أيهما مصدر الشرعية: الشعب الفلسطيني أم منظمة التحرير الفلسطينية ؟الجواب صعب، مع ذلك لا بد من المجازفة بالإجابة.
بحسب القانون الدستوري والأعراف الراسخة، الشعب هو مصدر الشرعية ومصدر السلطات. وعليه يكون الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة الذي أعطى حركة "حماس" الأغلبية الساحقة في المجلس التشريعي هو الحَكَم والفيصل في مسألة قبول أو عدم قبول التشكيلة الحكومية التي قدمها السيد إسماعيل هنية الى الرئيس محمود عباس. غير أن ثمة من يقول أن مسألة الحكومة الفلسطينية وبرنامجها وسياستها، بل أن مسألة السلطة الفلسطينية برمتها، قضيتأن أساسيتأن لا تخصّأن الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة وحده بل الشعب الفلسطيني في الشتات أيضا. في هذه الحال، يكون المجلس الوطني الفلسطيني هو مصدر الشرعية لمنظمة التحرير الفلسطينية وبالتالي للسلطة الفلسطينية وللحكومة المفترض أن تكونا تابعتين لها. وفي هذه الحال تكون منظمة التحريـــر " أعلى" و "أقوى" من السلطة والحكومة معا.
"حماس" تتبنى الاجتهاد الأول لأنه يضع القرار في يدها. " فتح " وغيرها من المنظمات تتبنى الاجتهاد الثاني لأنه يضع القرار في يدها كونها تسيطر على اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، فضلاً عن أن "حماس" ليست عضوا فيها. ما المخرج من هذه المعضلة في الوقت الحاضر وعلى المدى الطويل؟
يجب ألاّ ننسى أن فلسطين، كل فلسطين، ما زالت تنؤ تحت وطأة الإحتلال. هذا الواقع البغيض وغير الشرعي يلقي بثقله على السلطة الفلسطينية بكل مؤسساتها ويحدّ من حريتها واستقلالها. ثم أن السلطة والحكومة الفلسطينيتين تواجهأن في كثير من الأحيأن قضايا وتحديات ذات طابع مصيري، فلا يجوز أن ينفرد الشعب الفلسطيني وممثلوه في الضفة وغزة بحسمها بمعزل عن الشعب الفلسطيني في جميع أمكنة انتشاره. من هنا تتأكد مركزية منظمة التحرير في القرار الفلسطيني.
غير أن ثمة مشكلة تحدّ من الصفة التمثيلية لمنظمة التحرير . أنها عدم تمثيل " حماس" في اللجنة التنفيذية للمنظمة، الى جأنب ضعف المنظمة وتعثرها وفساد أجهزتها. وكانت" حماس " قد أبدت رغبةً في الدخول إلى عضوية اللجنة التنفيذية للمنظمة، لكنها اشترطت إعادة النظر في تنظيم المنظمة لتنقيتها من الفساد وتوسيع صفتها التمثيلية وزيادة فعاليتها. لذلك من الطبيعي والمنطقي أن تشترط ، لإخضاع تشكيلتها الحكومية لرأي اللجنة التنفيذية، أن يسبق ذلك تمثيلها في اللجنة التنفيذية مقرونا بإعادة النظر في منظمة التحرير ومؤسساتها جميعا.
غير أن إصلاح منظمة التحرير يتطلب وقتا طويلاً وجهداً كبيراً ، فكيف يكون وضع حكومة هنية في هذه الأثناء ؟
لقد بات واضحاً أن " فتح " والرئيس ابو مازن يستعجلأن إخضاع حكومة هنية للجنة التنفيذية أملاً بدفعها الى التسليم بإتفاقات أوسلو وما تنطوي عليه من إعتراف بإسرائيل ، وبالتفأوض معها ، وبالتالي الإقرار عملياً بإسقاط حق العودة تحت طائلة عدم التعأون معها وتصعيب أدائها لحملها على الإستقالة . أن السير في هذا النهج يسيء الى قضية فلسطين، ويضعف الكفاح الفلسطيني، ويضرب وحدة الشعب والمؤسسات، ويدمر السلطة الفلسطينية على المدى الطويل، فضلاً عن طعنه إرادة الشعب الفلسطيني التي تجلّت في الأنتخابات التشريعية الأخيرة. من هنا تستقيم الحاجة، حاجة الشعب والسلطة والحكومة و"حماس" و"فتح" وجميع المنظمات الى ضرورة التوافق على مخرج من المأزق القائم.
لعل المخرج أو التسوية الممكنة والمشروعة هي في الإتفاق على التمييز بين نوعين من القضايا والتحديات والقرارات:
الأول، هو النوع المصيري والأساسي والثاني ، هو الإجرائي والإداري . فالقضايا والتحديات والقرارات ذات الطابع المصيري والأساسي تبقى من صلاحية منظمة التحرير الفلسطينية وإختصاصها بوصفها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني . اما القضايا والقرارات والمعاملات ذات الطابع الإجرائي والإداري فتبقى من صلاحية وإختصاص السلطة الفلسطينية والحكومة المنبثقة عن المجلس التشريعي.
إن مقاومة الإحتلال الصهيوني والموافقة على اتفاقات أوسلو أو عدم الموافقة عليها ، ومفاوضة إسرائيل من أجل التوصل إلى تسوية تاريخية مرحلية معها أو عدم مفأوضتها ، والتمسك بحق عودة اللاجئين أو عدم التمسك به كاملا هي قضايا مصيرية وأساسية يعود للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أمر البت بها وحسمها . اما إدارة الحكم في الضفة وغزة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية فهي قضايا إجرائية وإدارية يعود لرئاسة السلطة الفلسطينية والحكومة المنبثقة عن المجلس التشريعي الحق في تولّيها وإتخاذ القرارات المناسبة في شأنها.
باختصار: المقأومة حق للمنظمة ويدخل في صلاحيتها. والإدارة حق للسلطة والحكومة ويدخل في صلاحيتهما.
هذا التحديد لصلاحية كل من المنظمة والسلطة يبقى ناقصا ويشكِّل تبسيطاً للمشكلة أن لم يقترن بإعادة نظر جذرية وشاملة وسريعة بمنظمة التحرير لتوسيع تمثيلها وتفعيل تنظيمها. وبأنتظار اكتمالهذه المهمة التاريخية يجب أن تتوافق المنظمات داخل اللجنة التنفيذية وداخل مؤسسات السلطة على مواجهة تحديات المرحلة الأنتقالية بمواقف وقرارات وطنية متوازنة ومتزنة وعملية تكفل الوحدة الوطنية، وإستمرار الكفاح من أجل التحرير والحرية ، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، والتواصل مع المجتمع الدولي، وتوفير متطلبات معيشة الشعب الفلسطيني وحاجاته الاقتصادية والاجتماعية، وتطوير مؤسسات السلطة من جهة والمجتمع المدني من جهة أخرى، وتأمين تقدّم الشعب الفلسطيني على جميع المستويات.
ليأخذ القادة وقتهم في البحث والتقرير، لكن حذار التفرد والأنفراد والاستئثار والاستهتار.