لقد قام بتنظيم هذا الاحتجاج للعاطلين عن العمل عدة لجان تمثل عشرات الآلاف من العمال في قطاع غزة تحت شعار"نريد عملا لا نريد أن نجوع". لقد طالبوا السلطة الفلسطينية أن تعمل على فتح الحدود والمعابر ليسمح لهم أن يعودوا إلى العمل في الكيان الصهيوني. والسؤال الآن ما الذي أدى إلى الاعتماد الاقتصادي الكامل على الكيان الصهيوني؟ والسؤال الثاني هو كيف يتم الانفصال وتكوين اقتصاد مستقل عن الكيان الصهيوني ليستوعب القوة العاملة الفلسطينية؟
قلّما حظي العمال الفلسطينيون بالاهتمام الكافي من وسائل الإعلام العربية والدولية على السواء وذلك مرده بطبيعة الحال التعتيم الإعلامي المبرمج والمقصود والمفروض على وسائل الأعلام بما فيها وسائل الإعلام العربية. إن الأحوال الاقتصادية للشعب الفلسطيني عامة والعمال خاصة لهي مأساوية جدا. لقد بلغت نسبة الفقر بين أبناء الشعب الفلسطيني 75% ونسبة البطالة تصل إلى 70% بين العمال الفلسطينيين في الضفة والقطاع. ومما هو جدير بالذكر أن هذا الوضع المأساوي للعمال الفلسطينيين سبق الانتفاضة وتفاقم اكثر وأكثر بعد اشتعال الانتفاضة. لقد كان الآلاف من العمال ممنوعين من العمل داخل فلسطين المحتلة من قبل الانتفاضة.
لقد بدأت مشكلة العمال الفلسطينيين والعمالة الفلسطينية مع الاحتلال الصهيوني في سنة 1967 حيث فتحت الدولة العبرية الباب واسعا أمام تدفق البضائع الإسرائيلية إلى المناطق المحتلة سنة 1967 ومنها تدفقت العمالة الفلسطينية نتيجة الإغراءات والتسهيلات التي كانت مقصودة ومبرمجة تماما. لقد كان الهدف آنذاك هو خلق سوق عمالة رخيصة غير ماهرة للمزارع والمصانع والمنشآت الصهيونية. وما بين سنة 1968 وسنة 2000 أي أكثر من ثلاثين عام، لقد أصبح اقتصاد المناطق المحتلة (الضفة الغرببية وقطاع غزة) معتمدا اعتمادا كاملا على تصدير العمالة الفلسطينية للسوق الإسرائيلية وبلاد أخرى كدول الخليج العربي. وبالتالي أصبح الاقتصاد الفلسطيني أكثر الاقتصادات المعتمدة على غيرها في العالم.
لقد أصبح الفلسطينيون أكثر اعتمادا على سوق العمل الإسرائيلي. ولكن في خريف 1990 وفي أثناء وبعد حرب الخليج الثانية ومع استمرار الانتفاضة الأولى، بدأ الكيان الصهيوني بتضييق الخناق على العمال الفلسطينيين وتطبيق سياسة الإغلاق. وبدأت وتيرة الإغلاق تتصاعد أكثر فأكثر مع مرور الأيام. لقد أمل البنك الدولي بعد اتفاقيات أوسلو المشؤومة، التي كانت تعني ما تعنيه هو خلق كيان سياسي فلسطيني يناسب سياسة الإغلاق ويعمق الانفصال عن الاقتصاد الصهيوني. ولكن في حزيران سنة 2000 أي قبل ثلاثة أشهر من اندلاع انتفاضة الأقصى، كان الدخل من العمل داخل فلسطين 1948 ومن الخارج يغطي حوالي 22% من الناتج القومي الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة.
