لعل أحدا لم يشعر بتفجيرات لندن كشعور سكان مدريد بهذا الحدث ، بسبب قرب الزمان والمكان وتطابق المعطيات والحيثيات والملابسات ، وذلك على الرغم من الفروق البادية حتى ساعة كتابة هذه الكلمات بين حجم الضربة وعدد القنابل التي زرعت في القطارات، وتصرفات الحكومتين في كل من إسبانية وبريطانية "العظمى"!..التي وبعد مرور أيام على وقوع التفجيرات مازالت عاجزة عن ضبط عدد القتلى في هذه الهجمات ، كما استخراج الجثث العالقة تحت سطح الارض ، والتعرف الى هوياتها. كذلك فإن أحدا لايمكنه أن يدرك مشاعر الجالية العربية والمسلمة في بريطانية في هذه الأيام كالجالية العربية والمسلمة في مدريد .
الخوف والتوجس والترقب وانتظار المجهول ، مشاعر رئيسية زلزلت وتزلزل هذه الجاليات كلما حدث شيء من هذه الأعمال التي تتضارب الأقوال والتكهنات بشأنها على الرغم من أنه لايكاد يختلف اثنان على هوية منفذيها ، ولكن هذه الهوية نفسها أصبحت مع الوقت مكان تشكك كبير من قبل المحللين السياسيين خاصة العرب منهم والمهووس معظمهم بنظرية المؤامرة ، وهي في واقع الأمر ليست نظرية مستثناة ألبتة من مجريات الأحداث .
أيها المسلمون ابتهجوا!: كان من أعجب العجب أن تتصدر "هذه العبارة " البيان الصادر عن الجهة التي ادّعت بأنها تقف وراء تفجيرات لندن – باعتبارها الجهة المنفذة فعلا أو ادعاءً لهذه الهجمات- ، وكأن المسلمين أنواع من المخلوقات لاإحساس لديهم ولاشعور ولاإنسانية ، وكأنهم مجرد قطعان هائمة على وجهها تعيش في هذه الدنيا عاجزة عن الفعل وعن رد الفعل اللهم إلا الأفعال الدنيئة كسفك الدماء بغير وجه حق والاعتداء على الأبرياء الآمنين والابتهاج برؤية الأشلاء والقتلى ، وكأن الانتقام هو الشعور الوحيد الذي يجب أن يحركنا ويبهجنا ؟!.
هل يشفّ صدور قوم مؤمنين الاعتداء على الأبرياء ؟ هل يخفف مصيبة أهل فلسطين ومعاناتهم أن نعمد إلى من وقف معنا ضدّ حكوماته المعتدية لنذبحه ذبح الخراف في المجازر؟ هل تُفرح مناظر الأيدي والارجل المقطوعة والأحشاء المندلقة قلب رجل مؤمن بالله ؟ هل يوجد شيء على وجه الأرض يمكنه أن يعزينا في اغتيال الشيخ "أحمد ياسين" ورفاق دربه من القيادات الفلسطينية ؟ فضلا عن أن يكون هذا الشيء قتل الضعفاء من العمال وصغار الكسبة من مواطني هذه الدول الذين هم في حقيقة الحال جندٌ مجهولون في صفوف الحق تراهم أول من يخرج متظاهرا في سبيل حقوق المسلمين المستلبة والتي يتنكب المسلمون أنفسهم عن الخروج دفاعا عنها !.
هذه المشاعر الجاهلية البحتة لانعرفها في اسلام " اذهبوا فأنتم الطلقاء" ، ولا في اسلام "وإن تعفوا وتصفحوا" وهذا في حق المجرمين ، فكيف بنا والضحايا في هذه الاعتداآت من الأبرياء ؟!، مشاعر الانتقام والثأر والتمثيل بجثث الذين نظنهم أعداء ، هذا الخلط الكبير بين الحكومات المجرمة وجيوشها التي تغزو بلادنا وتنتهك حرماتنا وأعراضنا وبين شعوبها التي لايحركها في صناديق الانتخابات وضع المنطقة العربية ولكن تحركها همومها الداخلية الكبيرة والصغيرة ، فهذه الجماهير ليست مسؤولة عما يجري في بلادنا ، نحن المسؤولون عما يجري في بلادنا من ظلم وقهر واستبداد واستعباد وغزو عسكري وثقافي واقتصادي ، ولايمكننا أن نعاقب الابرياء بما جنته أيادي كبار مجرمي الحرب من حكامهم وأركان عسكرهم ، ولابما اقترفته أيدينا نحن من تقصير وقعود وذهول ووهن.
إن هذه العبارة "ابتهجوا " كانت بمثابة ضربة ثانية للجاليات العربية والمسلمة بعد الضربة الاولى في كل من مدريد ولندن.
لقد أصبحت هذه الجاليات ومعظم أفرادها مقتنع بأن الجهات التي تقف وراء هذه الهجمات إنما هي جهات أوربية أمريكية اسرائيلية!! ، ذلك أن أحدا من هذه الفئات الثلاث ماكان بإمكانه التخطيط بشكل أكبر دقة وفعالية لإنزال أشدّ أنواع الأذى بالعرب والمسلمين في هذه البلاد مما يفعله هؤلاء الذين يدّعون أنهم إنما يجاهدون باسم الأمة!.
أذى من كل نوع وشكل ، أذى مادي ومعنوي ووجودي وحضاري وإنساني ، فالحرب ليست ولم تكن حربا عسكرية فحسب ، وإنها لو كانت كذلك لكنا أسقط خلق الله في هذه الغارات الجاهلية التي نشنها كأصحاب الجاهلية الأولى يغدرون بعدوهم في ليل ، لاذمة لهم ولاعهد ولامنطق ولاأخلاق ، من هذا الذي يمكن أن يبهجه رؤية الجثث مكدسة في أنفاق المترو والقطارات ممزوجة لحوم البشر وعظامهم بحديد القاطرات وبلاستيك المقاعد ؟ إن هذا لا يبهج إلا قوما تجردوا عن معاني الانسانية والرحمة والايمان بالله ، إننا إذ ذاك لانختلف كثيرا عن "كتائب لبنان" ، ولا عن "هجانة اسرائيل" ، ولاعن "وحوش ألمانيا النازية" ولا "سوفييت ستالين".
لقد أصبح اسم "القاعدة" في أذهان الجاليات العربية والمسلمة المقيمة في هذه البلاد مرادفا للفظة "المؤامرة" التي صاحبت حياتنا ووجودنا ، لعل ذلك أننا لانريد أن نعترف بهذا الخلل الفاحش والفادح في أوضاعنا التربوية والسلوكية والفكرية ، خلل خطير في صياغة شخصيات فئة من شبابنا الذين حفظوا النصوص عن ظهر قلب حفظا عقيما شاذا يجعلهم أجهل الناس بمقاصد الشريعة الانسانية والاجتماعية .
شباب لاتعرف الرحمة إلى قلوبهم سبيلا ، حفظوا الآيات والأحاديث ، بل وحفظوا معها أقوال فلان وفلان من أكابر علماء الأمة ولكنهم لم يجدوا المربي الذي يمكنه أن يصنع فيهم القدرة على وعي ماتريده النصوص ولاعلى فهم الفقه الانساني الحقيقي الذي ينبثق من هذه النصوص ، وليس افتقاد المربي الديني فحسب ، بل إنها جريمة ثلاثية الأبعاد يشترك فيها البيت والمدرسة والدولة ، كل ذلك منح أصحاب نظريات "المؤامرة " المبررات اللازمة للاعتقاد بأن هؤلاء الشباب بوعيهم القاصر وفقههم المعدوم يشكلون الفريسة الممتازة لأجهزة الاستخبارات العالمية تحركهم وتستخدمهم كيف تشاء لضرب مصالح المسلمين وزلزلة الارض من تحت أقدامهم خاصة في هذه المناطق من أوربة والتي بدأ الوجود الاسلامي فيها يمتد بشكل لايرضي كثيرا ممن نصّبوا أنفسهم أولياء لأمر "الكرة الأرضية" !! .
لسنا من أنصار هذه النظرية ولانعتقدها ولكنها في واقع الأمر جديرة بالبحث والتقصي والتأمل والوقوف طويلا لدى المعطيات التي تحفز أصحابها لاعتناقها.
