وما رأيناه من صور ومشاهد لتظهر بجلاء الوجه القبيح للولايات المتحدة الأمريكية، وإذا كانت هذه هي الديمقراطية التي ترفع لوائها إدارة بوش وطاقمها المتعجرف فلا غرابة أن تشتد المقاومة على حضورها في العراق من أجل استعادة الأرض وتنقية العِــرض. ما زالت فضائح سجن أبو غريب الشهير الذي تديره الولايات المتحدة الأمريكية في العراق تتكشف يوما بيوم بعد أكثر من عامين من اكتشافها، فقد شاهدنا في ذلك الوقت ما نشرته بعض المؤسسات الصحافية العربية والأوروبية والأمريكية من صور تُظهر معتقلين عراقيين يتعرضون للتعذيب وسوء المعاملة على يد جنود الولايات المتحدة الأمريكية في العراق.
وللأسف الشديد فقد صدَّق الكثيرون حينها ما صرَّح به بعض المسؤولين في الإدارة الأمريكية من أن حوادث التعذيب تلك ما هي إلا نزوة همجية من مجندة ساذجة وبعض زملائها، وأنهم جنود غير مسؤولين وربما يعانون من مشاكل واضطرابات نفسية وخُلقية، رغم إفادة أؤلئك الجنود التي تقول أنهم كانوا ينفذون أوامر رؤسائهم الذين يحثونهم باستمرار على تعريض معتقليهم إلى الإذلال الجسدي والمعنوي لإرهابهم والوصول بهم إلى حالة الانهيار المطلق، وقد رأينا كيف تم بالفعل تقديم هؤلاء الجنود الصغار للمحاكمة كأكباش فداء وخرج من اللعبة المسؤولين العسكريين الكبار.
إلا أن الأمر لم ينتهي عند هذا الحد، فقد عَرضت شبكة الإرسال الخاصة (اس بي اس) الاسترالية قبل أيام قليلة ضمن برنامج ديت لاين الذي يقدمه السيد جورج نيغوس صور ومشاهد مؤذية ومقززة تُظهر مرة أخرى إساءة معاملة الجنود الأمريكيين للمعتقلين العراقيين في سجن أبو غريب، ومن بين تلك المشاهد المؤذية التي عرضها البرنامج صورا لمعتقلين عراقيين في أوضاع جنسية مهينة جدا، كما تظهر الصور في ذات الوقت جندي أمريكي يبتسم وهو يتلذذ بمشاهدة تلك المناظر المسيئة والمؤذية لمشاعر العرب والمسلمين.
إن أمر هذه الصور المؤذية التي شاهدناها لأبناء الشعب العراقي المكلوم ليدعوا فعلا للأسى والحزن، إلا أن ما قاله السيد جورج نيغوس من أن لديه مئات الصور الأخرى التي لم يتم عرضها لكونها فاضحة جدا في تفاصيلها، لهو أشد وطأة من مُشاهدة تلك الصور التي رأيناها، ولا ندري في الحقيقة أي فظاعة أخرى تحملها تلك الصور التي تحدث عنها السيد نيغوس، وأي إيذاء جديد للمشاعر يحمله لنا جنود الولايات المتحدة الأمريكية في العراق أكثر من المشاهد اللاإنسانية الرهيبة التي شاهدناها، إنه لأمر محزن حقا أن نعلم أن ما تم نشره من صور حتى الآن لا يمثل في الحقيقة سوى رأس الجليد، وأن هنالك صورا أكثر فظاعة مما عُرض من انتهاكات مُورست ضد المعتقلين العراقيين من قبل دعاة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في العراق.
في الحقيقة أتصور أنه لم يعد بوسع الولايات المتحدة الأمريكية ولا بريطانيا بعد فضائح التعذيب المبرمجة والمتكررة، القول بأن تلك الممارسات المشينة والمهينة التي تعرض لها الأسرى والمعتقلون العراقيون هي ممارسات فردية من قبل جنود عاديون في الجيش الأمريكي والبريطاني، وإنما الحقيقة الواضحة التي تحاول الإدارة الأمريكية عبثا طمسها ومداراتها هي أن من قام بهذه الانتهاكات هم ضباط الاستخبارات العسكرية الأمريكية والبريطانية أنفسهم، الذين تخرجوا من مدارس التربية العسكرية، وأقسموا اليمين على احترام قوانين الحروب، وحقوق الإنسان، وهذه الحوادث المشينة لا يمكن لنا إلا أن نعزوها إلى حالة نظامية مبرمجة كجزء من سياسة قمعية بعيدة كل البعد عن مفاهيم الديمقراطية والإنسانية التي تتبجح بها هذه الإدارة الأمريكية.
إننا إذا وضعنا هذه المشاهد المؤذية التي تُظهر تعذيب جنود الولايات المتحدة الأمريكية للمعتقلين العراقيين، مع صور الجنود البريطانيين وهم يعتدون على عدد من الصبيان العراقيين؛ فإنه يتبين لنا بوضوح مدى كذب وزيف الوعود والشعارات التي أطلقها الرئيس الأمريكي جورج بوش وحليفه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير بشأن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في عالمنا العربي بشكل عام وفي العراق بشكل خاص، وما رأيناه من صور ومشاهد لتظهر بجلاء الوجه القبيح للولايات المتحدة الأمريكية، وإذا كانت هذه هي الديمقراطية التي ترفع لوائها إدارة بوش وطاقمها المتعجرف فلا غرابة أن تشتد المقاومة على حضورها في العراق من أجل استعادة الأرض وتنقية العِــرض.
إن السؤال الكبير الذي يطرح نفسه الآن بعد رؤية هذه المشاهد المؤلمة والمقززة هو هل ستقوم الإدارة الأمريكية بإجراء تحقيق عاجل وفوري وإدانة مرتكبي ومخططـي هذه الأفعال الشاذة من المسؤولين الأمريكان ؟؟، وهل سيقوم الرئيس الأمريكي جورج بوش بعد هذه الأحداث بهدم سجن أبوغريب كما وعد بذلك قبل سنتين؟؟.. الحقيقة لا أريد أن أكون متفائلا بهذا الخصوص، لأني أعتقد جازما أن الإدارة الأمريكية سوف لن تقوم بشئ من هذا كله، ما لم تتوحد صفوف العراقيين بجميع أطيافها وتنبذ الفرقة وتتخلص من هذا العدو الجاثم على أنفاس الشعب العراقي الجريح.