لقد أوضح حسن البرغوثي، رئيس مركز الديموقراطية وحقوق العمال في رام الله، بأن اعتماد الاقتصاد الفلسطيني على الكيان الصهيوني هو نتاج لسياسة مقصودة ومبيتة. لقد قامت "إسرائيل" لثلاثين سنة بإحباط الاستثمار في الأراضي الفلسطينية وخاصة في مجال الزراعة. لقد كان الهدف مضاعفا: أولا، تخفيض حد منافسة أسعار المنتجات الزراعية الفلسطينية للمزارعين الصهاينة وثانيا، خلق سوق عمالة فلسطنية رخيصة للمؤسساس الصهيونية وتفريغ المزارع الفلسطينية من المزارعين والتحاقهم بسوق العمل الصهيوني.
وهذه الحالة ولّدت اعتمادا نفسيا واقتصاديا على الكيان الصهيوني. فسنوات الحصار والإغلاق والوقوف على الحواجز والاستجواب من قبل جنود الاحتلال والذل والإهانات سلب من العمال الفلسطينيين ثقتهم بأنفسهم واحترام ذواتهم. فهؤلاء العمال الذين يعبرون المعابر للعمل في الكيان الصهيوني قبل الأزمة الحالية فعلوا ذلك بذل ومهانة. لقد اعتصروا ذواتهم وحرموهم من أي كبرياء. ومثل هذه الممارسات والانتهاكات لحقوق العمال الفلسطينين يومية لا تزال على أشدها. إن معاناة العمال الفلسطينيين كبيرة جدا في سبيل الحصول على لقمة العيش المغمسة بالذل والمهانة. وكم رأينا وشاهدنا في الفضائيات العربية حجم المعاناة التي يلاقيها العمال الفلسطينيين أثناء ذهابهم إلى أعمالهم وأثناء عودتهم إلى بيوتهم وأهليهم وذويهم هذا ناهيك عن التعذيب الجسدي والذي يؤدي إلى الموت وكذلك إطلاق النار على العمال حيث قضى الكثير من العمال.
لقد أصدر اتحاد العمال الفلسطينيين (2004) تقريرا بحجم الانتهاكات الإسرائيلية خلال شهرين فقط (كانون الثاني وشباط الماضيين). لقد أودت هذه الانتهاكات على المعابر بحياء شهداء نتيجة التنكيل والإذلال وساعات الانتظار على الحواجز. ولعل تقرير فضائية الجزيرة لا يزال ماثلا للعيان حول معاناة العمال على معبر بيت حانون (إيريتز).
وذكر التقرير أن قوات الاحتلال اعتقلت 1900 عامل فلسطيني، في الأول من كانون ثاني (يناير الماضي)، بدعوى مكوثهم في الأراضي المحتلة عام 48 دون تصريح. كما قررت في الخامس عشر من نفس الشهر، إغلاق المنطقة الصناعية ومعبر بيت حانون، في وجه العمال الفلسطينيين دون إبداء الأسباب، في خطوة تستهدف إلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر بالطبقة العاملة. ويشير التقرير إلى أنه في الثالث والعشرين من كانون ثاني (يناير) الماضي، اعتقلت الشرطة الإسرائيلية في منطقة الجليل الغربي 18 عاملاً فلسطينياً من الضفة الغربية، كانوا يقيمون في الجليل، دون حيازتهم للتصاريح، بحسب الادعاءات الإسرائيلية، واعتقلت أيضاً في اليوم التالي 50 عاملاً فلسطينياً في منطقة شفا عمرو والجليل، كانوا يعملون ويقيمون داخل أراضي الـ48، بدون تصاريح قانونية، على حد ما زعمته المصادر الإسرائيلية، كما اعتقلت أكثر من عشر مواطنين من عرب 48 من مدن شفا عمرو وطمرة والناصرة، وذلك للاشتباه في توفيرهم المبيت والعمل ووسائل النقل لهؤلاء العمال.
