يساور الكثيرين من جموع العامة خوف كبير،وقلق مثير في أن تتحول خطب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة التهديدية،العقابية والتي خصّها للفئات المسؤولة على تسيير يوميات المواطن الجزائري،إلى مجرد تحلية يستعملها هؤلاء المسؤولون بعد دسم الأكل من سحت وغلول، وفكاهة للتلهية بعد أن جمعوا ما استطاعوا أن يجمعوه من ثروات باسم الشعب تارة وباسم المصلحة العامة والوطن تارة أخرى، والخوف الأكبر يزداد لو أن المقصلة القانونية التي يتحدث عنها رئيس الجمهورية لا تطال الجهات المتغولة وتبقى فقط مقصلة تطال الرقاب المستضعفة التي ما تجرأت أن تلحس من القصعة العمومية إلا عندما مكن لها الأشعبيون الكبار ذلك، حاملين شعار "إذا توسع الفساد كان الجميع في حماية وآمان".
إن الجرأة المعهودة من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في تعاطيه مع قضايا المواطن وتحديدا ما تعلق بمعاشه الروتيني اليومي، المرتبط عضويا بتسيير فئة تسو نامية طحلبية لا تستطيع بكل تأكيد الوقوف على المرض الأصلي المتجذر إذا لم يكن بالموازاة مع تلك الجرأة والتهديدات سلطان ساهر،رادع لا يعرف التلكؤ،ولا يفرق بين زيد أو عمر،فما ينتظره المواطن هو تحقيق العدل على أرض الواقع،واستشعاره-أي المواطن- بأن له كيان كما له وجود،وله وطن إسمه الجزائر.وليس معاملة هذا المواطن بالمناسبات،كذرع واق يحتاجه الكبراء في حاجياتهم الظرفية ولا يلبثون أن يلقوا به في طي النسيان بعد ذلك.
و لا أحد يشك أبدا بأن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لم يفهم تركيبة المجتمع الجزائري،ومداخله النفسية الخاصة، ومنتهى مطالبه ،بدليل أن ما يقوله الرئيس في خطبه يستطيع أن يكون نسخة طبق الأصل لما يتداوله المواطنون في أماكن شتى من تواجدهم،وهذا في واقع الأمر إلا دليل على مدى التجاوب،ومدى الحرص الكبير من طرف المسؤول الأول في الدولة على تبني انشغالات الرعية،والاهتمام بها،ولو توخينا الحقيقة ولو نسبيا فهذا كله يرفع من ترمومتر العلاقة بين الرئيس ومرؤوسيه،ويزيد من ثقة المواطن في دولته مما يدفع الجميع لا محالة نحو الاضطلاع بالمسؤولية والقيام بالواجب المنوط به.وما نجاح بوتفليقة في مهمته الانتخابية إلا من باب كسر ما كان محظورا،وهتك ما كان المسؤولون يرونه مستورا،متداولا فقط في أروقتهم،وأزقتهم المظلمة الضيقة.
وكان يمكن تلافي التضعضع الحاصل على المستوى التسييري للدولة،وجنوح الجميع نحو ثقافة الاستهلاك،والتأكيد على الحقوق دون الواجبات، لو أن السلطة على مر الحقب المختلفة تبنت الخطاب الكاشف،المعري على غرار ما يقوله اليوم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة .ولا أحد يستطيع أن يشك ولو قطميرا في أن المكاشفة الصريحة لا تستطيع أن تتغلغل في اللاشعور الفردي،لتخلق الشجاعة النفسية،بعد أن تعلم الجميع الواجب قبل الحقوق،بل إن الصراحة التي تأتي من لدن المسؤول الكبير تمنح الثقة الكاملة للجميع بأن يكونوا في مستوى المسؤولية،ولا أحد يستطيع أن ينكر ما يجري اليوم على المستوى الفردي،أو الجماعي من أحاديث متداولة في الشارع،وفي كل مكان وعلى الملأ.وحتى المناوشات التي تحدث هنا،وهناك من ربوع الوطن هي بالتأكيد نتاج الصحوة الجديدة للمجتمع،ونتاج بلوغ الفهم الشعبي مستوى يتوجب حينئذ أن يترجم في شكل مظاهرات.
