لا غرابة في أن يتحول مشروع العفو الشامل سليل مشروع المصالحة الوطنية الشاملة، إلى مصيدة من قبل المعتادين على تغيير جلودهم وتحيّن الفرص، للولوغ في الصحن السلطوي، الذي لم يعد مقتصرًا على خواص الناس من الكبراء، بل تعدى إلى دهماء الخلق، ورعاع القوم. وكما تميّعت مشاريع من قبل بفضل هذا التناحر الممقوت على ما يسقط من فتات موائد هذه المشاريع، فإن مشروع العفو الشامل بكل يقين سيعرف نفس المصير، ونفس المآل، لأن اختراق هذا الصنف من الناس لكل المشاريع السلطوية ، وتبوّء الصفوف الأمامية في كل مناسبة، معناه تكبيرات أربع على مشروع العفو الشامل ولو كان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أفصح بشكل صريح عن الخطوط العريضة لمشروع العفو الشامل، وبين مقاصده،ومحتواه،وحيثياته لربما لمسنا الأعذار بالآلاف،لهؤلاء المرضى بهستيريا الانخراط في مختلف اللجان، ولقلنا بأن هؤلاء ستكون الفرصة الأخيرة لهم، كي يتمركزوا ضمن المحيط السلطوي، بحيازة ولو على خبز يابس، قبل أن تجرفهم الأحداث التي إن تم مشروع العفو الشامل بالكيفية التي تتقاطع كل مفاهيم الجزائريين حوله،فهذا معناه أن لا لجان في الأفق ولا هم يحزنون، وسيحالون بكل تأكيد على بطالة مفروضة.
أما وأن المشروع في حد ذاته لا يزال جنينيا،لم يبلغ حتى طور التمايز أهو حي أم ميت،أقابل أن يكون بلسما لجراح الجزائريين،أم لا،فهذا الذي يدفع بكل الملاحظين إلى طرح السؤال التالي: من يحرك هؤلاء الناس ومن خول تحديدا حزب التجديد الجزائري على وجه خاص بأن يتبنى هذا المشروع الذي من المفروض أن يكون مشروعا لا لون له ولا رائحة،ويتخطى كل الحزازات السياسية،لأنه مشروع متعلق بأزمة كبيرة وكبيرة جدا،تخص كل الجزئيين من غير تمييز،لا يستطيع حزب حجمه أقل من إبسيلون أن يتكفل بها،وأن يقدر على تحمل عبئها.و المحير فعلا ويبعث على الرثاء كما يبعث في نفس الوقت عن من وراء هؤلاء الناس الذين تبنوا مشروع العفو الشامل،من غير أن تكون له معالم تذكر،فهل تحدث عنه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وكلف أناسا،دون غيرهم بأن يضطلعوا بمسؤولية إدارة لجنة العفو الشامل،أم أن المسألة متعلقة كلية بأشخاص تتملكهم الهلوسة،ألفوا الرفس في الأمكنة المشبوهة ولا أحد يقدم لهم فاتورة الحساب على ما اقترفوه؟.
إن المتمعن في ما يقوله الكثيرون ممن تمسهم صفة الانتهازية،والأشعبية يدرك بأن التوافق حول مصطلح هذا المشروع قد تم في الكواليس والمخابر السلطوية،فقط المواطن البسيط لا يعلم عن هذا الأمر،لضرورة أقل ما يقال عنها أنها تدخل ضمن أطر ما تعتبره السلطة الفعلية من أسرار الدولة،ولهذا فالعملية مقصودة وتحتاج إلى بلورة علنية ليفهمها البسطاء،بعد أن تستوي على نار هادئة.
لكن التخمينات كلها تبين أن العملية وما فيها مرتبطة بعادة درج عليها هذا الصنف من الناس الذين أصبحت لهم وجوها من قصدير كما نقول نحن الجزائريين،أي لا يتحرجون من أي شيئ مقابل ما يطلبونه وما يتوخونه،ونفس هذه الوجوه التي كانت في الأمس فقط تصيح في الشارع في المسيرات العفوية التي كان يدعو إليها نظام عهد اليمين زروال،أن لا مصالحة ولا حوار،مع القتلة المتعطشين للسلطة.
