استهداف الاسلام عقيدة ونبيا ومسلمين ودور عبادة وباختصار كل ما يمت له بصلة، أصبح على ما يبدو مسلسلا ليس له نهاية. وقد أضيف اليه مؤخرا ما أدلى به كثير من المعتقلين السابقين في معتقل گوانتانامو، وما نشرته مجلة " نيوزويك الاميركية "، وتراجعت عنه لسبب او لآخر على الارجح أنه جراء ضغوط مورست عليها من جهات اميركية رسمية ، عن تدنيس القرآن الكريم على ايدي فئة من المحققين العسكريين الاميركيين في هذا المعتقل والذين لم تردعهم أية حرمة لهذا الكتاب السماوي المقدس، أو ما يرمز بالنسبة للمسلمي ، فقذفوا به الى المراحيض وداسوه بأقدامهم بكل حقد وتحد لمشاعر كل المسلمين في العالم، واستخفافا بهم وتحقيرا لأقدس مقدساتهم.
*) لقد جاءت هذه الحادثة النكراء، ولم ينس المسلمون بعد حادثة الفيلم الهولندي " الاذعان" للمخرج الهولندي " فان گوخ " الذي مسّ هو الآخر بمشاعر المسلمين. ولعل منظرا واحدا كان كافيا لاثارة هذه المشاعر تمثل في كتابة آيات من القرآن الكريم على جسد امرأة عارية وفي أماكن دون الصرةٍ، اعقبها حرق أكثر من عشرين مؤسسة ومركزا ومسجدا اسلاميا في هولندا على أيدي متطرفين عنصريين.
*) وكثيرة كثيرة ومتنوعة هي الحالات المشابهة، وتكاد لا تحصى التي تعرض فيها الاسلام رموزا وقيما ومبادىء ومؤمنين به للانتهاك والاستفزاز والتحدي والقذف والشتم وتشويه الصورة والحقيقة والصاق صفات الارهاب والعنف والجريمة والقسوة والاكراه وعدم التسامح به في اطار حملات معاداة وكراهية وتمييز عنصري ومذهبي .
*) ولسنا هنا بصدد التركيز على حادثة دون اخرى، أو حتى مجرد احصاء الحوادث التي استهدفت الاسلام أو تحديد مصادره ، فكل الحوادث سواء ولا فرق بين مساس في العقيدة الاسلامية وآخ . الا أن ثمة ملاحظة ينبغي التنويه لها وهي أن هذه الانتهاكات تأتي في غالبيتها من بلدان يفترض بها أنها ديموقراطية وتؤمن بحرية الاديان والمعتقدات. ومثالا لا حصرا بريطانيا، هولندا، الدنمر ، السويد ، وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي يعاني الاسلام والمسلمون الامرين فيها.
*) في اعتقادنا والحال هذه ان مثل هذه الانتهاكات الفاضحة تندرج دون ادنى شك تحت مسمى واحد هو صراع الحضارات او الثقافات ، ولكنه هنا يأتي من طرف واحد هو الطرف الذي يشعل فتيل هذه الانتهاكات ويؤجج اوارها في كل مرة، ويقوم بتصعيد حدتها ووطأتها آخذا بعين الاعتبار ان ردود افعال الطرف الآخر المستهدف لن تكون ذات شأن، أو أنها ستكون معدومة.
*) فيما يخص ردود الافعال على الافعال العدوانية الموجهة ضد الاسلام والمسلمين، فإنها تكاد تكون معدومة او ليست ذات أثر. والحديث هنا عن ردود افعال الانظمة السياسية والمؤسسات التي يفترض ان تكون خط دفاع عن الاسلام وحامية ل ، ومثالا لا حصرا الازهر الشريف ومنظمة المؤتمر الاسلامي وكل الجمعيات والمؤسسات والتجمعات الاسلامية العاملة والمتواجدة في اميركا واوروبا. أما ما يخص ردود افعال الشارع الاسلامي ، فلا أحد ينكر أن هناك ردودا تحدها أو تمنعها سياسات الانظمة السياسية كما حدث في بعض الاقطار الاسلامية وبخاصة في دولة افغانستان مثالا لا حصر .
