لا نبالغ، هنا، إذا قلنا: أن هذا المشروع، مشروع "قناة البحرين"، وقد دارت عجلته، سوف تكون له أهمية كبرى، توازي ـ ربما ـ أهمية إنشاء قناة السويس، التي ربطت البحرين الأبيض والأحمر.
ولعل قولنا، هذا، يتأكد إذا لاحظنا: أن المنتدى الاقتصادي العالمي (منتدى دافوس)، قد انعقد بشكل استثنائي في الأردن، وعند شاطئ البحر الميت بالذات؛ وأن الإعلان عن مشروع "قناة البحرين" قد تم عند نهاية أعمال المؤتمر؛ وأن الاتفاق الذي تم كان حول الشروط المرجعية لـ "دراسة الجدوى" التي أعدها البنك الدولي، والتي سوف تسمح له البدء في تمويلها، وإطلاق المشروع الاستراتيجي الكبير. خلال جلسة خاصة بالمنتدى الاقتصادي العالمي، منتدى "دافوس" الاقتصادي، الذي عقد على شواطئ البحر الميت (في: 20 مايو الماضي)، أعلن الأردن نيابة عن الأطراف الثلاثة المستفيدة من المشروع، الأردن والسلطة الوطنية الفلسطينية وإسرائيل، الاتفاق على الشروط المرجعية لدراسة الجدوى والأثر البيئيوالاجتماعي لنقل المياه من البحر الأحمر إلى البحر الميت.
ولا نبالغ، هنا، إذا قلنا: أن هذا المشروع، مشروع "قناة البحرين"، وقد دارت عجلته، سوف تكون له أهمية كبرى، توازي ـ ربما ـ أهمية إنشاء قناة السويس، التي ربطت البحرين الأبيض والأحمر.
ولعل قولنا، هذا، يتأكد إذا لاحظنا: أن المنتدى الاقتصادي العالمي (منتدى دافوس)، قد انعقد بشكل استثنائي في الأردن، وعند شاطئ البحر الميت بالذات؛ وأن الإعلان عن مشروع "قناة البحرين" قد تم عند نهاية أعمال المؤتمر؛ وأن الاتفاق الذي تم كان حول الشروط المرجعية لـ "دراسة الجدوى" التي أعدها البنك الدولي، والتي سوف تسمح له البدء في تمويلها، وإطلاق المشروع الاستراتيجي الكبير.
لا.. بل إن قولنا يتأكد إذا لاحظنا: أن مشروع "قناة البحرين" سوف يقلب المعادلات السياسية الاستراتيجية في المنطقة، دافعاً إلى معادلات جديدة.. معادلات سياسية استراتيجية، جرى الإعداد لها في أروقة السياسة الدولية منذ عشرين عاماً على الأقل.
وإذا أردنا التحديد الرسمي، نقول: أن الفكرة منبعها إسرائيلي، وأنها طرحت، رسمياً، منذ أكثر من عقد من السنين...
عشر سنوات كاملة، ما بين (أكتوبر 1994)، حيث تم انعقاد مؤتمر "الدار البيضاء"، أو "القمة الاقتصادية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، الذي كان المحطة الأولى في محطات أربع حملت نفس التسمية، وتوزعت بين عمان والقاهرة والدوحة.. وبين (مايو 2005)، حيث كان موعد انعقاد المنتدى الاقتصادي العالمي.
عشر سنوات كاملة، بما اشتملت عليه من محطات تعبر، في حقيقتها، عن "تظاهرات دولية"، لإعلان أن المعادلة الحاكمة للعلاقات بين "البلدان العربية.. وإسرائيل"، قد انتابها التغير، وإنها أخذت تتجه إلى مسار التعاون بديلاً عن التصارع الذي كان صبغتها طوال العقود الخمسة الماضية..
ومع التغير الحادث في المعادلة، ومع ما يمثله استمرار زعيم الليكود، آريئيل شارون، على رأس الحكومة الإسرائيلية، من تحد حقيقي: للعرب.. الذين وضعوا جميع رهاناتهم على "السلام" (التسوية)، وللعرب.. الذين راهنوا على إمكانية التوصل إلى صيغة أفضل لهذا "السلام".. (مع هذا التغير الحاصل)، فإن هناك سؤالاً ملحاً يطرح نفسه بشأن مستقبل ما اصطلح على تسميته "التعاون الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط"..
