الأجواء المشحونة ضدّ الإسلام والمسلمين في الغرب ليست وليدة أحداث مانهتن و لا تفجيرات مدريد ولا تفجيرات لندن , فمنذ إنهيار الدبّ الأحمر السوفياتي والمؤسسات الغربية تنظّر للخطر الأخضر القادم , و على سبيل المثال فقد تحدث هنري كيسنجر في محاضرة له عن ضرورة الإستعداد لمواجهة الخطر الأخضر سنة 1992 في جامعة نيورك وجورج تاون . في أوائل التسعينات وعندما تفكك حلف وارسو كما تفككت الأمبراطورية السوفياتية السابقة برز حلف الناتو أو حلف الأطلسي كأقوى حلف في العالم له إستراتيجيته و مخططاته و ميزانيته و مشاريعه وسياساته الخاصة .
وبسبب الفراغ الحاصل في مجال الأحلاف العسكرية فقد تحول منتدى الناتو إلى أهم حلف عسكري وتدل على ذلك نشاطاته المتزايدة وإمتداده ليشمل دول أوروبا الشرقية سابقا.وتهيمن على منتدى الناتو الولايات المتحدة الأمريكية التي مازالت ترى أنها صاحبة الفضل على أوروبا والتي لولا مشروع مارشال الأمريكي لظلت أوروبا في خانة الدول المتخلفة .
و خلفية تشكيل حلف الناتو كانت سياسية في بداية المطاف , إذ بعد الحرب الكونية الثانية وبداية إمتداد الإتحاد السوفياتي باتجاه أوروبا الشرقية شعرت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها دول أوروبا الغربية بدنو الخطر الأحمر إلى عقر الدار الأوروبية ولمواجهة الخطر الأحمر تم تشكيل حلف الناتو لمواجهة الإيديولوجيا الحمراء والترسانة العسكرية الحمراء أيضا.
و إذا كان الخطر الأحمر قد زال إلى الأبد وباتت دول أوروبا الشرقية تتكالب للإنضمام إلى حلف الناتو , وحتى روسيا وقعّت إتفاق شراكة مع الناتو فما الداعي لبقاء الناتو وحرصه على مزيد من التوسع والإستقواء.
و للإجابة على هذا السؤال لابد من إعمال النظر في تصريحات مسؤولي الناتو والتدقيق في البيانات الختامية لمؤتمرات منتدى الناتو و فحص الدراسات التي يصدرها الناتو.
مبدئيا تحرص بعض الدراسات على القول أن حلف الناتو وبعد تفكّك الإتحاد السوفياتي السابق أصبحت وظيفته تكمن في الحفاظ على الأمن القومي للكتلة الغربية و الحؤول دون وقوع أحداث مشابهة لتلك التي وقعت أثناء الحرب الكونية الأولى والثانية والتي كانت أوروبا مسرحا لها .
وهناك بعض الدراسات التي قام بها الناتو و بعض مؤسسات الدراسات التي تتعاون مع منتدى الناتو تفيد بأن الخطر الأحمر أصبح اليوم خطرا أخضر ,
وأن الخطر الأخضر أخطر بكثير من الخطر الأحمر , وتفترض بعض هذه الدراسات أن تعم الأصولية العالم العربي والأسلامي وإحتمال أن تندلع مواجهات بين الكتلة العربية الإسلامية مع الكتلة الغربية .
وبعض هذه الدراسات تحمل الرائحة الأمريكية و الإسرائيلية وفيها بصمات لبعض صناع القرارالسابقين في أمريكا و الذين باتوا يتعاونون مع مراكز الدراسات الإستراتيجية وباحثين إسرائيليين في معاهد إسرائيلية وغربية .
وهناك محاولات حثيثة لتوجيه الناتو في منحنيات بيانية مضادة للعالم العربي والإسلامي , وكانت بعض قمم الناتو وضعت مخططات عسكرية عن كيفية التدخل السريع في هذا الإقليم أوذاك في حال إنهارت الأوضاع الأمنية أو نشبت مشاكل من أي قبيل كانت.
واللافت للنظر أن أحد الباحثين من تل أبيب ذكر في بحث له أن أمنيته أن يدخل الناتو في حرب مع كتلة العالم العربي والإسلامي لتضمن الدولة العبرية بذلك ضعف الكتلتين الغربية والإسلامية ثم تستفرد هي بعدها بالسيادة على البحر الأبيض المتوسط و الذي يعتبر قاسما جغرافيا مشتركا بين الكتلة الغربية وعديد من الدول العربية.
و أشد مايخشاه المراقبون أن يتحول الناتو إلى مؤسسة أمريكية في صيغة الشركة المتعددة الجنسيات , و رغم أن فرنسا تعمل على زحزحة الإستفراد الأمريكي بمنحنيات الناتو إلا أنها في النهاية تقبل صاغرة بما تخطط له واشنطن.وكانت واشنطن في وقت سابق أعطت الضوء الأخضر لدخول المجر وتشيكيا و بولندا الى منتدى الناتو و تحفظت على إنضمام رومانيا وسلوفينيا . وكانت فرنسا وإيطاليا اعترضتا على سياسة أمريكا الناتوية حيث تسعى واشنطن للإنفراد بصناعة سياسة الناتو العسكرية والأمنية وغيرها ويبدو أن واشنطن وحدها تأكل العنب والبقية تتفرج على اللعبة فقط.
ومن هذا المنطلق يخشى أن تجيّر واشنطن الناتو في حروبها المفتوحة شرقا وغربا وحتى في الفضاء مستقبلا….. وللإشارة فقد كتب باحث إسرائيلي من جامعة تل أبيب يقول نعمل على حدوث صدام بين الإسلام والمسيحية نخرج منه منتصرين ومسيطرين على ضفاف البحر الأبيض المتوسّط . وفي السيّاق نفسه و عندما نشر الإتحاد الأوروبي الإستطلاع الشهير والذي أجمع فيه الأوروبيون أنّ إسرائيل هي دولة شريرة وعدوة للبشرية , طالب وفد من الوكالة اليهودية العالمية مقابلة رومانو برودي رئيس المفوضية الأوروبية وقتذاك بحجّه أنّ لديه إستطلاع مشابه يحملّ مسلمي أوروبا مسؤولية العداء للسامية , وتحركّت منذ ذلك الألة الإعلامية الغربية الجبّارة لنسف الحضارة الإسلامية . و قبل هذه التفجيرات أيضا أصبحت الحضارة الإسلامية في متناول كل عربيد غربي فهذا أزنار تهجمّ على الحضارة الإسلامية و بيرلسكوني صاحب محطات العهر تهجمّ على الحضارة الإسلامية , وحتى السيناتور الأمريكي توم تانكريدو طال بتدمير الكعبة و رفض تقديم إعتذار للمسلمين . وبمجرّد وقوع حادثة ما هنا أو هناك يستدعى الإسلام كمتهم وتقذف وسائل الإعلام الغربية مئات البرامج الوثائقية عن الإسلام و التي أعدّت بإحكام و تعتبر كما لو أنّ الوحي نزل على رسول الإسلام في بيشاور وليس في مكة المكرمة وقد بات معروفا لدى الغربيين أنفسهم أنّ وسائل الإعلام في بلادهم مملوكة ليهود منذ بداية القرن التاسع عشر وإلأى يومنا هذا من أقصى شمال اوروبا وإلى جنوبها . وقد كتب أمنون روبنشتاين في صحيفة هآريتس العبرية بتاريخ 19 تشرين الثاني (نوفمبر) 2003 قائلا بأنّ :
لا تتطابق خارطة اللاسامية الجديدة مع الذاكرة اليهودية الجماعية، وإنما مع مناطق الشتات التي تتواجد فيها جاليات عربية ومسلمة.
ففي السويد مثلاً؛ تعيش جالية يهودية صغيرة ونشطة في الدولة المتحضرة، التي بادر رئيس وزرائها في عام 2000 لإنشاء طاقم دولي لتدريس الكارثة النازية ودروسها، ولم تشهد أي اعتداء على اليهود حتى الآونة الأخيرة.
الآن بدأت الصحافة السويدية تتحدث عن الاعتداءات المتكررة التي ترتكبها مجموعات عربية وإسلامية. الصحيفة السويدية واسعة الانتشار "داغنز نيتر" تتحدث عن 131 اعتداءً على اليهود في السنة الأخيرة، وعن طلاب عرب ومسلمين يعارضون دراسة الكارثة مدعين أنها "دعاية صهيونية".
من الناحية الأخرى؛ لم تشهد سلوفاكيا ورومانيا، اللتين لم تُعرفا بحبهما الكبير للسامية في السابق؛ أيّ اعتداءات على اليهود في العامين الأخيرين، وذلك بسبب وجود أقلية إسلامية صغيرة نسبياً. هذا الأمر ينطوي على شيء مقلق ومثير للجزع: رجال دين لديانة شقيقة لليهودية (الإسلام) يقفون على رأس حملة الكراهية العنيفة، من دون أن يعارضها أي زعيم عربي أو مسلم. كما كتبت صحيفة "لوموند" (الفرنسية) في 19 تشرين الثاني (أكتوبر) 2003: المشكلة من تصريحات مهاتير محمد في القمة الإسلامية هي أنها مقبولة في العالم الإسلامي.