ليس للعمال الفلسطينيين أي حق وليس لهم أية سيطرة على حيواتهم. فمعظمهم لا يعرفون حقوقهم. معظمهم أنهى دراستهم الثانوية في سن الثامنة عشرة وبضعهم الآخر تسرب من المدرسة. والعديد منهم مزارعون لا يعرفون الاحتفاظ بالوثائق والأوراق التي تثبت حقوقهم. وكل هذا وذاك يجعلهم عرضة للاستغلال ويجعلهم ضعيفين أمام أرباب العمل الجشعين ومن السهل خداعهم وسلب حقوقهم. وقبل اندلاع انتفاضة الأقصى في أيلول 2000، كان هناك حوالي 125000 عامل فلسطيني (ربع العمالة الفلسطينية تقريبا) يعملون في فلسطين 48. وهذا درّ دخلا على عائلاتهم ولكن كانوا من أوائل من تضرروا عندما أعاد الكيان الصهيوني الإغلاق الكامل على المناطق المحتلة عند اندلاع الانتفاضة.
فهذه العمالة التي كانت تتمتع يوما ما بحرية الحركة في المنطقة كلها بما فيها الكيان الصهيوني، فجأة أصبحت تحت حصار تام. وعندم تم تطبيق سياسة الإغلاق والحصار التام وعندما لم يستطع الفلسطينيون بصورة عامة والعمال بصورة خاصة الانتقال من مكان إلى آخر أو من قرية إلى أخرى سواء في الضفة أو القطاع، عندئذ انهار الاقتصاد بصورة تامة. فالأرقام تتحدث عن نفسها: نسبة البطالة وصلت إلى 50% ولكنها تصاعدت لتصل هذا العام إلى 75% في القطاع و65% في الضفة. وعلى أساس دولارين في اليوم هو خط الفقر، 21% من السكان بعد مرور عام على الانتفاضة كانوا في مستوى الفقر المدقع. وفي كانون الأول سنة 2002، 60% أصبحوا فقراء. ثلاثة أرباع السكان في قطاع غزة هم يعيشون تحت خط الفقر. الرعاية الصحية تدهورت بشكل كبير. وفي استبانة حديثة تبين أن 13% من سكان غزة يعانون من سوء تغذية حاد في مستوى بعض الدول الإفريقية شديدة الفقر مثل الكونغو وزيمبابوي.
وعلى ضوء ارتفاع نسبة البطالة وتدهور الدخول، اصبح أكثر من نصف مليون فلسطيني، كانوا يعتبرون من الطبقة المتوسطة، معتمدا كلية على المساعدات الغذائية. استهلاك الغذاء الشخصي انخفض بنسبة 30% خلال السنتين السابقتين. لقد قارنت جامعة جونز هوبكنز Johns Hopkins حالة سوء التغذية التي وجدت في غزة حديثا بتلك المستويات التي وجدت في دول الصحراء الإفريقية الفقيرة.
وكما هو الحال في الماضي، تعلل الكيان الصهيوني تلك الإغلاقات والانتهاكات بالحالة الأمنية لتبرير الأعمال الإجرامية والوحشية تجاه الفلسطينيين. وفي نفس الوقت ممنية النفس بأن هذه البطالة المرتفعة في أوساط الفلسطينيين والأعمال الانتقامية والإرهابية التي توجه للفلسطينيين ستجبر الانتفاضة على التوقف. ولكن هذا لم يحدث وليس من المحتمل أن يحدث. وبدلا من ذلك، بكل بساطة، سياسة الإغلاق عاقبت عشرات الآلاف من العمال الذين ساهموا بقوة في بناء الاقتصاد الصهيوني.
وبناء على هذا الواقع، فإن الكيان الصهيوني، على ضوء القوانين الدولية والمحلية، انتهك حقوق العمال الفلسطنيين جهارا نهارا دون التقيد بأي قانون دولي أو محلي. ولا بأس هنا بالتذكير ببعض القوانين الدولية الخاصة بالعمالة والعمال.فمثلا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان The Universal Declaration of Human Rights (UDHR) أكد على أهمية حق العمل في المادة 23 التي تقول:" لكل شخص الحق في العمل وتجب حمايته من البطالة. إن كل شخص يجب أن يتمتع بحرية اختيار العمل الذي يريد. إن للعامل الحق في شروط عمل عادلة ومرضية وفي أجرة متساوية وعادلة بدون تمييز ..."
