استمروا في مقاطعة الدنمارك، حتى تحقق المقاطعة أهدافها بالحصول على اعتذار واضح، ولا يخدعنكم حلفاؤهم من الغربيين أو العرب مشاعر الغضب والثورة التي تعصف بجموع المسلمين شرقًا وغربًا هذه الايام، بسبب نشر الرسوم الساخرة بمقام النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) تعكس روح الحمية الدينية التي مازالت تعمر قلوب المسلمين عامة، وتملك عليهم وجدانهم وغيرتهم.
وكان لحركة المقاطعة للمنتجات الدنماركية آثار نفسية كبيرة، إذ شعرت هذه الجموع المهمشة من قبل حكامها وأنظمتها، بقدرتها على أخذ زمام المبادرة في التصدي لهذا التطاول السافر على نبي الاسلام, وهذا الشعور بحد ذاته يعد مكسبًا كبيرًا بعد ان استولت روح اليأس على الكثيرين بسبب حال الضعف والهوان التي يعيشها العالم الاسلامي في هذه الحقبة المريرة.
وبغض النظر عن مدى فاعلية هذه المقاطعة في اضعاف الاقتصاد الدنماركي، فإن هذا الشعور الجمعي العفوي الدافع الى اتخاذ موقف ما في التصدي للغطرسة الغربية يمثل الإنجاز الأكبر والمرشح للتكرار في المستقبل. وبلا ريب، فإن ثمة شعورا بالثقة بالنفس، والقدرة على المواجهة آخذ في التشكل في الوعي الجمعي للامة، بعد ان رأى الناس هذا التجاوب المنقطع النظير مع حملات المقاطعة، هو ما دفع بعدد من الأنظمة الحاكمة الى اتخاذ مواقف ديبلوماسية حازمة تتماهى مع الشعور الشعبي الغاضب.
هذا الموقف بالطبع لم يرق لحلفاء الدنمارك من الغربيين، فحاولوا التخفيف من الضغط الواقع عليها عبر ارتكاب الجريمة ذاتها بإعادة نشر تلك الرسوم المسيئة، ظنًا منهم أن ذلك سيفت في عضد المقاطعين الذين لم يتمكنوا من مقاطعة ست دول غربية دفعة واحدة، فلعل روح اليأس تدب في نفوس المقاطعين فترتخي قبضتهم، ويتفتت موقفهم شيئا فشيئا, وهذا غير مستغرب عند من يعرف حقيقة الموقف رغم تدثر الغربيين، بما يسمونه حرية التعبير عن الرأي، وهي حرية يعلم الجميع أنها مسيسة، وأن ثمة مناطق محظورة تغيب عنها حرية الرأي ليحل محلها السجن والاعتقال، كما في تهمة معاداة السامية، وهو أمر شاع حتى عرفه الجميع صغارًا وكبارًا، لكن الغربيين لايزالون يتجاهلون انكشاف موقفهم الهزيل وضعف حريتهم الموهومة!
ما يثير الغضب أن هذا التحرك الغربي الأخير، وجد له صدى في أقلام عربية باتت تسعى الى تفكيك حملة المقاطعة، والفت في عزائم المقاطعين، وإن كانت تدعي أنها حريصة على المقدسات الإسلامية والذود عن مقام النبوة الارفع!
وللمرء ان يتساءل ما الذي يستفيده هؤلاء من ذلك؟ فإن كانت معداتهم لا تقوى على الامتناع عن تناول الزبدة والجبنة الدنماركية، فإن أحدا لن يجبرهم على الامتناع، فليأكلوا وليتمتعوا لكنهم يتجاوزون ذلك الى السخرية والتحقير لمواقف المقاطعين.
وهذا مما يذكرنا بمواقف المنافقين الاولين في الغزوات النبوية، إذ كانوا يخذلون من عزائم المجاهدين ويعملون على التهويل من شأن أعدائهم، ولا يألون حيلة في إضعاف الجبهة الداخلية ما استطاعوا الى ذلك سبيلا، وقد كشف الله سترهم في آيات خالدة:"لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِين"(سورة التوبة الآية47).
إن من أولى أولويات أي مواجهة ألا تجعل خصمك يحدد لك المسار الذي يريد منك سلوكه، أو أن يجرّك إلى معركة جانبية تفاديًا للمعركة الرئيسية، فاستمروا في مقاطعة الدنمارك، حتى تحقق المقاطعة أهدافها بالحصول على اعتذار واضح، ولا يخدعنكم حلفاؤهم من الغربيين أو العرب!