ربع مليون قتيل وخسائر تقدر بثلاثين مليار دولار لم تشف غليلهم. وعندما فشل الاستئصال الأمني و السياسي انتقلوا إلى الخطوة التالية والتي تكمن في الإستئصال الثقافي والفكري وتجفيف منابع ومقومات الشخصية الجزائر التي صاغها الإسلام منذ أكثر من أربعة عشر قرنا.

هذه المقالة تكشف أبعادًا جديدة و خطيرة للمؤامرة المستمرة ضد شعب الجزائر ودينه ولغته وهويته، وتسلط الضوء على منفذي هذه الجريمة و على شهود الزور والشياطين الخرساء. ارتبط اسم أحمد أويحي رئيس الحكومة الجزائرية بالسنوات السوداء والحمراء التي عرفتها الجزائر، كما ارتبط اسمه بالسياسة الإستئصالية القمعية الحديدية التي كان ينهجها جنرالات الجزائر الذين أدخلوا الجزائر في أتون حرب أهلية أدّت إلى مقتل أكثر من ربع مليون جزائري وخسائر تقدّر بأزيد من ثلاثين مليار دولار أمريكي .

و لا يمكن للمحللّ السياسي أن يصنّف أحمد أو يحي في خانة سياسية معينة فهو كثير التلوّن و كثير الإضطراب في مواقفه السياسية وهو أقرب إلى مهرّج سياسي منه إلى صانع قرار في بلد يتمتع بمقدرات رهيبة.

فهو مع الإستئصاليين فقيه الإستئصال، ومع التصالحيين داعية رحمة و مودة، ومع الأمازيغ ماسنيسا أو يوغرطة ومع الفرانكفونيين سليل الثقافة الفرنكفونية و الفرانكوفيلية.

وهو أبعد ما يكون عن العروبة والإسلام وأقل ما يقال عنه أنّه ينفذّ أجندة معينة بل هو مفروض حتى على بوتفليقة من الدوائر العليا التي تحكم من وراء الستار الجزائر، هذه الدوائر التي كانت وراء خطف أكثر من ثمانية آلاف جزائري تمّ قتلهم جميعا بدم بارد، والذين وما زال ذووهم يبحثون عنهم.

وكان يفترض ببوتفليقة الذي وعد الأمة الجزائرية المنكوبة بسياسة جنرالاتها الرعناء بالمصالحة الوطنية الشاملة والكاملة أن يأتي إلى دوائر القرار بشخصيات سياسية تجسّد الأغلبية في الشارع الجزائري ليكون ذا صدقية في طرحه السياسي، لكنّه وأثناء التعيين الوزاري الأخير عينّ أحمد أويحي رئيسا للوزراء و هو الذي تقلبّ في منصب رئيس الحكومة و مناصب وزارية أخرى منذ إنطلاق الأزمة الجزائرية والذي يعدّ ملازما لهذه الأزمة و وجها من وجوهها، بالإضافة إلى ذلك فهو لا يتمتع بأي شعبية في الشارع الجزائري الذي ينظر إليه على أساس أنّه متلون و متحايل و كثير النفاق، بل طعن حتى في رئيسه عبد العزيز بوتفليقة عندما كان وزيرا للعدل في عهدة بوتفليقة الأولى.

وعلى إمتداد سنوات الإستئصال و القمع والإحتقار وتهميش الشعب الجزائري كان أحمد أو يحي أبرز من فعلّ هذا الخطاب وقدمّه باللغات العربية والفرنسية و الأمازيغية إلى الرأي العام الجزائري ولذلك أصبح في نظر الشعب الجزائري بمثابة البوم أو فأل السوء الذي يقف دائما وراء المشاريع المشبوهة والممقوتة.