إن بند الحق في العمل وضع لاحقا في الاتفاقية الدولية للحقوق الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. وكل الدول التي وقعت هذا الاتفاقية اعترفت بحق العمل بما في حق كل فرد في الفرصة لكسب عيشه من خلال اختيار حر يقبل به ذلك الفرد. تتطلب تلك الاتفاقية من الدول التي وقعت عليه بأن تتخذ الخطوات اللازمة لضمان هذا الحق.
إن حق العمل، بما فيه حرية اختيار العمل المناسب، قد تم وصفه كحق أساسي في الاتفاقية الدولية للحقوق السياسية والحقوق المدنية. وهنا تم الاتفاق على أنه لا يجوز استخدام القوة من أجل إجبار الناس على العمل. وقبل هاتين الاتفاقيتين، كانت منظمة العمل الدولية The International Work Organization قد أكدت في اتفاقيتها الدولية رقم 122 لسنة 1964 أنها مسؤولية كل دولة عضو لخلق فرص عمل يستطيع من خلالها الناس اختيار أعمالهم بحرية.
وهكذا بوضوح تام، أنه على الكيان الصهيوني الإلتزام بتوفير فرص العمل للسكان المحليين في إطار القوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وفي وقت الحرب. فاتفاقية جينيف الرابعة، المهتمة بحماية المدنيين في أوقات الحرب، في المادة 40، تؤكد على حق الأفراد في العمل داخل البلد المحتل والتمتع بنفس الحقوق التي يتمتع بها العمال الآخرون.
إن مركز الديموقراطية وحقوق العمال في رام الله يقول بأن الكيان الصهيوني لم يتقيد بالقانون الدولي في علاقته مع السكان في الأراضي المحتلة. وعلى الأخص بالذكر، إن سياسات الكيان الصهيوني تتعارض وتخالف المادة 40 من اتفاقية جينيف الرابعة التي تقول:"الأفراد ... يستيفيدون من شروط العمل وإجراءات الحماية التي تعطي للسكان الأصليين وخصوصا بما يتعلق بالرواتب وساعات العمل وأدوات وملابس الحماية والتدريب والتعويض عن إصابات العمل والأمراض المهنية."
تظهر دراسة مركز الديموقراطية وحقوق العمال في رام الله أن 94% من العمال الفلسطينيين يستلمون رواتب غير كافية لتغطية نفقات حاجاتهم اليومية. وكذلك أظهرت الدراسة نفسها أن 85% من العمال الذين تمت مقابلتهم والذين يعملون داخل الكيان الصهيوني أو في المغتصبات الصهيونية، يعملون على أساس أجرة يومية (مياومة). وكذلك أيضا أن 62.2% من هؤلاء الذين يعملون في الضفة الغربية هم يعملون أيضا على أساس يومي (مياومة).
لقد قدم الاتحاد العام للعمال الفلسطينيين تقريرا إلى منظمة العمل الدولية يصف فيه الظروف اللاإنسانية التي يعمل في ظلها العمال الفلسطينيون والتي تتطلب منهم أن يجتازوا التفتيشات الأمنية للدخول إلى أماكن عملهم في الكيان الصهيوني. فعلى العمال أن يقفوا في صفوف لساعات وساعات وغالبا ما يبدأون ذلك منذ ساعات المساء للدخول إلى الكيان الصهيوني في صباح اليوم التالي في ظروف وأحوال سيئة للغاية. فمثلا توفي عامل من جرّاء الاختناق في عام أوائل عام 2004 بسبب هذه الظروف. رابطة الصناعيين في الكيان الصهيوني عبرت عن ذلك لبعثة منظمة العمل الدولية عن قلقها حول الإرهاق البدني بعد قضاء ساعات عديدة في صفوف الانتظار في نقاط التفتيش. وهذا أثّر ويؤثّر على العمل وخاصة أعمال الإنشاءات وعلى الإنتاجية بصورة عامة.