هل يمكن الاستنتاج من هذه المعطيات أنّ المعارضة لإسرائيل بسبب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؛ هي التي تقف من وراء هذه الاعتداءات، وليس السامية بحد ذاتها؟
يتبيّن فعلاً أنّ المفكرين اليهود من اليسار الفرنسي قد أصدروا في الآونة الأخيرة كتاباً باسم "اللاسامية: الابتزاز الذي لا يطاق"، وهو يدعي أنّ ليس كل العداء لإسرائيل هو عداء للسامية.
صحيح أنه من الممكن أحياناً، بل ومن الواجب؛ انتقاد السياسة الإسرائيلية مثلما هوجم الفرنسيون والولايات المتحدة بسبب سياستهم في الجزائر وفيتنام سابقاً. كل منتقد موضوعي لنتساريم (مستعمرة إسرائيلية في قطاع غزة) لا يمكنه أن لا ينتقد إسرائيل ويشجبها. ولكن المشكلة هي أنّ الانتقادات الموجهة لدولة ما ليس من المفترض أن تشمل الجالية الأقرب إليها عرقياً. فهل هوجم الروس في الشتات بسبب تدمير غروزني؟ وهل كان كل الفرنسيون مسؤولين عن حرب الجزائر؟.
من الممكن إيراد مثال على هذا التهجم الجماعي من خلال الفقرة التالية: "اليهود مخدرون نفسياً بنبوءة أرض إسرائيل الكبرى (...) ومصابون بالإيمان الذي لا حدود له بأنهم شعب الله المختار، ولذلك هناك تبرير لأعمالهم العنصرية المريضة، وعلى قناعة بأنّ معاناة الآخرين، خاصة الفلسطينيين؛ أقل من الكارثة التي عانوها، وهم يقومون بحك جراحهم بلا توقف حتى تصبح مزمنة غير قابلة للشفاء، ويرفعونها أمام العالم وكأنها راية ولواء". هذه الأمور اقتبست من كتاب فيليس تسلر "اللاسامية الجديدة"، وجاءت على لسان الكاتب البرتغالي المحبوب خوسيه ساراماغو.
حقاً إنّ كراهية إسرائيل، بمفهوميها؛ تعمي أبصار من يعتبرون مثالاً يحتذى للإنسانية والتسامح في كل قضية أخرى. سفير إيطاليا في الأمم المتحدة سابقاً، سيرجيو فنتو، الذي أصبح اليوم سفيراً في واشنطن؛ اتهم إسرائيل بأنها قد سمحت لجنودها باقتحام رام الله في تشرين الأول (أكتوبر) 2000 حتى يُقتلوا (الجنود الثلاثة الذين قتلتهم جمهرة من الشبان الفلسطينيين في رام الله غاضبة من الاحتلال)، فيتم إصلاح وتغيير صورتها التي تضررت إثر قتل الطفل محمد الدرّة.
الانتقادات الموجهة لإسرائيل تصبح استحواذية قهرية بصورة متزايدة. هناك تشابه كبير بين فرية الدم، الدمشقية، (خلط فطير الفصح اليهودي بالدم غير اليهودي)؛ والحكاية التي نشرت في الثامن من تشرين الثاني (نوفمبر) 2001 في (المجلة الفرنسية) "النوفيل إبزيرفاتور" القائلة إنّ جنود جيش الدفاع يغتصبون النساء العربيات في الحواجز (العسكرية) حتى يُقتلن على يد عائلاتهن "بسبب تدنيس شرف العائلة".
صحيح أنّ الحكاية نُفِيَت بعد شهر؛ إلاّ أنّ مجرّد نشرها يدلل على الاستعداد للاعتقاد بأنّ الإسرائيليين قادرين على ارتكاب كل شيء مقيت وكريه. الشيء ذاته بالنسبة للتركيز التاريخي على جرائم إسرائيل، مع أقواس أو بدونها، لدرجة فقدان الشعور بالحدود والمعايير، وكأنّ معاهدات جنيف لم تخترق على يد الكثيرين من الآخرين بصورة جماعية.
الادعاء بأنه من المتوقع من إسرائيل أن تهتم وتكترث أكثر من غيرها (بالجانب الأخلاقي والمواثيق الدولية) مسألة صحيحة، ولكنّ الإسرائيليين أيضاً يتوقعون أن تُقابل الموجة اللاسامية بالمعارضة الحازمة من الدول الديمقراطية.
ويضاف إلى هذه المقالة مئات الدراسات والمقالات التي نشرها اليهود في الغرب و التي تحمل على الوجود الإسلامي والحضارة الإسلامية و تستثمر بعض الأوضاع الأمنية في الغرب للتأكيد على همجية المسلمين وبالتالي ضرورة الشروع في طردهم من الغرب لأنّهم يشكلون خطرا على التركيبة الأمنية والسياسية وحتى الإجتماعية والثقافية الغربية , و الحملات المتشعبة ضد الوجود الإسلامي في الغرب ليست بمنأى عن المشروع الذي خططّ له من يملك القدرة على إزاحة البشر من أوطانهم .