في الرابعة والسبعين من عمره وعلى قسمات محياه تلوح آثار السنين لكنها لم تمنعه من أن يندب نفسه للقيام بأعباء جسام يعجز عن مثلها الشاب الفتي المتمتع بصحته وحواسه، ذاك هو الدكتور عدنان محمد سلمان الدليمي المتخصص في علوم العربية، لا سيما النحو، إلا انه بمواقفه السياسية الجريئة بات أشهر وأعرف، فهو الناطق الرسمي باسم المؤتمر العام لأهل السنة في العراق، وكان رئيسا لديوان الوقف السني قبل أن يقال منه بقرار من حكومة ابراهيم الجعفري قبل شهرين، ما يدعو للاعجاب حقا بشخصية هذا الرجل، تلك البسالة التي يبديها في الدفاع عن الصيغة الاسلامية العروبية للعراق الموحد، كما انه قد نهض بعبء مقاومة محاولات تهميش دور اهل السنة في بناء العراق الجديد، ونذر نفسه للتصدي لعمليات الاغتيال والاعتقال التي طالت آلافا من ابناء طائفته، لا سيما ائمة المساجد الذين يلقون عنتا على أيدي الاستخبارات العراقية الجديدة.
ولا يظن ظانُ أن الحديث عن هذا الرجل الفذ يرشح عن عصبية طائفية محضة، فقد رأينا في تعامل كثير من السياسيين والكتاب والمفكرين مع المشكل الطائفي ما يصدق عليه المثل العربي «تلدغ العقرب وتضيء» حيث أثبتت الأحداث أن كثيرا ممن يتحدثون عن خطر الطائفية أكثر الخلق ولوغا في مستنقعها الآسن، والعبرة بالموقف على الارض لا الحبر على الورق! إلا أن الرجل ينتزع الإعجاب منك انتزاعا حين تراه يقف بثبات وشجاعة مطالبا بحقوق قومه المشروعة ودرء ما لحق بهم من حيف وجور، رغم ما لحقه من تبعات ومخاطر جراء ذلك، كان اخرها اقتحام منزله في 3 اغطس الجاري من قبل قوة اميركية - عراقية مشتركة وترويع أهله، ومعاملته بطريقة لا تليق بمنزلته الرسمية ووقار شيبه حيث تم تقييده وعصب عينيه والعبث بكتبه وأوراقه الخاصة، كما تمت تنحيته عن رئاسة ديوان الوقف السني واستبدالة بالشيخ عبدالغفور السامرائي ذي النزعة الصوفية المهادنة للمشروع الاميركي في العراق,
ومما يحسب للدليمي دوره الكاشف عن بيان حقيقة نسبة العرب السنة من مجموع الشعب العراقي، فقد اثبت في دراسة له مطبوعة انهم يشكلون نحو 42 في المئة، بينما نجد مثلا مقررة (لجنة كتابة مسودة الدستور) المحامية مريم طالب الريس عضو الجمعية الوطنية تؤكد ان نسبة الـ 21 في المئة المخصصة للعرب السنة في اللجنة المذكورة (تحقق قدرا كبيرا من العدالة) على حد قولها!!
كما بذل الرجل جهودا مضنية في جمع صفوف العرب السنة وتأليف كلمتهم، وهو امر لا يستنكر في بلد كالعراق حيث تعمل جميع الطوائف على توحيد مطالبها وبرامجها، وان كان العرب السنة قد جاؤوا في آخر الركب بعد ان اصبحوا في مهب الريح, كما يذكر للدليمي جرأته في نقده المستمر للممارسات الامنية التي ترتكبها القوات الاميركية والاجهزة الامنية الحكومية، وهو ما خلق له كثيرا من العداوات، كما كان منافحا قوي الشكيمة عن العلماء وأئمة المساجد الذين تعرضوا لتشويه إعلامي قبيح ورخيص، وما زال يذكر له ذلك التصريح التحذيري الذي وجهه الى قناتي «العراقية» و«الفيحاء» التلفازيتين بعد أن بثتا تحقيقات مصورة ذكرتنا بمحاكمات المهداوي والدجوي الهزلية! فلهذا الأسد العجوز منا تحية إكبار وإجلال تليق بنضاله وشجاعته .