عامان مرَّا على سقوط بغداد أو تحريرها كما يقولون! عامان مكتظان بالأحداث والتغيرات الكبيرة الخطيرة، ولعل أهم ما تشهده الذكرى الثانية يتمثل في حلحلة الوضع السياسي حيث أجريت الانتخابات وتم تشكيل الجمعية الوطنية واختيار مجلس الرئاسة، والعمل جارٍ على تشكيل حكومة جديدة بعد تسمية رئيس وزرائها، وأما الوضع الأمني فلا يزال يمثل الهاجس الأكبر الذي يشغل بال العراقيين، ويبقى المثلث السني ولا سيما مدن الرمادي والحديثة والموصل وضواحي بغداد ساحة قتال متجدد لا تكاد تعرف يومًا من الهدوء، وأما الأوضاع الاقتصادية والخدماتية فلا تزال سيئة للغاية، والعراقيون بجميع طوائفهم يبدون ضجرهم من سوء حالها، لكنهم يتذرعون بالصبر على أمل أن تنجح الحكومة المرتقبة في تحسين الوضع بصورة تدريجية! وأما كشف حساب الأرباح والخسائر بالنسبة للطوائف العراقية الثلاث: الشيعة والأكراد والعرب السنة، فيبدو متفاوتًا بين طائفة وأخرى، فقد نجح الشيعة في بسط سيطرتهم على الجمعية الوطنية التي تمتلك فيها الأغلبية قائمة الائتلاف العراقي الموحد، والتي يعد رئيس الوزراء الجديد د. ابراهيم الجعفري أحد أبرز رموزها، ومن المنتظر أن تكون الوزارات السيادية في التشكيل الجديد من نصيب الائتلاف، وأما الأكراد فقد نجحوا للمرة الأولى في الفوز بمنصب رئيس الجمهورية، كما أنهم يمارسون استقلالهم الذاتي في الشمال دون مواربة، ويلوحون دومًا بورقة الانفصال في حال عدم الموافقة على طلباتهم، وهو ما يجعل الجميع يسعى لخطب ودهم, وأما السنة العرب فإنهم يحظون بفتات الكعكة العراقية، وتم تهميشهم بصورة كبيرة إذ لا يتجاوز دورهم في المؤسسات الحاكمة المختلفة دور (المحلل) لإضفاء صبغة الوطنية على هذه التشكيلات!
إن غياب القيادة الحقيقية للعرب السنة أسهم بدرجة كبيرة في الحال التي وصلوا إليها، فقد تبنى السنة ابتداء موقف مقاومة الاحتلال، ورفضوا تأسيسًا على ذلك المشاركة في الانتخابات لكونها تتم تحت الاحتلال، كما أحجم شبابها عن الانضمام لكتائب الجيش والحرس الوطني لكونها خاضعة مباشرة لإدارة الاحتلال، وإلى هذا الحد يبدو موقف العرب السنة مفهومًا معقولًا، ومنطلقًا من رؤية واضحة محددة تتمحور حول رفض التعاون مع الاحتلال والسعي إلى مقاومته، غير أن الفترة التالية للانتخابات بدأت تشهد تغيرات متناقضة مع هذا الموقف، فهيئة علماء المسلمين في العراق بدأت تتنصل من بعض مواقفها السابقة، إذ أعلنت عقب الانتخابات التي دعت إلى مقاطعتها سلفًا أنها مستعدة للتعاون مع السلطة المنتخبة، كما دعتها إلى عدم تجاهل السنة عند صياغة الدستور الجديد! وأخيرًا شارك علماء الهيئة بالتوقيع على بيان يدعو السنة للانخراط في صفوف الجيش العراقي والحرس الوطني مع اشتراط غريب وهو عدم التعاون مع قوات الاحتلال، وهذا الشرط بمثابة عملية (تجميل) لخطوة التراجع عن موقفها السابق ولكنها تمت على يد جراح أخرق!
باختصار فإن مشكلة العرب السنة تكمن في ترددهم في حسم قرارهم: إما بالانخراط في اللعبة السياسية بحسب أصولها وهو ما يعني المشاركة بفاعلية في الانتخابات المقبلة ليتمكنوا من تحقيق مكاسب فعلية بدلًا من تعطف الآخرين عليهم بمنحهم فتات المناصب والوزارات، وإما الاستمرار في رفض المشاركة في المشروع السياسي الذي يتم طبخه على نار الاحتلال الهادئة، والدعوة إلى رحيل قواته عن العراق وتأييد المقاومة الوطنية الشريفة, وأما التأرجح والتردد فهو ما يؤدي فعلًا إلى تهميش دور العرب السنة وهز ثقتهم بقياداتهم الحالية.
اللهم احفظ العراق وأهله من كل سوء!

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

nashiri logo clear

دار ناشري للنشر الإلكتروني.
عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

 

اشترك في القائمة البريدية