وهكذا فإن سلطات الاحتلال لا تأبه لظروف العمل وأحواله أو لحقوق هؤلاء العمال. فهي بالتالي لا تعير انتباها أو اهتماما لأي قوانين سواء دولية أو محلية. إن الآلاف من العمال الفلسطينيين الذين يدخلون إلى الكيان الصهيوني يوميا لا يتمتعون بالاستقرار الوظيفي أو العملي. فهم مهددون دائما بالطرد والفصل والتعسف. لا يوج لهم حقوق. وحتى إذا كان لهم حقوق فلا يستطيعون المطالبة بها. إنهم يعانون من تعسف أصحاب الأعمال بحرمانهم من حقوقهم ويعانون من الخداع والتحايل على القوانين. وفي حالة من يعملون بصورة "غير قانونية" يعانون أكثر فأكثر. فهم عرضة للإستغلال وسوء الاستخدام. وعلى الرغم من ذلك، تغض قوات الاحتلال الطرف عن الذين يدخلون دون تصريح للعمل داخل الكيان الصهيوني حتي في الأيام الحالية لضمان استمرار المصانع المعزولة في المغتصبات في العمل.
لقد توقع الفلسطينيون أن اتفاقيات أوسلو ستغير الوضع وتخلق اقتصادا فلسطينيا مستقلا حيث يسستطيع توفير وظائف للفلسطينيين. ومن الأسباب التي جعلتهم يفقدون الأمل والثقة في "عملية السلام" هو الفشل والعجز في تحقيق ولو خطوات جزئية صغيرة على طريق استقلال الاقتصاد. لقد حدث بالعكس هو تكريس الاعتماد والارتباط على الكيان الصهيوني ناهيك عن الفشل في المجالات الأخرى. لقد ازدادت القوة العاملة الفلسطينية أثناء التسعينات (سنوات أوسلو) بأسرع مما كان يتصوره الجميع وفاقت أعداد العمال نمو الوظائف والأعمال في المناطق المحتلة التي تحدثت عنها اتفاقيات أوسلو.
ما بين سنة 1994 وسنة 1999 –سنوات أوسلو- فرضت القوات المحتلة إغلاقا دام 443 يوما. وفي سنة 1996 وحدها، تم إغلاق الضفة الغربية لمدة 132 يوما وقطاع غزة لمدة 138 يوما. لقد كانت آثار الإغلاق مدمرة لأن الاقتصاد الفلسطيني معتمدا جدا على الكيان الصهيوني. وبعد شهرين من الإغلاق التام (آذار ونيسان) من عام 1996, بلغت نسبة البطالة بين العمالة الفلسطينية حوالي 66%.
إن تدمير الاقتصاد الفلسطيني وتخريبه وتدمير التنمية تتم بوعي وتصميم تامين من الكيان الصهيوني للإبقاء على عمالة فلسطينية غير مهنية رخيصة. فالكثير من العمال الذين يعملون في الكيان الصهيوني أجبروا على هجر أراضيهم الزراعية. ففي العقد الأول من الاحتلال، فرضت قوات الاحتلال القيود على النشاطات الزراعية الفلسطينية من أجل مصادرة الأرض لصالح المغتصبات. تبعا للقانون "الإسرائيلي"، أي قطعة أرض تركت دون أن تستغل في الزراعة لمدة ثلاث سنوات تعتبر مهجورة وخاضعة للمصادرة. وبوضع القيود على الزراعة واستثمار الأرض الزراعية وفرض الضرائب الباهظة، استطاع الكيان الصهيوني أن يفرغ الأرض من أصحابها واعتبرها قابلة للمصادرة. وبعد العقد الأول من الاحتلال، بدأت "إسرائيل" إعلان الأرض غير المسجلة بأسماء أصحابها هي أرض "دولة". وبمنع الفلسطينيين من تسجيل أراضيهم صارت مساحات كبيرة جاهزة لوضع اليد عليها من قبل قوات الاحتلال.
