قد يكون من الحكمة التعاطي مع المتغيرات عموما بقدر من الحذر وعندما يكون التغير مخططا تتضمنه أطروحة تنطوي على قدر كبير من المجازفة والخيال شأن أطروحة البروفيسور جون فول فإن من اللازم وضعها في سياقها الصحيح ضمن بازار السيناريوهات التي تخرج من المؤسسات البحثية الأمريكية الكثيرة، وكثير منها يبدأ وينتهي مجرد أطروحة!!.
وإن كان السياقان الدولي والإقليمي يمنحان دعوة فول أهمية خاصة. الركائز الأخلاقية للحرية
ومما يلفت النظر بل يثير الدهشة أن جون فول يرتب على تصوره نتائج سياسية تشكل انقلابا في الرؤية الأمريكية يدعو للإقدام عليه دون تردد، فـ "ما يجب الإقرار به الآن هو أن الفكرة القائلة بضرورة فصل الدين عن الحياة العامة لأجل تحقيق التحديث قد دحضت من خلال حياة وخبرات وتجارب أناس كثيرين وبلاد عديدة، في شتى أنحاء العالم، وبصورة خاصة في العالم الإسلامي. وعندما ننظر إلى العالم الإسلامي في سياق خيارات السياسة الأميركية، من المهم ألا يغيب عنا هذا الإطار الفكري الأوسع حول نهاية نظرية العلمنة. وهو في حد ذاته مهم لأننا بحاجة إلى البحث عن الحلفاء المناسبين. ففي حقبة تدرك أهمية الحوار الحضاري، نحتاج أن نكون على وعي بالناس الذين نستطيع التحاور والعمل معهم بفاعلية".
"وإذا كنا نسعى لبناء وتقوية الركائز الأخلاقية للحرية في الولايات المتحدة، فإننا لا نبحث بالضرورة عن حلفائنا من بين أشباه الملاحدة أو الدهريين. وإذا كنا لا نفعل ذلك في الولايات المتحدة ذاتها، فلماذا نفعله عندما نتعامل مع العالم الإسلامي؟ ولماذا نرى في سلمان رشدي مثلا حليفا عظيما ومسلما معتدلا بدلا من البحث والتحاور مع من يؤمنون ويحافظون بقوة على القيم الأخلاقية على أساس ديني، ويعتقدون أن للدين مكانا في السياسات والحياة العامة".
ويكشف فول في مقاله عن عمل مؤسسي منظم لتسويق الفكرة فيشير إلى " مجموعة من المثقفين، تضم بين أعضائها المؤرخ الأميركي أنتوني سوليفان وتسمى "الحلقة"، وهي تمثل مجهودا على نطاق صغير يهدف إلى تقديم وسيلة أو آلية للتواصل الفعال، بناء على وعي مشترك وإيمان بمجتمع أخلاقي. وتضم المجموعة ضمن أعضائها أيضا مثقفين غربيين ومسلمين".
وفي ما يشبه الدعوة لتحالف إيماني عالمي ضد العلمانيين يختم فول رؤيته بقوله: "في حقبة نهاية العلمنة كمعطى مسلم به، وفي زمن ينبغي فيه القبول بالعلمانية كإحدى الأيديولوجيات المتنافسة على صياغة وتعريف الرؤية التي نريد للمجتمع أن يكون عليها، يمكننا بل يجب علينا أن نختار حلفاء مؤثرين. . . . الصدام الهام في الحقيقة هو بين من يرون أن الدين لا دور له في المجتمع ومن يرون أن له دورا. في ذلك الصدام، سيكون للذين يؤمنون – بأن الحرية لا بد لها من قاعدة أخلاقية قوية على أساس ديني للدفاع عنها – حلفاء طبيعيون كثيرون في العالم الإسلامي"!!!!
سؤال أولبرايت المفاجئ
وإذا كان من ختام يليق بما طرحه جون فول فإنني قد توقفت طويلا أمام سؤال مفاجئ طرحته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت على صحفيين مصريين في زيارة لها سبقت عاصفة القبض على النائب الدكتور أيمن نور رئيس حزب الغد.
ففي سياق الحوار عن الإصلاح السياسي في مصر والمخاوف من وصول الإسلاميين للحكم إذ ردت على التساؤل بتساؤل فاجأ الحاضرين إذ قالت: "من قال إن الإسلاميين غير ديمقراطيين؟ إن عندنا تجربة واضحة على ديمقراطيتهم ونزاهتهم في تركيا!! وإذا لم يحدث هذا من أول مرة فأمامهم فرص أخرى في الانتخابات التالية، لإثبات حسن النية، وأنهم يؤمنون بالديمقراطية، فقط علينا أن ننتظر ونرى" (تقرير لوكالة قدس برس للأنباء 31/ 1/ 2005).
فهل يتجاوز الأمور طموح أكاديمي ذي خيال خصب لتتحول رؤيته إلى سياسة رسمية أمريكية؟

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

nashiri logo clear

دار ناشري للنشر الإلكتروني.
عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

 

اشترك في القائمة البريدية