إسبانية جندّت تفجيرات لندن لفتح ملف قضية الهجرة في البلاد المتاخمة للمغرب العربي الذي يقضّ بضعفه وفقره وتخلفه مضاجع أوربة الاتحادية العملاقة اقتصاديا وسياسيا وعلميا ومدنية ! لقد انتهز اليمين الاسباني هذه التفجيرات في لندن ليعلن الحرب على الجاليات العربية المقيمة في اسبانيا أكثر مما فعلت بريطانيا نفسها ، استيقظ "أثنار المغوار" من هجعته في "جورج تاون" وراح يذكر الشعب الاسباني بأنه طالما نبه إلى خطورة هؤلاء المسلمين في البلاد وبأنهم "جميعا" ليسوا إلا مجرد "خلايا نائمة " لاأحد يعرف متى تستيقظ للضرب والتفجير ، تماما كما يفعل هو وحزبه في النفخ في قربة الحقد والكراهية ، هذه الكراهية والتي يجب أن تتجه للمسلمين وللمسلمين فقط ، "قوم لادين لهم ، لأن دينهم الكراهية ، وقرآنهم لاشيء فيه إلا ترديدا لانهائيا لأوامر قتل أصحاب الحضارة الغربية وقيمها الراقية الرفيعة التي لاينام المسلمون وهم يحلمون جميعا – المليار وثلاثمئة مليون إنسان – بتدميرها والقضاء عليها ، حتى يُحلوا مكانها قيمهم ، من قهر المرأة وسحقها ورجم الناس وقطع أيديهم " !! هذه هي الصورة التي تنفخ فيها معظم الصحف الاسبانية والاذاعات والتلفزيونات دون انقطاع ولاهوادة ولاهدنة .
حكومة الحرب "الأثنارية" التي لم تستطع تفجيرات مدريد القضاء عليها ولاتغيير قناعاتها ولاتبديل الأصوات الأحد عشر مليون التي تدعمها في صناديق الاقتراع ، هذه "الحكومة النائمة" استيقظت مع تفجيرات لندن ، جيوش لاتعد ولاتحصى من الكتاب والصحفيين والمعلقين والمحللين السياسيين تنفخ في نيران حرب أهلية ضد المسلمين آتية لامحالة في هذه البلاد مالم يقدر الله بلطفه أمرا آخر.
كبرياء البريطانيين تمنعهم دائما من الإتيان بتلك الأفعال التهريجية التي تقوم بها شعوب أخرى كلما ألمت بها نازلة ، الحكومة البريطانية تمنع كاميرات أجهزة الاعلام من تصوير الآلام البريطانية والدموع البريطانية والقهر البريطاني ، منعت تصوير الجثث والجراح والأيدي والأرجل المبعثرة في كل مكان ، الهدف من ذلك بالدرجة الأولى حفظ ماء وجه الأمة البريطانية واحتفاظها بمكانتها المرموقة بين شعوب العالم . ليس أعظم انكسارا وهزيمة من أمة تعرض آلامها وجراحها وانهيارها نفسيا على مرأى ومسمع من العالم ، درسٌ حضاري بليغ كان يجب أن يتعلمه كثيرون ، ومنهم شعوبنا التي تكثر الندب والعويل والبكاء وشدّ الشعر وشقّ الجيوب أمام كاميرات العالم التي تنقل عنا صورة بائسة لشعوب لاتعرف كيف تضبط انفعالاتها ولاكيف تحترم آلامها ولاكيف ترضى بالقضاء ، كذلك فان إسبانيا في حينه لم تحسن التصرف في هذه القضية ، فلقد بالغت وسائل الاعلام في حينه في الندب والعويل ، شعب حلبات المصارعة والمشاعر المتوهجة دائما لم يستطع أن يضبط مشاعره كما فعل البريطانيون أثناء هذه التفجيرات .
كلتا الحكومتين الاسبانية والبريطانية حاولتا الكذب على شعوبهما وعلى العالم ، الحكومة الاسبانية كذبت صراحا وادعت أن الجهة التي تقف وراء تفجيرات قطارات مدريد هي منظمة "ايتا" وذلك كسبا للوقت في معركتها الانتخابية ، يجب أن نسجل للتاريخ أن تفجيرات قطارات مدريد لم تسقط حكومة "أثنار" ولكن أسقطها كذبه على شعبه .