*) وهنا لا بد من طرح سؤال صريح على أنفسنا نحن المسلمين وعلى العالم ايضا: هل أن ما يجري هو حرب على ما يسمى بالارهاب، أم انه في حقيقة أمره حرب على الاسلام؟ وحتى نكون منصفين وموضوعيين فان هذه الحرب على ما يسمى بالارهاب قد خلطت الحابل بالنابل سواء كان ذلك عن قصد او غير قصد، والاغلب انه عن قصد، ويحمل في طياته أهدافا معادية للاسلام.
*) ان الحرب على ما تسميه الولايات المتحدة وحلفاؤها ارهابا وفي غمرة عجز الانظمة السياسية العربية والاسلامية وارتمائها في احضان السياسات الاميركية، قد جعلت هذه الحرب مفتوحة دون تحديد دقيق لمفهومها واتجاهاتها أو حدودها، الامر الذي فتح شهية الحاقدين على الاسلام والمسلمين وجعلهم يتفيأون ظلال هذه الحرب وينعمون بكل " انجازاتها" أو ان يتصوروا أنفسهم وكأنهم طرف رديف له .
*) وسؤال آخر يمكن طرحه في ذات السياق: هل أن ما يجري هو في حقيقته صراع حضارات ؟ واذا كان الجواب عكس ذلك فأين اولئك الذين يعقدون مؤتمرات حوار الحضارات، أين أصواتهم، أين تأثيرهم، أين ردود افعالهم ازاء ما يتكرر حدوثه من انتهاكات موجهة تحديدا للاسلام والمسلمين ؟
*) ومرة اخرى ولن تكون الاخير ، ان الامر يخص اصحاب الشأن المستهدفين وهم هنا المسلمون سواء كانوا شارعا سياسيا أو منظمات وجمعيات أهلية أو انظمة سياسية رسمية. ان الدين دينهم والعقيدة عقيدتهم، والقرآن قرآنهم، والرسول صلى الله عليه وسلم رسولهم، وتاريخ الاسلام تاريخهم، ولم يعد شيء من هذا وذاك الا مستهدفا ومنتهكا، والمفترض أنهم حماته والمساس به مساس بهم وتحقير له . وثمة وسائل كثيرة ليدافع المسلمون بها عن انفسهم وعقيدتهم ، والامر لا يتعلق باعلان حرب تسيل فيها الدماء ، وانما بصحوة ، واحترام للذات وصون للكرامة وغيرة على المعتقد والثقافة والتراث. ورحم الله الشاعر العربي الذي قال :
لا يُلامُ الذئبُ في عدوانه إن يكُ الراعي عدوَ الغنم .
*) ان الانظمة السياسية الاسلامية التي تمثل نيفا ومليار مسلم في العالم مطالبة قبل شعوبها أن تقوم برد فعل موحد صارم موجه ضد هذه الانتهاكات أيا كان مصدرها ، وثمة وسائل كثيرة تشعر المعتدين الحاقدين ان الامة الاسلامية تحترم الديانات جميعها وتتسامح معها ، وهذا من صلب العقيدة الاسلامية السمحاء . أما انتهاك حرمة هذه الديانات بعامة والديانة الاسلامية بخاصة فهذا خط أحمر لا ينبغي تجاوزه كي لا يحدث ما ليس في الحسبان لا سمح الله ، أو ما لا تحمد عقباه ، وختاما لا نجد ما ننهي به حديثنا خيرا من آية قرآنية كريمة خص بها رب العالمين قرآنه الكريم ، وبشر بها المؤمنين انه محفوظ الى يوم الدين من عبث العابثين وحقد الحاقدين . قال تعالى " إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون " صدق الله العظيم .