أيشك أحد أن أميركا العظمى هي كهف حقوق الإنسان وموئلها الأخير الذي تلوذ به؟ ربما كان هناك من يشك في ذلك، وربما وجدت من يتيقن خلاف ما ذكرت، غير أنني على خلاف عادتي أقر واعترف بأنها كذلك! لكن مشكلتي معها تكمن في تحديد مدلول ذلك «الإنسان» الذي ينبغي ان تحفظ حقوقه وتصان آدميته، إنه بالطبع ليس ذلك الإنسان الذي يأبى الظلم والطغيان ويرفض الاذلال والاحتلال، فهذا بنعت الارهابي أحق وإلى لقب التطرف أقرب! إذن فمن هو ذلك الانسان الجدير بأن تحمر لكرامته عينا الخارجية الاميركية ويوجه المتحدث باسمها من أجله نقداً لاذعاً الى دولة صديقة حليفة؟!
في الأسبوع الماضي ألقت الشرطة الاماراتية القبض على ستة وعشرين شاذاً من الذين يسمونهم تلطفاً بالمثليين وهم يتأهبون لحفل عرس جماعي بأحد الفنادق، وقد تم الإفراج عن معظمهم بعد اجراء التحقيق معهم وإحالتهم الى القضاء، وأعلنت السلطات هناك انها ستدرجهم ضمن برنامج علاجي طبي نفسي اجتماعي لتخليصهم من حالة اللاتوازن التي يعانون منها، ولم يتم تقييد هؤلاء المبتلين بالأغلال ولم تدس رؤوسهم في أكياس الاسمنت الفارغة ولم يتعرضوا لتعذيب نفسي أو بدني، بل ان احد رجال الشرطة تمت احالته الى التحقيق بسبب تصويره الموقوفين بكاميرا جهازه النقال!
ورغم هذا التعامل المهادن والهادئ جداً من قبل الشرطة الاماراتية، إلا أن ذلك لم يرق لوزارة الخارجية الاميركية ورأت فيه انتهاكاً صارخاً لحقوق هؤلاء الشاذين ـ عفواً المثليين ـ وأعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية شون ماكورماك في بيان له ان الولايات المتحدة تدين توقيف اثني عشر من الازواج مثليي الجنس في الامارات العربية المتحدة، وقد دعا ايضاً الحكومة الاماراتية الى وقف كل علاج هرموني أو نفسي قد تكون أمرت به واحترام المعايير القانونية الدولية.
وفعلاً فإن شر البلية ما يضحك، إذ يأتي هذا التصريح «المائع» في الوقت الذي تثور فيه ضجة في اوروبا بشأن وجود معتقلات سرية أميركية في بعض بلدانها، بالاضافة الى هبوط طائرات اميركية تقل معتقلين في مطارات اوروبية وهي في طريقها الى معتقل غوانتانامو سيئ الصيت، ويتساءل العاقل اين غابت المواثيق الدولية عن مثل هذه الانتهاكات الجسيمة؟ وكيف يتم خرق بنود اتفاقية جنيف في شأن حقوق اسرى الحرب، واعتقال مدنيين دون توجيه اي تهم لهم؟ وان كانت اميركا جادة فعلاً في حفظ الحقوق الآدمية، فكيف يتم قصف المدن الآهلة بالسكان ودك البيوت على رؤوس ساكنيها الابرياء بدعوى مكافحة الإرهاب؟
أم ترى ان تلك الحقوق لا يتمتع بها سوى اولئك الشاذين الذين انتهكوا كرامتهم وقيمهم الانسانية بأيديهم حين عمدوا الى هذا السلوك المعوج الذي لا تقره الشرائع السماوية ولا تقبله الفطر السليمة؟!
ومن الغريب فعلاً ان يحتل موضوع الشواذ حيزاً مهماً في علاقات الغرب بالعرب، إذ يذكر تقرير إخباري صادر عن وكالة «اسوشيتد برس» ان قضية الشواذ جنسياً غدت بنداً مهماً على اجندة مباحثات بعض الدول الغربية مع دول في المنطقة, ويشير التقرير الى أن الرئيس الفرنسي جاك شيراك عبر عن قلقه من طريقة معاملة الشواذ المصريين وذلك خلال لقاء جمعه بالرئيس المصري حسني مبارك، ويبدو ان عجائب هذا الباب لا تنقضي!