"بليير" لم يكن أكثر صدقاً من "أثنار" ومازالت المعلومات وعلى الرغم من مرور أيام على تفجيرات لندن تعطى بالقطارة، أراد أن يربح المعركة مع الارهاب أمام ناظري العالم في اجتماع الثمانية ، وقد فعل.
كلا الرجلين "أثنار" و"بليير " اِدّعيا أن هذه الهجمات الارهابية إنما تستهدف الحضارة والقيم والحياة الغربية ، وقد كذبا كليهما كما كذب من قبل ذلك القابع في البيت الأبيض ، لقد بلغ الأمر بهؤلاء القوم أن انتُدِب "أثنار" المطرود من حكم إسبانيا – وليس من الحياة السياسية ولا الاجتماعية فيها - الى جامعة "جورج تاون" الأمريكية ليعمل محاضرا فيها مكافأة له على خدماته الجلى في حق الادارة الأمريكية حينما كان يحكم اسبانيا ، وقد بلغ به الحال أن يقول أمام أسياده في إحدى محاضراته : إن تفجيرات مدريد لاعلاقة لها بحرب العراق ولا فيم يجري في منطقة الشرق الأوسط ، وأن هؤلاء الارهابيين كانوا قد خططوا لها لأنهم يريدون أن يستعيدوا مايسمى بالأندلس .
بالطبع هؤلاء "القوم" – قومنا- هم الذين أعطوا أثنار وأمثاله المبررارات الكافية لركوب هذه الموجات ، وخاصة زعيمهم في "تورا بورا " الذي كان يتنزه في تلك السهول وهو يقول للعالم سنستعيد الأندلس!!، الأندلس التي لاوجود لها بالطبع إلا في كتب التاريخ ومسلسلات الدراما التاريخية السورية ، حتى أن معظم أبناء الشعب الاسباني لايعرف أي علاقة بين اسم الأندلس ومقاطعة "أندلوثيا " الجنوبية ، وقد بلغ الأمر بأحد كبار معدي نشرات الأخبار في القناة الخامسة التلفزيونية المناهضة لأثنار وحزبه أن يتساءل : عن أي أندلس يتحدث أثنار؟ ، وهل حقا يوجد بين العرب من يفكر بالأندلس على أنها قطعة من تاريخهم ؟!.. إنهم لايعرفون أن العرب لايعرفون الاعتراف بهزائمهم ولو بعد مرور خمسمئة عام.
الأندلس قطعة من تاريخنا الذي ضاع وانتهى بسبب حماقاتنا وتشرذمنا وتفرق كلمتنا في ذلك التاريخ كما هو الحال عليه الآن ، حتى أن "قناة الجزيرة" في إحدى المقابلات كانت في خريطة خاصة باسبانية قد وضعت اسم "أندلسية" على مدينة شمال اسبانية ، الاندلس – مقاطعة أندالوثيا الجنوبية في اسبانية - تاريخ مضى ولم يبق منه إلا آثار عمرانية تستخدمها مقاطعة أندالوثيا لدغدغة عواطف الحمقى منا حتى يتهافتوا على مدنها الساحلية الجنوبية ليغرقوها بالعملات الصعبة على موائد الخمر والقمار ، وذلك قبل أن تمتد الصحوة فتقوم بعض الدول العربية ببناء مساجد ضخمة في المنطقة التي لايقصدها العمال والطلبة من المهاجرين والذين يشكلون سدة ولحمة الجالية التي ترتاد المساجد عادة .
هذه الأندلس لاتكاد تذكر في بقية أنحاء اسبانبا لامن قريب ولامن بعيد ، اللهم إلا في بعض كتب التاريخ والجغرافيا القديمة أو في الجامعات وحلقات العلم الخاصة المغلقة على عدد يناهز أصابع اليد الواحدة من المشتغلين في التاريخ واللغة.