لكن المصيبة كبيرة لو أن الكلام الصريح يتحول إلى ديدن،يلوكه الجميع دون هبوط إلى أرض الواقع،مع العلم أن الكلام غير المقرون بعمل رشيد سيكون ليس محفزا للمظاهرات،وخلق القلاقل فقط،ولكن مدمرا للبنية التحتية للمجتمع،وتوسيع لرقعة النفاق لدى شرائح المجتمع،وتكبيل للهمم،والتدافع نحو تحسين المظهر على الجوهر،ولا يخدم في النهاية إلا الأعداء المتربصون خارجيا وداخليا،وعندما تشيع فاحشة الكلام،تكون مقدمة لفاحشة الفعل،الذي هو من جنس العمل.
وأملك الدليل على مستوى رفيع عشته شخصيا مع أحد الوزراء المستقيلين في حكومة ابن افليس سابقا،وهو الدكتور عبد الحميد عباد الذي كان وزيرا للتكوين المهني،هذا الوزير سبق وأن كلمته حول مظلمة قدمتها لي أخت تخص توظيفها في قطاع التكوين المهني،بحيث أن الوظيفة التي أخذتها منها أخرى كانت وراءها مديرة للتكوين المهني،وكوكبة الأزلام المسؤولين بنفس الولاية،ورغم أن الوزير وعدني كم من مرة بأن يحقق في الأمر،ويعيد الحق المهضوم لأصحابه،ولا أشك في نية الدكتور الوزير المتخلق،لكن عاجلته الأحداث بالخروج من مبنى الوزارة،وبقيت المظلمة قائمة إلى الآن،وبما أن لا تحقيق كان،ولا محاسبة تمت فالمديرة التي جاءت من العدم،ووصلت إلى ذلك المنصب بقدرة قادر وفي غياب الشفافية،وغياب الكفاءة ظنت نفسها أنها انتصرت،وبقيت تردد في بعض اجتماعاتها أن لا أحد بإمكانه أن يزحزحها عن مقعدها،وليس هذا فحسب فشخص لا يزال إلى الآن في نفس الوزارة وأحيانا يظهر على شاشة التلفزيون الجزائري يتحدث عن ضرورة التفتح والشراكة مع الألمان فيما يتعلق بالخبرات والتجارب،قال لي بالحرف الواحد"لماذا تقلق نفسك هذه هي الجزائر" بعبارة أخرى حوت يأكل حوت،والقانون في الجزائر بحسب ما يتفق وأهواء البعض.يطبق على البعض دون الآخر ويمس البعض دون الكثيرين.
وهذا أبسط مثال عن ما يجري داخل الحيز الجغرافي للجزائر،والحديث بكل تأكيد سوف يشمل كل القطاعات التي يتحدث عن ضرورة تنقيتها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة،وما أكثر الجراثيم الضارة التي إلى اللحظة لا تزال تنخر في جسم القطاعات الاقتصادية وتسبب للخزينة العمومية خسائر بالملايير الممليرة،ناهيك عن العذاب النفسي الذي لا ذهبه مجرد خطاب ولو كان صريحا بليغا.
ما ينتظر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في ما تبقى له من هذه العهدة الرئاسية هو تحديد المفاهيم القانونية،التي من خلالها يمكن للشعب أن يحاسب،ويحاسَب،ويعرف بالتالي ما له وما عليه،وبتمكين آلية الشفافية،ووضع ميزان به تعرف الكفاءات عن الخردة يستطيع أن يضمن السيرورة الفعلية لكل ما يوضع من قوانين،لأن المسؤولين الذين يتهكمون أحيانا بالمواطن كما تهكمت المديرة الولائية المذكورة سلفا بالجميع-وهي أصغر مسؤول -،كون القانون لم يطلها،ولم تحاسب على ما اقترفته،هم من المطمئنين على مكانتهم،وعلى ذويهم بما أن الخطاب شيئ والفعل شيئ آخر،بل كثير من المسؤولين من يخدمهم الخطاب المتشدد،التهديدي،مادام لا يمس مصالحهم مباشرة،وما دام الخطاب نفسه مجرد رجع الصدى لا يؤثر في الخريطة العامة للمسؤولية.فهل يكون خطاب عبد العزيز بوتفليقة مصحوبا بمقصلة هذه حتى يفهم هؤلاء المسؤولون أن الأمر جد لا هزل،وأن حين دولة القانون قد حان؟