وفي اتجاه مقاربة هذا السؤال المطروح، يمكن تناول أحد أهم العناصر في مشروعات التعاون الإقليمي المقترحة.. ونعني به عنصر "المواصلات" والأسباب في اختيارنا لهذا العنصر الحاكم عديدة ، منها: أن دراسة تصورات الطرف الأخر (إسرائيل) بخصوص المواصلات القطرية والإقليمية والعالمية هي أقصر طريق للوقوف على نواياه، ومنها: أن السيطرة على منطقة خطوط المواصلات، هي، كما قال ـ ذات مرة ـ نابليون بونابرت: "الضمان الأكبر لتحقيق الأهداف".
وبالعودة إلى الأوراق "الإسرائيلية"، المقدمة إلى كل من المؤتمرات الأربعة المشار إليها، الدار البيضاء وعمان والقاهرة والدوحة، يمكن ملاحظة النقاط الثلاث التالية:
النقطة الأولى.. أن إسرائيل تعطي أسبقية أولى لخطوط المواصلات العريضة التي تصلها بالبلدان العربية، وليست للخطوط الطولية التي تصل البلدان العربية ببعضها البعض.. أيضاً، لخط "البحر الميت ـ البحر الأحمر"، لنقل الفوسفات.. وكذلك، الخط الذي يصل أفريقيا بآسيا، أي من القاهرة (عبر القناة) إلى رفح وحيفا وبيروت.
والملاحظ هنا، أن نظرة إسرائيل، في مشروعاتها المقترحة، تحقق لها أن تكون مركزاً محورياً في المنطقة التي تعتبرها جسراً يصلها بأوروبا وأفريقيا وآسيا، من حيث كونها تهتم كثيراً بعلاقاتها مع المجموعة الأوروبية ودول جنوب شرق آسيا وأسواق أفريقيا..
وتعزيزاً لهذا الاتجاه تقترح إسرائيل توسيع واستكمال ما أسمته بالطريق البري المتوسط، الذي يمتد من الحدود السورية التركية، إلى لبنان، إسرائيل، منطقة الحكم الذاتي الفلسطينية، الأردن، خليج العقبة، مصر؛ وطول هذا الطريق 1700 كم، ويعتمد أساساً على الطريق 90 داخل إسرائيل، الذي يبدأ من إيلات، وادي عربة، كريات شمونة؛ ثم ميتولا على الحدود اللبنانية..
وفي نفس الوقت، تعطي إسرائيل أهمية قصوى للطرق العرضية التي تصل بينها وبين فلسطين والأردن، مثل: طريق حيفا، إربد، أسدود، عمان، عبر جسر الشيخ حسين، الكرك، العقبة، عمان، عين نيتانيم، العقبة.
أضف إلى ذلك، الاتفاق بين إسرائيل، والأردن والسلطة الفلسطينية، بخصوص شق "قناة البحرين"، من البحر الأحمر إلى البحر الميت..
وفي اعتقادنا، أن ذلك الاتفاق هو مرحلة أولى وأن المرحلة الثانية هي أن تمتد قناة أخرى من البحر الميت إلى البحر المتوسط لاستغلال انخفاض البحر الميت "400" متر عن مستوى البحر، وقد بدأ هذا المشروع وتمت دراسته فعلاً منذ أوائل القرن العشرين كقناة تصل البحرين الأحمر بالمتوسط "كمنافس لقناة السويس"، وكقناة بديلة في حالة توقف الملاحة فيها.
النقطة الثانية.. أن إسرائيل في نظرتها تلك، أي في نظرتها أن تكون مركزاً محورياً في المنطقة التي تعتبرها جسراً يصلها بأوروبا وأفريقيا وآسيا، لا تبتدع جديداً.. فخطوط المواصلات تخدم دائماً استراتيجيات الدول، فخط "برلين ـ بغداد الحديدي"، ذو الشهرة العالمية التاريخية، كان يتصل بالصراع السياسي بين ألمانيا وبريطانيا، وهو الصراع الذي أدى إلى الحرب العالمية الأولى، لأن ألمانيا كانت تريد استخدام الخط الذي تمده، بموافقة السلطان، ليصل إلى البصرة عن طريق آسيا الصغرى، بالخط الأوروبي "اسطنبول ـ فيينا ـ باريس"، في مد نفوذها إلى الشرق الأوسط وثروته النفطية حول الموصل، مما دفع بريطانيا إلى الاحتجاج لدى الباب العالي (العثماني).