إن واقع الحياة الاقتصادية في الأراضي المحتلة خانق ويائس وله تفاعلات وآثار اجتماعية كبيرة على المجتمع. الفقر يواصل زحفه على الأحياء والقرى والمدن الفلسطينية. تاتي المساعدات الدولية الإنسانية بين فينة وأخرى ولكن إلى متى؟ يواجه الفلسطينيون، لدى محاولاتهم ، لكسب العيش ودعم أسرهم بشرف وكرامة وباستقلالية عوائق كثيرة. إنهم يُحارَبون في لقمة عيشهم بشتى الطرق والوسائل. ولكنهم في نفس الوقت يتمتعون بروح معنوية عالية لتخطي العوائق وكسرها ليعيشوا حياة طبيعية لإيجاد مكان لهم تحت الشمس.
في عام 2003-2004 طبق الاحتلال قيودا قاسية على حرية حركة الأشخاص والبضائع والخدمات وبالتالي ترتب على ذلك خسائر فادحة في الإنتاج والعمل والدخل. لقد أشار السيد جوان سومافيا المدير العام في مؤتمر العمل الدولي في دورته الثانية والتسعين سنة 2004، إلى أن التسهيلات المتواضعة على قيود الحركة وصدور خارطة الطريق في نيسان من عام 2003 كانت سببا في التفاؤل الحذر وحتى توقعات قوية بإن هذه المبادرة ستساعد على تحسين الاحوال المأساوية منذ أيلول عام 2000. غزة الآن ليس لها اقتصاد صالح في حد ذاته. فالعمال فيها لا يستطيعون دعم أسرهم وتوفير حياة معقولة في مثل هذا الاقتصاد المحلي المغلق. ففي عام 2003 نصف السكان تقريبا في قطاع غزة المكتظ بالسكان كانوا يعتمدون على المساعدات الغذائية وأن 83.5% عاشوا على دخل تحت خط الفقر.
فمعظم الفلسطسينيين يواصلوا حياة يومية تتسم بالصبر على المعاناة الشديدة وعلى الساعات والأيام التي يقضونها على الحواجز وعلى القوانين والاوامر العسكرية التي تحد من حركتهم أو وصولهم إلى أعمالهم وأراضيهم. فللحواجز والمناطق المحظورة ونقاط التفتيش ومنع التجول الآثار المدمرة على كل مناحي الاقتصاد والحياة الاجتماعية في الأراضي المحتلة.
لقد جاء في استطلاع أجراه مكتب الإحصاء الفلسطيني(2003-2004) أن 48.8% من أرباب البيوت في الضفة الغربية و32.9% في قطاع غزة صرحوا بأنه خلال الستة أشهر أن القيود على حرية الحركة المفروضة من قبل جيش الاحتلال تسببت في كثير من المشاكل (انظر جدول 1).
جدول 1
القيود على حرية الحركة المفروضة من جيش الاحتلال خلال ستة أشهر
(%)
المنطقة أغسطس 2003 كانون الأول2003 آذار 2004
الضفة الغربية 56.4 56.8 48.8
قطاع غزة 43.0 30.8 32.9
Source: PCBS, 2003-2004a.
ومشكلة الانتقال هذه تؤثر على قدرة الناس على الوصول إل أماكن أعمالهم. وفي نفس الاستطلاع، توجه المكتب بسؤال لنفس الأشخاص لتقييم مستوى الصعوبة في الوصول لأماكن العمل. النتيجة تشير إلى تناقص النسبة التي ترى الوصول إلى أماكن العمل صعية أو مستحيلة كما يبين جدول 2. في آذار 2004، 34.1% من المستطلعة آراؤهم في الضفة الغربية و 14.4% في غزة يرون الوصول إلى أماكن عملهم صعبا أوصعبا جدا أو مستحيلا.
إن لتقييد حرية الحركة نتائج مختلفة بالنسبة للرجال والنساء. فيما يخص التعليم تقييد الحركة هذه تؤثر على المدرسات و الطالبات أكثر من نظرائهم من الذكور. ويعزى ذلك للصعوبات والمخاطر التي يواجهنها أثناء الانتقال إلى ومن المدارس. لقد امتنع الآباء والامهات عن إرسال بناتهم إلى المدارس خشية عليهن. فاحتمال أن تمتنع المدرسات عن الذهاب إلى المدارس أكبر من نظرائهن إذا كان يتطلب منهم المشي مسافات طويلة في مناطق معزولة لتجنب الحواجز وسائبة المستوطنين.