ثلاثة أمور على غاية من الأهمية يجب أن تكون واضحة في أذهان الجميع في مثل هذه الأيام شديدة الحساسية من تاريخ الوجود الاسلامي في الغرب ، أولها فهم الطبيعة الاجرامية للاعتداء على الأبرياء الآمنين ، طبيعة جاهلية بحتة لاتمت إلى الاسلام بصلة ، لابد من إدانتها ورفضها وإنزالها منزلتها من ديننا الحنيف ، وثانيها أن هذا الرفض وهذه الإدانة ليسا خاصين بهذه المجموعات التي تنفذ هذه الهجمات في أوربة باعتبارها سلسلة من الردود المدروسة بعناية فائقة - من وجهة نظر التحليل السياسي – على غزو العراق ، الهدف منها زلزلة الارض سياسيا تحت أقدام أولئك الزعماء الأربعة الذين ظهروا في صورة "تلك الجزر البرتغالية " وقد قرروا من عند أنفسهم وبكل غرور وصفاقة واستعلاء أن يتَحَدّوا العالم ويغيروا وجه التاريخ بغزو العراق !..بدأت بعض الصحف الاسبانية المنصفة تسمي تلك الصورة "الصورة الملعونة" !.
الادانة يجب أن تشمل الجميع المعتدي على الأمم كما المعتدي على الشعوب ، ذلك الآت من وراء البحار كما هذا الملتصق بكرسي الحكم اغتصابا وقهرا لرعاياه ، الغازي بلدان الآخرين بقنابله وطائراته وبوارجه ، وغازي الآمنين الأبرياء ، كلهم في هذه الجريمة ضد الانسانية سواء .
أما الأمر الثالث الذي يجب أن نعرفه والذي تعرفه الشعوب الغربية أكثر منا على الرغم من كذب سياسييها وادعاآتهم ، فهو أن هذه الهجمات الاجرامية لاتستهدف أبدا الحضارة الغربية ولامدنيتها ولاقيمها ، ولكنها تأتي في سياق ردّ فئات من العالم العربي والاسلامي على ذلك الغزو السافر ، ردّ غير أخلاقي من حيث اختياره الأهداف الانسانية ، ردٌ لايمكن إنزاله إلا في مكانه وصفته بأنه عملٌ إرهابي لأنه اعتداء على الأبرياء ..رد عشوائي وحشي غير إنساني في زمان يفتقر فيه شباب الأمة الى القيادات القادرة على الأخذ بأيديهم نحو الطريق السوية للجهاد لاللارهاب ، وللكفاح ضدّ المستعمر لاللاعتداء على الأبرياء ، ولمناهضة العدوان لا للانتقام والثأر .
يجب أن نعرف أن الأبرياء في كل من مدريد ولندن وبغداد وتورا بورا وغزة يدفعون وحدهم ثمن كل الأعمال الارهابية سواء جاءت من قبل دول عظمى إرهابية لاتتردد في إلقاء أمهات القنابل على رؤوس الأبرياء لتعاقب رجلا واحدا ، أو جاء من قبل جماعات تريد أن تنتقم من هذه الدول فلاتتردد في هذا القتل الجماعي ، مع فارق جوهري في حذق مهارات حروب القرن العشرين والواحد والعشرين ، أن تلك الدول تحسن قتل مائة ألف بعيدا عن أعين العالم وهي تدّعي التحضر والمدنية والانسانية ، أما هؤلاء القوم فهم يقتلون عامدا متعمدا حفنة من الناس أمام سمع وبصر العالم مشيعين فيه الرعب والرهب من هذا الدين وأهله ، محققين أهدافهم السياسية والاستراتيجية ، ولعلهم أن يربحوا هذه المعركة السياسية الآنية فيخسر أحدهم جولة انتخابية ، أو يضطر آخر الى الاستقالة ، ولعلهم أن يوسعوا دائرة الألم الانساني فيصبح الغربي – هذا ان كان فيه بقية من مشاعر إنسانية - ولديه بعض الشعور بآلام الآخرين التي تتسبب بها سياسات حكوماتهم ، ولكنهم ودون أدنى شك قد تسببوا بأن يخسر الاسلام سياسة وثقافة ومجموعات بشرية حرب هذا القرن .. التي لم نبدأها نحن ، ولم نشنها ونؤججها نحن ، لكننا وللأسف كنا وقودها وأرضها وأكبر خاسر فيها.