تعيش الأجهزة الأمنية في الغرب حالة إستنفار قصوى بعد تفجيرات لندن الأخيرة والتي أدّت إلى مقتل عشرات البريطانيين , وقد فرضت هذه التفجيرات نفسها على صنّاع القرار الغربيين الذين أكدّوا على ضرورة مواجهة خطر الإرهاب بشكل جماعي وتوافقوا على وضع آليّات جديدة للتعامل مع المهاجرين المسلمين المقيمين بطريقة شرعيّة أو المتخفّين الذين صدر في حقّهم قرار بالطرد ويعيشون بلا أوراق رسمية في الغرب. وعلى صعيد المسلمين المقيمين بطريقة غير شرعية في الغرب فقد أوعزت الجهات المختصّة وهي دوائر الهجرة إلى الأجهزة الأمنية بضرورة طرد كل شخص لا يملك حقّ الإقامة في الغرب وبشكل فوري , مع الإشارة إلى أنّ دوائر الهجرة كانت متسامحة إلى حدّ ما مع هؤلاء وكانت تجيز لهم الطعن في قرار طردهم الصادر من دائرة الهجرة , و بعد تفجيرات لندن الأخيرة لم يعد بوسع هؤلاء الطعن وبات مصيرهم الطرد .
أمّا فيما يتعلّق بالجالية المسلمة المقيمة في الغرب و الذي يحمل جلّ أبنائها الجنسيّة الغربية فقد وجهّت إليها العديد من الرسائل السياسيّة الرسمية والتي تشير إلى ضرورة الذوبان في المجتمع الغربي كشرط أساس لإستمرار حصولها على حقّ المواطنة , و قد ذهب وزير الداخلية الفرنسي نيكولا سركوزي إلى حدّ التهديد بنزع الجنسية الفرنسية عن الأئمة الذين تتصادم خطبهم في المساجد مع السياسة الفرنسية الرسمية , مع العلم أنّ القوانين الأوروبية لا تجيز نزع الجنسية عن مواطن نالها بعد إستجماعه لشروط الحصول عليها , و بعض الدول الغربية تنصّ قوانينها على نزع الجنسية في ثلاث حالات فقط وهي :
الإرهاب , وذلك كأن تؤكّد الدلائل المادية الملموسة أنّ الشخص المعني بنزع جنسيته متورط في عمل إرهابي فعليا , أو يتبث أنّه جاسوس لدولة أخرى , أو ينتحل قومية أخرى كأن يكون مصريا ويدعّي ساعة طلبه للجوء أنّه جزائري أو ينسب نفسه لأي منطقه فيها مشاكل أمنية وسياسية ليسهل حصوله على اللجوء السياسي أو الإنساني .
وبعد تفجيرات مدريد ولندن بات المسلمون يحاكمون على فكرهم و مسلكيتهم وحتى عقائدهم علما أنّهم يساهمون إلى أبعد الحدود في النهضة الأوروبية والثراء الثقافي المتنوّع والمتعددّ الذي تحرص أوروبا على الظهور به . وقد بدأت بعض وسائل الإعلام تتهم صراحة الإسلام بأنّه المسؤول عن الخوف القادم إلى أوروبا , و في سابقة خطيرة دعت إذاعة دانماركية إلى طرد المسلمين من الدانمارك لأنّم يشكلون خطرا على المجتمع الدانماركي و قبل ذلك تهجم سياسيون يمينيون دانماركيون على الإسلام وروسوله الداعم للإرهاب في نظرهم . وقد قررت الشرطة الدنماركية إجراء تحقيق لتحديد ما إذا كانت اذاعة "راديو هوغر" المحلية الدنماركية خالفت القانون المتعلق بالعنصرية ، بعد دعوتها إلى طرد المسلمين من أوروبا الغربية لمكافحة الإرهاب. و على الرغم من أنّ مثل هذه الدعوات تعّد تجاوزا على قانون حرية التديّن الذي تعمل به الدانمارك إلاّ الجهات الرسمية الدانماركية لم تحرك ساكنا تجاه هذه الدعوات .
وقال كاي فيلهلمسن، معلق "راديو هولغر" اليمينية المتطرفة التي تبث من كوبنهاغن أن محاربة الإرهاب تكون "إما بطرد جميع المسلمين الأجانب من أوروبا الغربية لكي يكفوا عن وضع القنابل، وإما بابادة المتطرفين أي بقتل عدد كبير من المسلمين المهاجرين".
و قد قررت الشرطة الدنماركية إجراء تحقيق لتحديد ما اذا كانت "راديو هوغر" خالفت البند 266 من القانون حول العنصرية الذي ينص على عقوبة قد تمتد إلى سنتين من السجن لمن يخالفه.
وقال مفتش في شرطة كوبنهاغن الجنائية بير لارسن أن "مكافحة الارهاب لا تشرع أي شكل من أشكال التطرف ولا هذه التصريحات التي نعتبرها مهينة ومذلة للجالية المسلمة".
ودعت اللجنة المركزية لمراقبة الإذاعات ومحطات التلفزيون من ناحيتها إلى اجتماع طارئ في 16 آب/اغسطس من أجل البحث في سحب إجازة البث بشكل مؤقت من "راديو هولغر".
وقال رئيس اللجنة للإذاعة الرسمية "دنماركس راديو" كريستيان شيرفيغ "هذه الحادثة خطيرة لدرجة أننا قررنا عقد جلسة استثنائية للبحث في المسألة".
وقال جيرغن اربو-بهر من "لائحة الوحدة" (شيوعيون سابقون، يسار متطرف) "إنني أعجب لصمت الحكومة (ليبرالية محافظة) والمعارضة ووسائل الإعلام وهم أول من يحتج بشدة عندما تدعو منظمات أسلامية امثال حزب التحرير الى قتل اليهود".
وأكد أن "هذا يظهر أن الحكومات وأحزاب عدة يرفضون الإعتراف بوجود العنصرية في الدانمارك".
ويشكل المهاجرون حوالي 5% من سكان الدنمارك (5.4 مليون نسمة)، حوالي 3% منهم من المسلمين ويساهمون بشكل كبير في تفاصيل الحياة الإقتصادية والإجتماعية الدانماركية .
و يعتبر جهاز المخابرات السويدي ـ سيبو ـ أن قضية الإرهاب هي أهم القضايا التي تواجهه في الوقت الراهن، وتستمد خطورتها من وجود مجموعات في السويد تسعى إلى إستخدام العنف ضد الهياكل الديمقراطية في المجتمع كما يقول رئيس جهاز المخابرات السويدية كلاس بريستراند:
نحن نعرف أنّ في السويد أشخاصا يعملون على هذا النوع من الخطط ، يقول بريستراند ويضيف وهناك أشخاص يدعمون النشاطات الإرهابية في بلدان أخرى , ويمضي إلى مزيد من التحديد فيقول :
إنهّم مجموعات صغيرة في السويد منخرطة في شبكات عالمية لها أهداف متطرفة يوحدهم الدين ، العنف والتطلع إلى السلطة بوسائل غير مناسبة . وهذا النوع من المجموعات هو ما يتعين أن نحدده ، ونوجد القوانين التي تعالج نشاطاته الإجرامية أو إبعادهم عن البلاد ، هذا النوع من الناس لا مكان لهم هنا.
حديثك يدور عن المتطرفين الإسلاميين في السويد , كم هو حجمهم ؟
و عن هذا السؤال يرد بريستراند قائلا :
لن نكشف عن أية أرقام بصورة رسمية ، ولكني أود التشديد على أن الأمر يتعلق بأشخاص قلائل. ويدلل رئيس جهاز المخابرات السويدية على وجود خلايا إرهابية في السويد بالحكم الذي أصدرته محكمة بلديّة ستوكهولم ضد عراقيين أدينا بجمع أموال لتمويل عمليات مسلحة في العراق ضد القوات الأمريكية , مشيرا إلى أهمية أن يقوم جهازه وأجهزة الأمن الأخرى برسم صورة دقيقة عن المخاطر التي تواجه السويد ، وما إذا كان من المحتمل ان تواجه السويد إعتداءا مثل ذلك الذي تعرضت له العاصمة الإسبانية مدريد ف ، حيث نجح أشخاص لم تشتبه بهم الشرطة في تنظيم إعتداء كانت كلفته حياة أكثر من مئة وتسعين أنسانا , وهنا أجاب رئيس المخابرات السويدية بأنّ هذا الخطر يواجه الآن جميع البلدان ، أن يتواجد فيها أناس لديهم الخطط والوسائل البسيطة وبتنسيق جيد يتمكنون من شن إعتداءات قد تنجم عنها مجازر.