ويجسّد أحمد أويحي الميكيافيلية في أروع مصاديقها فهو نفعي براغماتي يقول الشيئ ويطبّق نقيضه و بقاؤه على رأس الحكومة الجزائرية سيجعل مشروع بوتفليقة المصالحة الوطنية مشروعا هشّا غير ذي صدقية خصوصا و قد بدأ من الآن يريد جعله مشروعا قانونيا وإجراءا إداريا لا مشروعا سياسيا لإخراج الجزائر من أزمتها.
وبعد أن وجّه أحمد أو يحي لكمة إلى التعليم العربي في الجزائر و قانون الأسرة المؤسسّ على أساس الشريعة الإسلامية ها هو يلغي مادة التربية الإسلامية والشعبية الإسلامية من التعليم الثانوي في وقت تعززّت فيه اللغة الفرنسية واللإنجليزية على السواء، و على مدى ساعات عديدة ظلّ يقدم تبريراته المزيفّة في البرلمان الجزائري وأمام البرلمانيين الذين لم ينبسوا ببنت شفة رغم أنّه الأعرف بأكاذيبه وتصريحاته المتناقضة خصوصا وأنّ البرلمان الجزائري خير شاهد على براغماتيته وألاعيبه المدجنّة.

ويبدو أنّ أحمد أو يحي مكلّف في هذه المرحلة بقيادة الإستئصال الثقافي والفكري والحضاري، حيث عندما أخفق مشروع الإستئصاليين الأمني و الذين تلاحقهم المنظمات الدولية ومنظمة العفو الدولية التي تطالب الجنرالات بالكشف عن مصير المواطينين الأبرياء المخطوفين والمسروقين من الشوارع، إنتقلوا إلى الخطوة التالية والتي تكمن في الإستئصال الثقافي والفكري وتجفيف منابع ومقومات الشخصية الجزائر التي صاغها الإسلام منذ أزيد من أربع عشر قرنا.

إنّ أحمد أويحي وهو يبرر خطوة إلغاء شعبة الشريعة الإسلامية من التعليم الثانوي بررّ ذلك بقوله إنّ الشعب الجزائري مسلم و لا يحتاج إلى تعليم إسلامي، و هذا التبرير الباطل مردود على أويحي لأنّ المصادر الطبية الجزائرية كشفت في الملتقى الطبي الذي نظمته الجمعية الجزائرية للتنظيم العائلي بفندق السوفيتال سابقا عن تسجيل أكثر من 250 ألف – ربع مليون – حالة إجهاض غير شرعي في الجزائر سنويا، أفلا يحتاج هذا الشعب إلى ما يرفد شخصيته الدينية والوطنية بمقومات الثقافة العربية والإسلامية أم أنّ أويحي ترك المهمه لقنوات الجنس الفرنسية التي تبث إلى الجزائر بالجملة والمفرّق وحولّت الجزائر إلى بيت دعارة حقيقية.

إنّ الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة مدعو إلى قيادة الجزائر برجال جدد لم يتورطوا في المراحل السابقة العفنة والتي أدخلت الجزائر في عنق الزجاجة، ولا يمكنه أن يتبنى مشروعا للمصالحة و الذي يتموقع في دائرة التنفيذ غير مقتنع لا بهذا المشروع ولا بماهية الثقافة الوطنية الإسلامية والعربية التي يجب أن يكون عليها المجتمع الجزائري .

وأول خطوة يجب أن يقوم بها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إذا أراد بالفعل أن يصدقّه الشعب الجزائري في مسعاه للمصالحة الوطنية أن يعينّ رئيسا محترما للحكومة يكون منسجما مع تطلعات الشعب الجزائري ولا يكون مجرد بهلوان سياسي لا يكاد يبين.

وغير تحمّل بوتفليقة لمسؤولية إستمرار رئيس حكومته في الإستئصال الثقافي و الفكري والحضاري، فإنّ الأحزاب الإسلامية كحركة حمس والنهضة والخلاص المشاركة في البرلمان و التي لبعضها وجود في الحكومة أن تخرج من نفاقها و مداراتها و تفصل في مواقفها هل هي مع الدينار أو مع الإسلام، صحيح أن بعض زعماء هذه التيارات قد أثروا إلى حدّ إنفجار البطون، لكن فليتقوا الله في شعب يراد له أن ينفصل عن تربته وجذوره .

ويبقى القول أنّ بوتفليقة مدعو للكف عن هذه الثنائية والعبثية فإما مصالحة شاملة دون الدوس على مقومات الأمة الجزائرية وبرجال صادقين أو عبثية وأكاذيب وعفو رمزي عن الذين تسببوا في قتل الأبرياء في الجزائر وعلى رأسهم قادة الأجهزة الأمنية وزعماء المؤسسة العسكرية .

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية