نستغرب هذا اللجوء المستهجن للسلطة الفعلية في الجزائر بتحويل المصالحة الوطنية قبل نضجها إلى مركب وثير يركبه اليهود المسمون باسم الجزائر والذين تعد عودتهم إلى بلادهم بمثابة النصر المظفر للمصالحة الوطنية،وإلى بعض الشخصيات الوطنية التي ما انفكت تشيد بالمصالحة والعفو الشامل إلى حد التأليه و تجعل كل شيئ قابل للمساومة حتى مشاعر الملايين من الشعب الذي لم تبرأ جراحه بالشكل الذي يقبل وعن طواعية هذه المصالحة الغريبة الأطوار ،والتي تحرص على أن يكون علي بن حاج مكبلا بممنوعات تقصم ظهره وتمنعه حتى من تحريك لسانه بالتعبير الحر،لكن في المقابل تفتح الأبواب على مصراعيها لليهود الجزائريين ليعاودوا الاندماج في النسيج الجزائري. استقبال الطائفة اليهودية هذه الأيام في نظر الكثيرين ليس بالعجيب إذا ما دققنا النظر في ما تريد الوصول إليه مصالحة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة،وما يتوخاه النظام الرسمي في معالجة ملف اليهود الجزائريين الذين يعتبرون سياسيا،أقداما سوداء،سنحت لهم الفرصة كرة ثانية ليعودوا من الباب الواسع،وباسم التصالح،والقانون،وباسم معالجة ملفهم الذي لاقى الحيف حسب زعمهم،وهذا مسلك اليهود على مر العصور،في استغلال أي سانحة ليتوغلوا من خلالها من جديد،ويعود لهم دور في تحريك قضيتهم التي لا تخفى على كل عاقل،حصيف،عارف بخبايا هذه السلالة،رغم علم الجميع بما اقترفته هذه السلالة داخل الحيز الجغرافي للجزائر،بموالاتها للكيد الاستعماري،وبمحاباتها لأعداء الجزائر المسلمة التي فقدت من رحمها خيرة أبنائها،تعدادهم جاوز المليون ونصف المليون شهيد.
المقصد العام من هذا الشعور الفياض من قبل رسميينا،ومن قبل أحمد بن بلة الذي لم يخف مشاعر الود،والتعبير الصادق عن مكنون قلبه تجاه هؤلاء اليهود،هو ترسيم صورة مشرقة لمسعى المصالحة الوطنية الشاملة،ولو على حساب التاريخ والذاكرة الجمعية للأمة ، هذه المصالحة الوطنية التي إلى حد الثانية،لم يستفد منها الجزائريون الأقحاح ولو قطميرا،ولم يستشعر المواطنون الغلابى فائدتها الجمة في مصالحهم اليومية،فالجهات الرسمية عندنا اليوم همها فقط منصب حول كيفية تلميع صورة الجزائر بأي طلاء يقع تحت طائلتها،وبما أن المصالحة الوطنية الشاملة،وربيبها العفو الشامل أصبحا من العناوين الكبيرة لدى هذه السلطة،فإنه لا مجال للفتوى السياسية،وحقيق إذن العمل بما يجعل الجزائر أهلا للمدح والإطراء من قبل الدول الكبرى،وتكون الدولة المرضي عنها.
والأدهى والأمر في هذه المصالحة التي بدأتها الجزائر مع من خانها بالأمس،أن السلالة اليهودية تتعنتر بمطالب حقوقية،تقول عنها أنها مستحقة،كونها ظلمت بعد أن نالت الجزائر الاستقلال،وإذا ما راجعنا دفتر الشروط الأخلاقية نجد أن مطلب هذه السلالة اليهودية،مجرد ابتزاز يدخل ضمن دائرة المعلوم عنه بالضرورة،كون اليهود لا يطلبون شيئا إلا إذا رأوا فيه مغنما باديا للعيان يستطيع أن يتحقق وبشروطهم.وحسب شغف السلطة الرسمية بأن تصل بالمصالحة الوطنية إلى أنظار المؤسسات العالمية،التي غالبيتها يسيطر عليها اللوبي اليهوديى،فإن هذه السلالة وجدت ضالتها بأن تدخل الجزائر وباستقبال حار،وبحفاوة قل نظيرها،وتطالب بممتلكاتها التي خلفتها وراءها عشية الاستقلال.
وهذه السلالة التي تقول السلطات الرسمية عنها أنها جزائرية،فالسؤال الذي يمكن أن يطرح وببراءة بالغة لماذا رحلت بعد الاستقلال مباشرة،ولماذا تعود اليوم وبمطالب مادية باهظة لم يطالب بها حتى الذين فقدوا فلذات أكبادهم في الفتنة الطاحنة الأخيرة،ولماذا أيضا هذا التمايز في التعامل مع كل الجزائريين.ولتسأل نفسها السلطة الفعلية في الجزائر عن دور اليهود في حرب التحرير،بل تسأل أي مؤرخ موضوعي ليقول لها بأن السلالة اليهودية لم يكن لها تاريخ مشرف في الجزائر،وكانت ضمن الرعايا الأجانب المرتزقة،بحكم أنها كانت تساعد المستعمر الفرنسي في إبادته للشعب الجزائري،فأي جزائرية يملكونها هؤلاء،ومعظمهم أحرقوا البلاد،وهتكوا الأعراض؟.وكان من واجب السلطة أن تطالب هؤلاء ابتداء بالتعويض على ما اقترفوه من آثام وموبقات ضد إنسانية الجزائريين، ثم تكون لكل مسألة تأويل،فإن كان لهم الحق كأي كان من المواطنين في العالم زيارة معالم تاريخية فلهم ذلك،وإلا فليس لهم الحق في أن يعودوا إلى أرض طهرت من رجسهم،ومن رجس الاستعمار الفرنسي.
إن طريق المصالحة الوطنية إذا ما بدأ ت بهذا المسلك وتوطين جديد للسلالة اليهودية،فلا يعني إلا أمرا واحدا أن النظام الرسمي في الجزائر فاقد للبوصلة السياسية الحقيقية و قناعته حيال المصالحة الوطنية،تشوبها مغالطات،وسوف يدفع الشعب الجزائري الثمن لهذا المسلك غير المحسوب،لأن فتح المجال للأقدام السوداء تحت أي مسمى كان معناه أنه الرجوع إلى الخلف في كل المكتسبات التي حققها الشعب الجزائري ضد المستعمر الغاشم،وأن الاستقلال الذي ينعم به اليوم هو مجرد استقلال مزيف.
وليس هذا فحسب فإذا كانت هذه هي المصالحة الحقيقية،فهذا يعني تسليما بأن التطبيع مع إسرائيل لا يفصلنا عنه إلا بضع شهور،وهذه أمنية اليهود الحقيقية،أن يذوب الجليد بيننا وبينهم،ونصبح أسرة واحدة وفي حالة واحدة أن يكونوا هم المتحكمون والشعب الجزائري هو الخادم المطيع.وقد تكون تلمسان هي الباب الرئيسي الذي منه سوف يكون المنفذ، ليعود القاهر لقهره،وتسمى عندئذ المصالحة الوطنية الشاملة بأنها مصالحة وطنية حقيقية لا غبار عليها.