ويتطلع جهاز المخابرات السويدية –سيبو- إلى تعديلات قانونية تتيح له التنصت على المكالمات الهاتفية ، ونصب كاميرات خفية، ومراقبة الرسائل البريدية والإلكترونية. وسيطرح قريبا مشروع قانون يتيح التنصت على المكالمات الهاتفية للحيلولة دون حدوث جرائم ، فيما يتيح القانون الساري الآن ذلك فقط للكشف عن جريمة أرتكبت بالفعل، ويؤكد بريستراند أن الهدف هو فقط الوصول إلى الأشخاص الذين قد يلحقون الأذى بالحريات والحقوق الديمقراطية.
ويختم رئيس المخابرات السويدية حديثه بالقول أن ممارسة هذه الصلاحيات يتعين أن تكون تحت رقابة المحاكم والهيئات المختصة.
وفي بريطانيا فقد قررّ رئيس الوزراء توني بلير سياسة هجوم حادة على ما أسماه بالتطرف الإسلامي والذي يصل إلى حدّ تجريد بعض المسلمين من الجنسيات التي حصلوا عليها , وإغلاق المساجد التي تدعو إلى التطرّف حسب ما أدعّاه بلير . و باتت العواصم الغربية ترددّ نغمة واحدة وهي مواجهة التطرف الإسلامي من خلال مراقبة الوجود الإسلامي بالكامل في الغرب .
وقد تناست المنظومة السياسية الغربية أنّه يصعب التخلص من ثلاثين مليونا من المسلمين باتوا يشكلون جزءا لا يتجزّأ من المنظومة الإجتماعية في الغرب بل إنهم ساهموا في تحقيق التوازن السكاني وتحديدا في دول شمال أوروبا التي شهدت تراجعا خطيرا في نسمتها كالسويد والنرويج والدانمارك وفنلندا وإيسلندا .
و التخوّف الكبير الذي تبديه المؤسسات الرسمية في الغرب هو نزوع بعض أفراد الجيل الثاني المولود في الغرب نحو العنف والتطرف و خصوصا بعد أن تبث أنّ الذين فجرّوا الحافلات في العاصمة البريطانية لندن هم من الجيل الثاني الذي ولد في أوروبا وتعلمّ في المدارس الغربية وتشربّ من الثقافة الغربية وحضارتها وعاداتها وتقاليدها .
و مع إرتفاع حالات الأسلمة بين الشباب الغربي فإنّ الأجهزة الأمنية الغربية باتت متخوفة إلى أبعد الحدود من أن يتحوّل هؤلاء إلى الفكر المتطرّف كما هو شأن العديد من شباب العالم العربي والإسلامي . وقد بدأت هذه الأجهزة تراجع العديد من الكتب الإسلامية المترجمة إلى اللغات الغربية و صفحات الإنترنت عن الإسلام باللغات الغربية لمعرفة كيفية تفكير هذا الشباب الغربي .
والعواصم الغربية التي يعني لها الأمن القومي الكثير تنظر بكثير من الخوف إلى هذه التحولات في الواقع الإجتماعي , و في الوقت الذي تطالب فيه المؤسسات الإسلامية في الغرب بعدم إستئصال الجالية المسلمة وعدم جواز محاكمتها بالمطلق وضرورة إعتبار أعمال العنف فردية لا تمثلّ الإسلام الحضاري في شيئ ولا تمثلّ الجاليات العربية والإسلامية لا من قريب ولا من بعيد , فإنّ البعض في الدائرة الرسمية الغربية و الدوائر السياسية والإعلامية يصّر على توجيه الإتهّام للإسلام والمسلمين ويطالب المسلمين بتغيير فكرهم وعقائدهم وحتى عاداتهم وتقاليدهم إذا أرادوا الإستمرار في العيش ضمن المنظومة الغربية .
و يتخوّف المسلمون في الغرب من أن تصبح أوضاعهم أشبه بأوضاع المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية حيث الحكم على المواطن من أصل عربي ومسلم بالشبهة وبدون محاكمة وتبعا لما يعرف بالأدلة السريّة المعمول بها في أمريكا .
ولأجل ذلك يؤكّد مسلمو الغرب على أنّ كل قنبلة تنفجر في الجغرافيا الغربية تنعكس سلبا على تفاصيل الوجود الإسلامي في الغرب وتقوّض أركانه من أساسها , و لمواجهة كل هذه التحديات تطالب المؤسسات الإسلامية في الغرب المسلمين بالمشاركة وبقوة في الحياة السياسية لضبط إيقاع السياسة الغربية والحؤول دون صدامها مع المسلمين الذين يحرصون على الإندماج المقبول دون التخلي عن عقائدهم !