وهذا الخط بالذات، هو ما تقترح إسرائيل تجديده.. ليصل مصر بتركيا عن طريق لبنان.. هذا بالإضافة إلى اقتراحها الخاص بتجديد خط سكة حديد الحجاز القديم، الذي كانت دوريات "لورانس"، عضو المخابرات البريطانية، أثناء الحرب العالمية الأولى، تعمل على تقطيعه بمساعدة قوات الشريف حسين لعزل القوات العثمانية في المدينة المنورة والحجاز..
وعلينا أن نلاحظ، أن هذا الخط يمتد من حيفا إلى عمان من خلال درعا بسوريا، والذي كان يمتد منها إلى دمشق شمالاً وإلى المدينة المنورة جنوباً.. وإحياء هذا الخط سيعمل على اتصال عمان بحيفا، وسوريا بالبحر والسعودية بإسرائيل.
أيضاً، تفكر إسرائيل في مد خط سكة حديد، من البحر الميت إلى البحر الأحمر لنقل خام الفوسفات، وخط أخر يصل البحر الأحمر بالبحر المتوسط ليخدم النقل في كل من الأردن وإسرائيل ومنطقة الحكم الذاتي الفلسطينية.. كذلك، إعادة مد الخط من القاهرة إلى رفح، غزة، حيفا، لبنان؛ والذي دمرته أثناء عدوان 1967، ثم نزعت قضبانه لتغطية أسقف النقط الحصينة في خط بارليف أثناء حرب الاستنزاف لتقليل تكلفة بناء الخط الدفاعي.
النقطة الثالثة.. أن اهتمام إسرائيل بعنصر المواصلات يتبدى بوضوح من خلال وثائقها المقدمة إلى كل المؤتمرات المشار إليها، الدار البيضاء وعمان والقاهرة والدوحة، حيث قدرت الاستثمارات المطلوبة في القطاعات المختلفة لمشروعاتها المقترحة، بناء على الأوراق المقدمة متها إلى هذه المؤتمرات، في حدود 18 ـ 27 مليار دولار، خص قطاع النقل والمواصلات والقنوات 6 ـ 7 مليارات، أي 25 ـ 33 بالمئة، من مجموع الاستثمارات التقديرية لخلق خفة الحركة لأفرادها وسلعها وخدماتها في التحرك فيما سمته بجماعة إقليمية على غرار الجماعة الأوروبية.

وماذا بعد(؟!)..
وبعد.. فإن ما سبق لا يعبر، ولا يمكن أن يعبر، عن خيالات إسرائيلة في كيفية بناء "الشرق الأوسط الجديد"، إنما يؤكد على أن هناك سيناريوهات مؤسسة على خطط تستهدف القيام بهذا البناء.. بل إن هذه الخطط، كما تدل عليها "الوثائق الإسرائيلية" شملت دراسات الجدوى وطرق التمويل الدولية والإقليمية.
يكشف لنا ذلك، أن التفكير الإسرائيلي في "السلام" لا يختلف عنه في "الحرب"، وأن التصور الإسرائيلي في مرحلة التسوية لا يختلف عنه في مرحلة الصراع، اللهم إلا في عدم استخدام القوة المسلحة (والتهديد بها إذا لزم الأمر)..
إذن، الأهداف هي، هي، لم تتغير، وبدلاً من الضربات الإجهاضية والخاطئة ونقل الحرب إلى أرض العدو، يتم الأن التخطيط (.. بل البدء في تنفيذ هذا التخطيط)، الشامل للمنطقة، عبر المشاريع الممولة دولياً وإقليميا وعبر شبكات الطرق والمواصلات.. وأولى الخطوات، هنا، هو مشروع "قناة البحرين".

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية