أسامة بن لادن يعيش في خرطوم فيل:
تسلق المصور اللبناني الأميركي سعيد الأتب ثلاثة جبال في تورا بورا في رحلة شاقة انطبعت على يديه المنتفختين وعينيه. وصل أخيراً إلى مغارة عميقة تشبه خرطوم فيل، استقبله فيها الشيخ عبدالله عزام بالأحضان وبدا بجواره أسامة بن لادن:
[IMG]http://www.nashiri.net/aimages/said32.jpg[/IMG]
سعيد الأتب
"قبلني عزام على وجنتي ثلاثاً بعد أن حضنني بحرارة فيما صافحني بن لادن ببرود. ناولني عزام القرآن الذي كان يمسك به لمجاهد كان يقف خلفه، ثم استل مسواكا من جيبه العلوي، فرك به أسنانه ثم سأل سعيد عن سبب مجيئه إلى أفغانستان. أجاب الأتب حينها أنه لبناني مسلم سني، استشهد شقيقاه: (أحمد وسليم) في معركة العرقوب مع حركة فتح عام 1971 ويعمل لمصلحة وكالات صحافية أميركية وأجنبية ويتوق إلى تصويره والمجاهدين. ابتسم الشيخ عبد الله وأذن له بالتصوير، بينما يهم المصور بإخراج كاميرته (كانون تي 70) من حقيبته تدخل أسامة بن لادن قائلا: "فضيلة الشيخ اقترح عليكم عدم السماح له بالتصوير، فالأمر قد يشكل خطراً عليكم وعلينا، لا نعرف من خلفه والمسوغات الحقيقية لوجوده بيننا". قلل الشيخ عزام من خطورة الأمر: "انه مسلم ويحتاج إلى دعمنا"، جملة عزام لم ترق لأسامة بن لادن الذي انسحب إلى خارج الكهف بمعية غضب يغمر وجهه.
[IMG]http://www.nashiri.net/aimages/said3.jpg[/IMG]
الصورة الأولى التي التقطها الأتب لعزام ونشرت في نيوزويك عام 1993
أنفق الأتب 3 أفلام على تصوير عزام الذي سمح له بالإقامة في مغارته ليومين، يقول عنها: "كنا نصلي كثيراً، أكثر من 5 مرات في اليوم بلا شك، لا أذكر العدد تحديدا، لكن الذي أعرفه أننا لم نقم بشيء في اليومين غير الصلاة ، نصلي وبين كل صلاة وأخرى صلاة، كنتُ افتعل الوضوء حتى لا يكتشف أمري أحد، أبلل شعري ويدي فقط، لستُ مسلما حقيقياً".
بعد أن فرغ سعيد من تصوير عزام طلب الأتب منه السماح له بتصوير القتال، وافق فوراً، أخذه الشيخ عبد الله إلى قمة أحد الجبال على مسافة 40 دقيقة بالعربة من المغارة التي أقام بها.
[IMG]http://www.nashiri.net/aimages/saiddoor.jpg[/IMG]
سعيد الأتب مازال يحتفظ بكاميرته كانون تي 70
في الطريق تعرضت مركبتهم إلى قصف متدفق تعامل معه الركاب بجدية، حيث دفعتهم خبرتهم إلى مغادرة السيارة في الوقت المناسب إلا سعيد الذي تعرض لمشكلة في التنفس بسبب الهلع الذي قيد حركته ومنعه من الهروب: "جلست ممدا على الفراش لمدة غير قصيرة عاجزاً عن الحركة، طوال فترة مرضي كنتُ أسمع أصوات القذائف والقنابل والمدافع من نوعي: (106)، ودوشكا(500) يرسلها الأصدقاء بجواري كأنني في فيلم".
بعد أن تعافى سعيد بدأ في تصوير المجاهدين الذين تعاونوا معه، واستجابوا إلى تعليماته بخصوص وضع السلاح واختيار زوايا الصور كما يراها، يبرر: "لأنهم شعروا بسعادة كبيرة إثر اهتمام أحد بما يقومون به".
لم ير امرأة واحدة طوال وجوده لمدة 3 شهور في أفغانستان، وفقد نصف وزنه، نحو 40 كيلوغراما بسبب قلة الأكل والجهد الذي أنفقه في الرحلات الشائكة: "لا أدري كيف استطعت البقاء كل تلك المدة؟ لا يجيدون الفرح والكلام، أنا لست كذلك".