جدول 2
صعوبة الوصول إلى أماكن العمل في فترة ستة أشهر
(%)
المنطقة أغسطس 2003كانون الأول2003آذار 2004
الضفة الغربية 50.0 37.8 34.1
قطاع غزة 29.7 18.5 14.4
Source: ibid.
وهناك أيضا اختلافات هامة إلى أي مدى الإغلاقات الداخلية وتقييد حرية الحركة تؤثر على حركة الأشخاص والبضائع داخل الضفة الغربية وقطاع غزة. بينما الحالة في رام الله وبيت لحم وفي داخل قطاع غزة الإغلاقات وتقييد الحركة خفيفة نسبيا، نجدها شديدة في الخليل وجنين ونابلس. وهذا ينعكس من عدد ساعات منع التجول التي تظهر في جدول 3.
جدول 3
عدد ساعات منع التجول في كل شهر في سبع [size=12]مدن[size=12] [size=9]
2003\\2004
2003 2004
المدينة كانون2 شباط آذار نيسان أيار حزيران تموز آب ايلول تشرين1 تشرين2 كانون1 كانون2
جنين 96 52 144 137 48 24 0 144 192 216 48 48 24
طولكرم 120 163 0 144 288 96 24 0 0 96 48 0 24
قلقيلية 96 0 96 24 72 24 0 0 240 0 0 0 0
نابلس 403 252 24 0 0 0 0 120 24 0 0 120 120
رام الله 24 0 0 0 9 24 0 0 0 0 0 0 0
بيت لحم 423 219 24 0 28 32 0 0 0 0 0 0 0
الخليل 443 518 678 610 372 399 144 192 165 24 24 0 0
المعدل 229.3 172.0 138.0 130.7 116.7 85.6 24.0 65.1 57.9 48.0 17.1 24.0 [size=12]24.0
الكرة الآن في ملعب الكيان الصهيوني. إذا أراد هذا الكيان جارا فلسطينيا منتجا ومسالما، يجب عليه العمل على بناء اقتصاد فلسطيني مستقل وتطوير عمالة فلسطينية ماهرة في المناطق التي ستكون الدولة الفلسطينية بدلا من التعامل مع الفلسطينيين كمصدر رخيص للعمالة يسهل استغلالها ويتم الاستغناء عنها دون رفة عين. وعليها إنهاء كل الممارسات اللاإنسانية والانتهاكات والاقتحامات والاغتيالات وهدم المساكن والتسليم بالحقوق الفلسطينية الشرعية وإنهاء الاحتلال بصورة قطعية.
وبهذه الصورة التي يبدو عليها الوضع في الأراضي الفلسطينية فالمستقبل لا يبشر بخير أو بسلام أو باستقرار. إن الحالة الاقتصادية الراهنة سيكون لها آثار سياسية كبيرة. إنه لمن المخيف والمرعب حقا عندما لا يجد العمال وسيلة لإعالة أنفسهم أو عائلاتهم. وإذا استمر الحال على ما هو عليه, من الطبيعي أن تتجدد الانتفاضة وبشكل أشد وأقوى.المصادر
1. Center for Democracy and Workers Rights in Ramallah
2. International Labor Conference, 92nd Session, 2004.
3. Palestine Red Crescent Society (PRCS) and Office of the United Nations Special Coordinator in the Occupied Territories (UNSCO), in LACC, 2004.
4. The International Pledge for Cultural, Social and Economic Rights on
Dec. 16, 1966. It came into effect on Jan. 3, 1976 under Article 27.
5. The Palestinian Central Bureau of Statistics (PCBS)
6. Roy, Sara, "De-Development Revisited: Palestinian Economy and Society Since Oslo," the Journal Of Palestine Studies, Spring 1999, pp 64-82).