من بدهيات الصياغة اللغوية للقوانين أن تتسم بدقة موادها وإحكام حدودها، وذلك أمر مطلوب لتصان للقانون هيبته فلا يجترئ عليه خبراء نبش المخارج وقصاصو أثر الثغرات، ولعل أبرز تلك الثغرات وأعظمها ضررا وخطرًا ما يعرف ببند «الاستثناءات» التي تتيح للقائمين على تطبيق القانون، استثناء بعض الناس لظروف ما، فلا يطبق عليهم ما يطبق على غيرهم. ومن بواب الاستثناء يتم الالتفاف عادة على مواد القانون والتحايل على احكامه مما يجعله بلا هيبة، عاجزا عن القيام بدوره، واستثني من هذا فقط أولئك الذين لا يملكون مفاتيح الاستثناء ولا يعرفون دهاليزه الخفية! والمثير فعلا ان الاستثناء يصبح مع الوقت هو القاعدة لا العكس، فاذا كنت تعتزم بناء ملحق بدارك ومضيت في استخلاص ترخيص لذلك من إدارة البلدية فقد تفاجأ بان قوانين البناء لا تجيز لك ذلك لاستيفائك النسبة المتاحة لك في البناء، لكن لا تجزع! فالموظف سيبادرك بتقديم الحل من دون طلب منك، وهو الاتيان (باستثناء) من المدير الاكبر لاجازة بنائك الجديد، ولانك قد لا تعرف المدير الاكبر فانك لا تغامر بالولوج الى مكتبه، ولكن تبدأ رحلة البحث عن «واسطة» تتبرع بجاهها ونفوذها لتنتزع لك «الاستثناء» من عرين المدير الاكبر، وتتمكن من استخلاص الترخيص بلا عناء، وأما إن كنت ممن لا يعرف همزة الوصل هذه او ممن يعرفها غير انك تؤثر همزة القطع صيانة لماء وجهك فليس امامك الا احد خيارين: «أولهما ان تكون مواطنا شريفا فتلتزم احكام القانون بامانة ونزاهة، ومن ثم فعليك ان تستعيذ بالله من أوهام وساوس الملاحق وإضاعة النفقة في التراب و ثانيهما ان تكون ككثيرين ممن حولك فتبني ما تشاء دون ترخيص او اجازة، وتمنح نفسك بنفسك استثناء خاصا وفق المثل القائل: «بيدي لا بيد عمرو».
ما أثار كل الكلام المتقدم هو ضوابط التجنس الجديدة التي أعلنتها وزارة الداخلية أخيرا، وأعني تحديدا ذلك البند الخاص الذي يعين المقصود باصحاب «الخدمات الجليلة» الذين تمنحهم الدولة جنسيتها تقديرا لما قاموا به من تلك الاعمال، إذ اشتمل في فقرته الرابعة على «من يرى الوزير تجنيسهم» وهي كما ترى مادة مطلقة لا قيد فيها ولا تخصيص، ومع تقديري لنظر معالي الوزير، إلا ان لغة القوانين لا تصاغ على هذا النحو الفضفاض الرحب وترسل هكذا بلا خطام ولا ازمة، كما ان الوزير سيغدو في وضع لا يحسد عليه، فاصحاب النفوذ وأرباب الوسائط يملكون ثقافة قانونية متميزة في المداخل والمخارج يتفوقون بها على اساطين المحامين! ومن ثم فإنهم سيستغلون تلك الثغرة لتجنيس من يرغبون في تجنيسه بدعوى أن الوزير يملك صلاحية الاستثناء!
وقد يقول المدافعون عن هذه الصيغة «المتسامحة» ان وجود الاستثناء يمنح القانون مرونة تؤهله للتعامل مع حالات جديدة جديرة بالتجنيس لا توافق هذه الضوابط! غير أن مثل هذا الاعتذار يعني ضمنا الاعتراف بأن الضوابط الجديدة غير جامعة ولا مانعة، ومن ثم جاء «الاستثناء» ليتجاوزا هذا المشكل القانوني، ولذا فإن الحنكة القانونية ومبدأ تكافؤ الفرص يدعوان الى تطبيق القانون بمواده المحكمة كما هي، ومن ثم تجري عليه تعديلات «عامة» تفرضها الظروف المستحدثة، والتعديل العام خير ألف مرة من استثناء خاص لا تحكمه ضوابط ولا يسوسه قانون!