[IMG]http://www.nashiri.net/aimages/said_lebanon.jpg[/IMG]
لبنان عام 1984، الصورة تعرض في الامم المتحدة
لم يغفل الأتب التصوير مع عزام وقادة الجهاد قبل مغادرته (يعلق الصور في غرفة مكتبه)، الكل رحب بعرضه سوى بن لادن الذي فشل سعيد في مجرد مفاتحته بالأمر: "تحاشيت أن أتصادم معه وأفسد كل ما قمت به من تضحيات من اجل صورة".
فور وصوله من أفغانستان باع الصورة الواحدة للمطبوعات الأمير كية بمبلغ يصل إلى (2000 دولار أميركي): "رحلتي فتحت لي أبواب الجنة مبكراً". مازال يتعاون مع "التايم" و"نيوزويك" وغيرهما لكن "نيويورك تايمز" أوقفت التعامل معه أخيراً بعد أن اكتشفت أنه منحها صورة كونها خاصة لكنه عرضها على مطبوعة أخرى: "كنتُ بحاجة إلى المال، هل أسرق؟".
يعمل سعيد أيضا مصوراً لجريدة "البلاد" التي تصدر من نيوجرسي. دعاني إلى مرافقته لتصوير نشاط للجالية العربية في كوينز في نيويورك لمصلحتها. ذهبتُ برفقته وزوجته الجديدة السورية أحلام إبراهيم (33 عاماً) وولديهما: سعيد(4 سنوات)، ونور( عامان).
[IMG]http://www.nashiri.net/aimages/saidfa.jpg[/IMG]
لقطة للأتب على غلاف فورن أفيرز
ركبنا أجمعين سيارته "دوج كارفان". قبل أن أصعد إليها، تساءلت عن لونها الأصلي فهي تبدو كمن قشرها منذ سنوات ونسي أن يأكلها. جلست في المقعد الأمامي بينما استلقت أحلام في المقعد الخلفي. فتحت النافذتان الأماميتان، وانطلقت عجلات سيارته والعرق من جبين زوجته بسبب عدم وجود مكيف ونوافذ بمحاذاتها. الجو متوتر في الحافلة الصغيرة. سألتُ سعيد (الأب) عن سبب تسميته ابنه بنفس اسمه، نهضت زوجته فجأة، وتحولت ملامحها الناعمة البريئة إلى أخرى شريرة كأنها خلعت وجهها واستبدلته بوجه شيطان صغير، وقالت :"اتفقت معه على تسمية مولودنا (يزن)، لكن عندما وضعته، جاء زوجي إلى المشفى مهددا، إذا لم أطلق عليه اسم سعيد لن يحضر معي إلى المحكمة لإتمام الزواج حسب النظام الأميركي ما يحرمني من الجنسية".
تتابع أحلام بعد أن أعادت شعرها الرطب إلى الوراء وأزاحت ابنها نور من حضنها المزدحم بطفلين: "استجبتُ رغما عن انفي لطلبه، وتخليتُ عن رغبتي، لأنه فقط يود أن يقول لزوجته القديمة وأم أطفاله الخمسة التي هربت مع ابن خالته ، تزوجتُ فتاة اصغر وأجمل منكِ، ومن فرط حبها لي أطلقت اسم سعيد على مولودنا الأول!".
[IMG]http://www.nashiri.net/aimages/mbox4.jpg[/IMG]
صندوق بريد الأتب
ابتسم سعيد وقص لي كيفية معرفته بأحلام عام 1999 من خلال لقاء صحافي جمعهما وعقدته جريدة الاعتدال التي كانت تصدر من نيوجرسي: "أحببتها للوهلة الأولى، عينان طازجتان، وشعر أسود تبتغي أن تسبح في أعماقه، غازلتها بكاميراتي تارة وبعيني تارة أخرى أثناء اللقاء، شعرت باهتمامي، أعارتني انتباهها، جلسنا سويا قليلا، ثم تزوجنا"
أحلام فنانة ومصورة صحافية حاذقة، يقول الأتب: "سننتقل إلى مسكن جديد، وسنحول شقتنا التي زرتها إلى مرسم مفتوح للجميع، سنرسم ونصور حتى نتثاءب".
قبل أن نهبط في كوينز، التفتت إليّ أحلام بعد أن غرقت في عرقها قائلة: "الشيطان سعيد بسبب سعيد، لأنه دربنا على جهنم قبل النزول بها، سنكون أكثر تحملا من غيرنا، هل لسعك الحر من قبل كما اليوم؟".