إن الغربيين مهما اجتهدوا في تجميل صورتهم سيظلون كذلك الممثل الفاشل الذي لا يستطيع اقناع الجمهور بصدق أدائه على خشبة المسرح، فالأيام تكشف في كل يوم لكل ذي عينين ان قيم الانسانية والاخاء والرحمة لا تصمد أمام غول المصلحة الذي يفترسها بلا رحمة، وان الدرس الذي ينبغي ان يعيه العرب من فلسطينيين وغيرهم ممن يتلقون مساعدات «اليد الحانية» يتمثل في كلمة وجيزة جدا «من لا يملك خبرته لا يملك حريته»! الأيدي أنواع وأجناس منها الأمينة العفيفة، ومنها الخؤونة الطامعة، ومنها الرحيمة الحانية التي تبسط كفها الى الضعفاء والمساكين بالعطاء والاحسان، ومنها الباطشة الجانية التي تؤدي عباد الله بالجور والعدوان، ولذا فإن هاتين اليدين تختلفان أيما اختلاف، فهما على طرفي نقيض، لكن هل رأيت يدا حانية وجانية في الوقت نفسه؟ نعم، فاجتماع النقيضين ممكن حين تحرك تلك الأيدي ألاعيب السياسة الماكرة وتهيمن عليها فنون صناعة النفوذ والطغيان، وقواعد التسلط والسلطان.

تلك هي اليد التي يمدها الغرب الى دول العالم الثالث المستضعفة، وهي يد تتسلح بحليب الاطفال ودقيق الخبز، تتمثل في ظاهرها في صورة مساعدات انسانية رحيمة يجود بها الغرب المتحضر المتسامح على اخوانه من بني الانسان المعوزين، ولا يدخر الاعلام الغربي وسعا في تمجيد هذه العطايا وتوظيفها لتجميل صورته وتكوين سمعة غراء في وجدان وعقول الآخرين بل قل: وبطونهم أيضا!, غير ان هذه المساعدات الانسانية ليست انسانية مئة في المئة، كما يحاول الغرب ان يصورها، إذ أنها لا تصرف من دون تعهد بمواقف سياسية محددة تلتزم بها الدول التي تتلقى تلك المساعدات، واستمرار هذا «الحبل السري» بدفق المعونات مرتهن باستجابة تلك الدول لرغبات المانح الغربي، ومتى حاولت تلك الدول المستضعفة التفلت من التزاماتها نحو الغرب، فإن الأخير لن يتردد للحظة في قطع ذلك الحبل السري معرضا الجنين للهلاك، ولتذهب حينها القيم الانسانية الرقيقة الى الجحيم!

وما قرار تعليق الاتحاد الاوروبي لمساعداته المالية للحكومة الفلسطينية «الحماسية» سوى مثال واضح يكشف بجلاء ان المصلحة لا القيم هي التي تحكم هذا التعامل، فمن أجل كسر الموقف السياسي للحكومة الفلسطينية فلا بأس بقطع حليب الاطفال ورغيف الخبز وحقنة الدواء عن شعب بأكمله! ان الظروف التي تعيشها المناطق المحتل وشبه المحتلة في فلسطين لا توفر حتى ظرفا كريما يتيح للحكومة الفلسطينية التفكير في مطالب الاتحاد الاوروبي، فحتى لو سلمنا بامكانية اعتراف «حماس» بإسرائيل، فإن مثل هذا الاعتراف لا يمكن لأي حر ان يقبل به الآن، ففي هذا الوقت تشن اسرائيل غاراتها المتواصلة على قطاع غزة بلا هوادة، وتنفذ بكل جرأة وغطرسة عمليات الاغتيال والاعتقال، وتقوم بترسيم حدودها من جانب واحد على هواها وبمباركة أميركية (كونداليزية)، حيث شارف جدار العزل العنصري على الاكتمال، وتسعى الحكومة الاسرائيلية الجديدة لتثبيت الوضع الحدودي القائم الآن، وتجتهد معاول جرافاتها في اعادة تخطيط المناطق وتهجير الناس من دون ان يعترض عليها أحد! فكيف لفلسطيني حماسيا كان أو غير حماسي ان يقبل في مثل هذه الظروف المهينة ان يركع خاضعا مقدما اعترافه بإسرائيل على طبق فارغ لكي يملأه له الاتحاد الاوروبي الشهم السخي النبيل بما تجود به يده العطوفة الجانية؟!

إن الغربيين مهما اجتهدوا في تجميل صورتهم سيظلون كذلك الممثل الفاشل الذي لا يستطيع اقناع الجمهور بصدق أدائه على خشبة المسرح، فالأيام تكشف في كل يوم لكل ذي عينين ان قيم الانسانية والاخاء والرحمة لا تصمد أمام غول المصلحة الذي يفترسها بلا رحمة، وان الدرس الذي ينبغي ان يعيه العرب من فلسطينيين وغيرهم ممن يتلقون مساعدات «اليد الحانية» يتمثل في كلمة وجيزة جدا «من لا يملك خبرته لا يملك حريته»!

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

nashiri logo clear

دار ناشري للنشر الإلكتروني.
عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

 

اشترك في القائمة البريدية