في اجتماعه القطري المنصرم ناقش حزب البعث السوري كثيرا من القضايا والمشكلات، وكان من التوصيات التي صدرت عن الاجتماع: الدعوة الى التخفيف من قيود قانون الطوارئ المطبق في سورية منذ اكثر من عقدين من الزمن، ولست بصدد مناقشة اجتماع الحزب وما تمخض عنه، لكن الكلام عن هذا القانون اثار كثيرا من الشجون والآلام, ففي مصر ايضا يبسط قانون الطوارئ ظله على البلاد منذ نحو ربع قرن، وما زالت احزاب المعارضة ومنظمات حقوق الانسان تطالب بإلغاء هذا القانون لما ينطوي عليه من منح الاجهزة الامنية صلاحيات واسعة في الاعتقال الاحترازي للمعارضين السياسيين دون توجيه تهمة محددة، مع ما يصحب ذلك عادة من تصرفات تعسفية تخل بالكرامة الآدمية لأولئك المعارضين وحتى نكون منصفين مع انفسنا فان مصر وسورية -القطرين العزيزين على قلوبنا- ليسا بالقطرين العربيين الوحيدين اللذين يُحكمان وفق قانون الطوارئ، وربما كان هناك شيء من الشجاعة الأدبية في الاقرار بان القانون السيد هو قانون طوارئ، لكن الحقيقة التي لا تحفل برونق الالفاظ والمصطلحات بل بالمدلولات والمضامين، اقول هذه الحقيقة تشهد بأن معظم اقطار العالم العربي محكومة فعلا بقوانين طوارئ دائمة، ولكنها لا توسم بذلك الاسم صراحة كما في القطرين المذكورين، فمن يتأمل تقرير منظمة العفو الدولية عن حقوق الانسان في دولنا العربية لا يكاد يجد دولة واحدة تخلو من تلك الممارسات السيئة، وان كان هناك بالطبع تفاوت بين وملحوظ بين قطر وآخر، فحبس المتهم على ذمة التحقيق دون الاكتفاء بكفالة او ضمان يمثل احد القواسم المشتركة في قوانينا العربية، والمعتقلون السياسيون هم الزبائن المزمنون في تلك المعتقلات، اضف الى ذلك القوانين التي تقيد حرية التعبير عن الرأي وتنظيم المسيرات والمظاهرات السلمية ومنع التجمعات غير المرخصة وتصنفها ضمن الجرائم المخلة بأمن الدولة، ومن البدهي ان احدا لن يصادر حق الدولة في ضبط الأمن وكبح جماح الغوغاء غير ان ذلك ايضا لا يبيح الغاء حق المواطنين في استعمال وسائل التعبير السلمي عن موقفهم ازاء ممارسة سياسية ما للأنظمة الحاكمة تمس شؤونهم وربما طالت في بعض الاحيان لقمة عيشهم.
غير ان السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: إلى متى ستظل قوانين الطوارئ السافرة منها والمقنعة هي الخيار الوحيد الذي تفضله انظمتنا الحاكمة لضبط الامن وصون السلم العام للمجتمع؟, ألم تكف كل هذه العقود الطويلة لاثبات عجز تلك القوانين سيئة السمعة عن تحقيق ذلك الهدف؟ نحن في مطلع الالفية الثالثة والعالم من حولنا يتبدل ويتغير بسرعة مذهلة ووسائل الاعلام تنقل كل ما يجري من تغييرات وثورات، الم يحن الوقت بعد للوصول الى صيغة عقد سياسي جديد يتناسب مع طبيعة التغيير السريع والضغوط الخارجية المتعاظمة على انظمتنا الحاكمة وشعوبنا التابعة؟
ولعلك تسأل بحق: وما علاقة الطوارق بالموضوع؟ أهو الولع بالمجانسة التحسينية واللعب بالألفاظ؟ إننا وبعد مرور هذه العقود الطويلة ما زلنا نعيش في حال طوارئ مستديمة! وحسبك بذلك دليلا على عجز تلك القوانين فلو كانت ناجحة فاعلة لارتفع وصف حالة (الطوارئ) عن بلادنا، اما والحال كذلك فما أجدرنا بان نقتدي برجال الطوارق فنرخي اللثام على وجوهنا نتوارى من شعوب العالم الحر خجلا وانكسارا!!