بين النائب والناخب عقد غير مكتوب لكن له من الثبوت واللزوم ما يغنيه عن التوثيق بالكتابة والتثبيت بالشهادة، ويكفي نائب الأمة قَسَمه المسموع على رؤوس الأشهاد يوم توكيله من الأمة حين يتعهد بحفظ مصالح الوطن والذود عن حقوقه، وعطفًا على ذلك فالمفترض في النائب أن يفي بيمينه ويصدق في فعاله بعد أن ملأ الناس بمقاله في عرصات الندوات وخيام المنتديات في تلك الأيام التي كان المرشحون يتنافسون فيها للفوز بصوت الناخب، وما أكثر ما رفعوا عقيرتهم وقتها بشعارات طنانة يتعهدون فيها بالدفاع عن حرمة المال العام والتصدي لكل لص ناهب يروم منه غنيمة باردة.
غير أن ما أثير أخيرًا عن وفود الصداقة البرلمانية التي قطعت العالم طولا وعرضا حين آثرت على نفسها التخلي عن حقها في إجازة صيفية في سبيل خدمة الوطن إلا أن هذه الخدمة الوطنية قد كلفت خزينة الدولة ربع مليون دينار بحسب جريدة «الوطن» بينما ذكرت إحصائية أخرى لـ «الطليعة» أن سفريات مجموعات الصداقة البرلمانية للعام 2004 قد جابت 68 بلدا لم يصلها ابن بطوطة، جاوزت تكلفة تلك الرحلات 660 ألف دينار وكما هو معلوم فان تلك الرحلات لم تحقق أي مكاسب ذات قيمة للبلد لاسيما ما كان منها لبلدان ليس لها أي تأثير سياسي يذكر، سوى أنها تنعم بمناخ رائع ومناظر خلابة كلكسمبورغ والبوسنة ولاتفيا وجمايكا وكوستاريكا ومن المعلوم أن مصروف الجيب اليومي للنائب المشارك في تلك الوفود يزيد على ألف دولار يوميا تعادل350 دينارا كويتيا، لا ينفق منه شيئا في تذاكر الطيران ولا تكاليف الإقامة لكونها مدفوعة سلفا، ألا يحق للناخب المسكين أن يتساءل بصوت جهوري: من أين لك هذا؟ ألا يفترض بحماة المال العام أن يكونوا مثال القدوة والأسوة فيترفعوا عن أي عمل قد يفسر على انه نوع من استغلال السلطة للمصلحة الشخصية ويتعففوا عن أدنى شبهة بشأن اي كسب مادي يستنزف خزينة الدولة بلا مسوغ مقنع، وخصوصا حين يتعدى نطاق الأكل بالمعروف ان نحن أنزلناه منزلة الوصي الفقير على أموال اليتامى؟!
ثمة مخاوف كثيرة تعتلج في قلوب الناخبين إزاء التحول الذي يطرأ على النائب بمجرد أن يضع قدمه في بهو قاعة البرلمان، فقد هال الناخبون في مجالس تشريعية عديدة ذلك الثراء الذي هبط على بعض نوابهم، إذ ألفوه قبل ذلك بائسا فقيرا مدينا يقود سيارة تحتاج لواسطة حتى تستوفي شروط الفحص الفني، ثم اذا به يترقى في سلمه الطبقي ليصبح من التجار الملاك، وما اللغط القانوني الدائر بشأن قانونية الجمع بين عضوية البرلمان وعضوية مجالس ادارة الشركات إلا مسمار آخر يدق في نعش ثقة الناخب بنائبه وسلامة ذمته المالية، وليت شعري كيف يحق للنائب ان يطبق قانون (من اين لك هذا؟) على الوزراء وينسى نفسه؟
أننا بحاجة الى نائب شجاع يفتح الباب لمناقشة علنية للإمتيازات الممنوحة للنواب من مثل مصروف الجيب سيئ الذكر، ليبدد تلك الهواجس المتعاظمة يوما إثر يوم، والى ذلك الحين فإن الناخب لا يملك إلا أن يردد قول الشاعر القديم:
«أتذكر إذ لحافك جلد شاه
وإذ نعلاك من جلد البعير
فسبحان الذي أعطاك ملكًا
وعلمك الجلوس على السرير!»