لم تكد الذكرى الثمانون لضم الأحواز إلى الدولة الإيرانية (20/4/1925) تحل حتى شهدت مدن الأحواز انتفاضة كبرى تمثلت في مظاهرات شعبية عارمة وبوادر تمرد مسلح خطير، وعلى الرغم من التكتم الإعلامي الشديد الذي تمارسه السلطات الإيرانية حول ما يجري في هذا الإقليم العربي إلا أن الأنباء التي ترشح من هناك تؤكد أن حركة المعارضة تتعرض للقمع العنيف، ومن رأى الطريقة التي كانت تتعامل بها قوى الأمن مع حركة الطلاب الإصلاحيين قبل سنتين ونيف سيعجز عن كف مخيلته من رسم صورة شديدة القتامة لما يجري حاليًا في الأحواز. وقد عزت الحكومة الإيرانية سبب اشتعال هذه الانتفاضة إلى وثيقة مزورة منسوبة للرئيس خاتمي تم ترويجها بين أبناء الأحواز، ومفادها أن توصيات قد صدرت بتغيير التركيبة السكانية للإقليم بهدف (تفريسها)! غير أن مثل هذا السبب إن ثبت فعلًا ليس بكافٍ لتعليل ما حصل، نعم إنه لن يعدو أن يكون مجرد فتيل أشعل كدس البارود المتراكم عبر ثمانية عقود من الحكم الإيراني المباشر، فللعرب في الأواز مطالبهم المعروفة المعلنة من سنين، فهم يعانون من حكم عسكري مباشر، وتغييب لصوتهم السياسي وحرمانهم من المشاركة في حكم وإدارة بلادهم، وإهمال مقصود من السلطة المركزية في طهران بالرغم من ثروات النفط والغاز التي حبا الله بلادهم بها حيث يقدر احتياطي النفط فيها بـ 68 مليار برميل والغاز بـ 9,5 مليون متر مكعب، وتتعرض هويتهم العربية لضغوط كبيرة، فقد تم تغيير أماء مدنهم العربية إى أماء فارسية.
وباستعراض تاريخ الأواز بعد ضمها فإنك ستقف على نحو 9 ثورات قامت العشائر العربية ضد حكم آل بهلوي ما بين 1925 ـ 1949 وقد تم قمعها بالقوة، كما يوجد الكثير من الحركات والجبهات التي تطالب بمنح سكان الإقليم حق تقرير المصير، إن الانتفاضة التي تعيشها مدن الأحواز هذه الأيام هي رد فعل متوقع لثمانية عقود من التهميش والإجحاف، فالعالم لم يعد كما كان أيام عصبة الدول حين لم يجد الأحوازيون من يتصدى لاحتلال ديارهم عام 25، وها هم يفتحون أعينهم أمام عالم تتعالى فيه صيحات حقوق الإنسان ومنح الشعوب حق تقرير المصير، وتصم دعوات الديموقراطية ونبذ الاستبداد آذان أهله، وها هم يرون الأكراد في شمال العراق وهم يتمتعون بحكم شبه مستقل, ولذا فإنهم على الرغم من تحليهم بالصبر الجميل وتأميلهم تحسن أوضاعهم بعد سقوط نظام الشاه وانتهاء الحرب العراقية ـ الإيرانية إلا أنهم وجدوا أنفسهم بعد هذا كله مواطنين من الدرجة الثانية في بلادهم!
إن لجوء الحكومة الإيرانية إلى سياسة البطش والقمع قد ينجح مؤقتًا في ضبط الأوضاع في مدن الإقليم، غير أن حلًّا كهذا لن يصمد طويلًا، وفي ظل رياح التغيير التي تجتاح المنطقة والتدخلات الدولية يبدو من الحكمة بمكان أن تعيد الحكومة الإيرانية النظر في طريقة تعاملها مع مطالب أبناء هذا الإقليم، وبالطبع فلن يكون ذلك بمنح أبناء الإقليم حق تقرير المصير وإن كان ذلك حقًّا مشروعًا تكفله المواثيق الدولية، ولكن على الأقل بالعمل على تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لأبنائه، واحترام الهوية العربية الخاصة بهم، والكف عن أية عمليات استفزازية تهدف إلى تغيير التركيبة السكانية للإقليم، وأعتقد أن لدى إيران ما يكفيها من المشكلات والأزمات وهو ما قد يدفعها للتعامل مع الملف الأحوازي بحكمة وأناة.