ولا نذهب بعيدا فهناك شخصية قيادية في ما يسمى لجنة العفو الشامل عملت المستحيل كي لا ينتخب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رئاسية ثانية،لكن تحولت بقدرة قادر إلى أكبر الداعين إلى برنامجه،وكأن شيئا لم يكن، بل تتذاكى أمام الخلق باعتبار الناس كلهم أغبياء لا يفقهون شيئا في دهاليز السياسة،وينسون بسرعة الأحداث.وليس جديدا بكل تأكيد ما نطرحه لكن فقط لنقف على مدى الرداءة في العمل السياسي الذي وصلت إليه الجزائر،ومدى احتقار الناس لأنفسهم مقابل الفتات البائت،وبقايا فريسة متردية.فماذا ننتظر من هذه الماركة المغشوشة التي لا تؤمن بأي مبدأ شعارها الوحيد أن تظل بجانب المذود تعلف،فهل بإمكان هؤلاء أن يقفوا حقا على مشاكل الجزائر التي تحتاج إلى رجال بحجم الجبال في شجاعتهم،وإخلاصهم،لا إلى أشخاص يشترون بصحن من البطاطا المقلية ومشروب غازي.؟.
إن مشروعا بحجم مشروع العفو الشامل يحتاج إلى فيصل حقيقي من لدن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة،الذي عرّف العالمين بما سوف يقدم عليه،وأنه من غير الإستئصاليين،ومن دعاة المصالحة والعفو الشامل ولكن باستفتاء، ليوقف كل طماع عن طمعه،وكل أشعبي عن ولعه في قصد كل وليمة يسمع عنها،باختيار الرجال التاريخيين الذين يحترمهم العوام قبل الخواص، أمثال أحمد بن بلة الذي أشاد بخصاله بجامعة تلمسان،وقدم له الدكتوراه الفخرية،وهذه خطوة كبيرة بل عملاقة في فضاء العمل السياسي، وكذا عبد الحميد مهري الرجلة الأصيل صاحب المبادئ، ،وآيت أحمد الوجه التاريخي الذي لا يقبل أن يكون أشعبيا أبدا،ودائما منحازا لفئة الشعب وخياراته، وأحمد طالب الإبراهيمي الشخصية المتزنة العاقلة المتخلقة،التي تملك نظرة مستقبلية لدولة مسلمة كالجزائر،و مولود حمروش الصارم غير المهادن في قراراته،وكل الشخصيات التي لها مكانة في قلوب الجماهير،ليشكلوا لجنة وطنية،تمثل في نفس الوقت بطانة الرئيس الحقيقية الناصحة والعارفة بخبايا الأمور.وهذه اللجنة الوطنية قادرة على تحديد ما يمكن تحديده لمشروع العفو الشامل،وبكل تأكيد سيجد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ضالته ويتحقق السلم المنشود.كما من المؤكد أن تشكيل لجنة حكماء من الشخصيات التي ذكرنا بعضا منها آنفا مهمتها التكفل بما له علاقة بالمعضلة الأمنية،وما يتبعها،سوف يسد الطريق على كل من تسول له نفسه بأن يستغل الظرف ليحقق مأربا،أو غاية.
ويا حبذا لو أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يطلب من كل فرد تريد أن تنخرط ضمن لجان العفو الشامل أن تدفع من جيبها،وتتعهد كتابيا بأن تدخل السجن لو فكرت في أن تستعمل انخراطها في هذه اللجان كغاية دون الغاية المرجوة وهي مساعدة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في حلحلة مشاكل كل الجزائريين.وإلا فلا داعي لهذه اللجان.وإني لأتصور حال الأكثرية من الأشعبيين لو طبق الرئيس عبد العزيز بوتفليقة هذه الطريقة.يقينا سوف لن يجد مخلوقا يجرؤ ويتقدم ليكون ضمن هذه اللجان،فقط من يتقدم فهو المخلص حقا الذي يريد أن يقدم شيئا لبلده ويساعد الرئيس في مشروعه الذي إلى الآن لا أحد يفقه كنهه،أو يعرف حيثياته.والأدهى من كل ذلك فهل مشروع العفو الشامل يحتاج لكل هذه العيطة والزيطة،وإلى لجان تستفيد أكثر مما تفيد،وهل الجزائر لا تزال تنزف إلا من صنف مغشوش من الناس يحسن الكذب على الخلق،ويظن نفسه أن الناس تصدقه،ولكن فاق الحمامسي….

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

nashiri logo clear

دار ناشري للنشر الإلكتروني.
عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

 

اشترك في القائمة البريدية