلك هو التوريث بعينه !!!، لقد اعتمدت التنظيمات المختلفة لثورة يوليو من هيئة التحرير وحتى الحزب الوطني ولجنة السياسات على هذه الآلية المتخلفة والتي تتنافي مع كافة قواعد الديمقراطية ولكنها آلية هامة لاستمرار التخلف والعزوف عن المشاركة السياسية ، فطالما بايع كبار العائلات والقبائل مرشح بعينه وغالبا هو مرشح الحكومة من إسماعيل صدقي ومحمد محمود وحتى عصر زكي بدر وحبيب العادلي.

تحقق العائلات بعض المكاسب الشكلية من هذا التأييد حتى تستمر في أداء ذلك الدور الذي يحول دون تحقيق مشاركة سياسية حقيقة فالاختيار يتم على أساس شخصي وليس على أساس سياسي ، وعلى أساس المصالح التي ستجنيها العائلة بمفهومها الضيق وليس على أساس رؤية لتطوير الوطن بمفهومه الواسع.

لقد ساهم مناخ القهر والاستبداد على مدي أكثر من نصف قرن في سيادة العديد من المفاهيم الخاطئة والمغلوطة باسم الديمقراطية ، بل أصبح البعض يطالب بمقاعد للأقباط وهكذا تقودنا هذه الآليات الفاسدة لمستنقعات لا نهاية لها. لذلك يجب التأكيد على أن الإصلاح الديمقراطي كل متشابك وليس كورس مضاد حيوي يعطي كل 8 ساعات علي جرعات وليس مجرد تغيير مادة من الدستور بل إصلاح ديمقراطي شامل .

إن واجب كافة القوي السياسية الحريصة على مستقبل الوطن وتفكر في مصير الأجيال القادمة أن تسعي لتسيد المفاهيم الديمقراطية من خلال الفرص المتساوية في الترشيح والدعاية ونبذ كافة التقسيمات الفئوية والدينية والعائلية والقبلية وان يكون الاختيار على أساس سياسي وعدم التعامل مع القبلية والشللية كأمر واقع بل السعي للقضاء عليها ومواجهتها لكي نتمكن من أحداث تغيرات حقيقية وإصلاح حقيقي وليس مجرد ديكور شكلي ولنعرف إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

nashiri logo clear

دار ناشري للنشر الإلكتروني.
عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

 

اشترك في القائمة البريدية