في صبيحة كل يوم تقريبًا تطالعنا الجرائد بأنباء عن هزة جديدة تشتت الأذهان وتقلق البال، وهي هزات يصعب على مقياس ريختر الدقيق جدًّا قياسها وتصنيفها، كما يصعب التنبؤ بتوابعها الزلزالية المتوالية، لكن لا يصعب على رجل الشارع العادي التعرف على مركز هذه الهزات المتكررة، إنه بالطبع مجلس الأمة المؤلف من نواب الشعب والحكومة الرشيدة! وأمام ناظريك في كل يوم قائمة ممتدة من القضايا المتأرجحة على خشبة المسرح السياسي. إنها أشبه بفقاعات الهواء تتصاعد فجأة إلى سطح الماء لتنفجر عن لا شيء، لتعود من جديد للتصاعد بكل حيوية ونشاط، وسجل لديك هذه القائمة الطويلة: حقوق المرأة السياسية، تعديل قوانين المجلس البلدي، زيادة الرواتب، إسقاط فواتير الكهرباء، حقول الشمال، المدينة الإعلامية، تصويت العسكريين، حل المجلس!
ولا يقتصر سبب الإزعاج على كون مناقشة كل هذه القضايا مجتمعة تجري في وقت واحد، بل يرجع الإزعاج في جانب كبير منه إلى أن جل هذه القضايا من النوع القديم /الجديد، فهي ليست وليدة هذه المرحلة لأنها أثيرت من قبل مرارًا وتكرارًا، وأرغى فيها وأزبد كل من يعرف ومن لا يعرف، ومما يزيدك غمًّا على هم أنك تعلم علم اليقين أن هذه القضايا ستكون مثار جدل وعراك في مجالس مقبلة، ومن يعش يرَ! فالمحصلة في خاتمة الأمر: صراخ مرتفع وجعجعة عقيمة مع بقاء ما كان على ما كان، لقد سئم الشارع الكويتي من هذا الوضع المضطرب المليء بالتصريحات المتناقضة ولغة التهديد والوعيد التي تصبغ الخطاب السياسي من الضرتين اللدودتين: النواب والحكومة، ولا أخفيك أيها القارئ الكريم أن الكثيرين يرون أن الحل المناسب والدواء الناجع يتمثل في تطليق الثنتين معًا!.
إن ما نعيشه الآن من هذه الفوضى السياسية العارمة التي تعكسها صفحات الجرائد الأولى ليس إلا إحدى النتائج المتولدة من مشكلة كبرى تحتاج إلى علاج جذري فثمة غياب واضح للأولويات على صعيد الطرفين: النواب والحكومة، فكلاهما لا يملك أجندة محددة واضحة المعالم لما يسعى إلى تحقيقه من أجل خدمة الوطن والمواطن عبر دورة برلمانية أوشكت على استكمال شطرها الأول دون إنجازات ذات قيمة فعلية، فالأمور هنا تسير وفق سياسة ردود الأفعال والتعامل مع الوضع بطريقة (المياومة) أي التعامل مع الأحداث يومًا بيوم، دون النظر إلى آلية تخطيط الأهداف، والتفريق بين الأهداف المرحلية والأهداف الرئيسة، ولو نظرت إلى الحكومة مثلًا لرأيت كيف يتم تداول حقائبها بين الوزراء كما يتداول لاعبو فريق من الدرجة الثالثة كرة القدم، فالوزير ينتقل من ميدان إلى ميدان آخر لا صلة له بين عشية وضحاها ما يعني أحد أمرين: إما أن الوزير إنسان خارق قادر على الانتقال من حراسة المرمى إلى موقع رأس حربة في هجوم الفريق الحكومي! وإما أن التدوير لا يخضع لمسوغات تكنوقراطية تتصل بالخبرة الفنية والمعرفة الدقيقة بشؤون الوزارة التي سيتربع الوزير الجديد على هرمها, وإن يممت وجهك إلى نواب الشعب فإنك ستترحم بلا ريب على (والدي) الحكومة! إذ لا يملك النواب سطوة قوية تستطيع أن تنسق بين جهودهم وتعمل على تطويق خلافاتهم، فهم جبهة مفككة الأوصال مبعثرة الاهتمامات، ولا أدري كيف تلقى الحكومة عنتًا في تمرير مشاريعها في وسط هذا المجلس المسالم والمهادن جدًّا، إنه أمر يثير التساؤل حقًّا، ولست أدري لمَ تلجأ الحكومة إلى التهديد بعصا الحل، فأي انتخابات جديدة لن تأتي بمجلس منزوع الأنياب مقلم الأظافر كمجلسنا اللطيف هذا؛ ولماذا لست أدري؟ لست أدري!

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية