التكتلات السياسية التي تتشكل في قوالب مختلفة كأحلاف أو أسواق أو منظومات تؤكد أن التعامل مع أحداث هذا العصر العامر بالأزمات والنكبات لا يمكن أن يكون بصورة انفرادية، فلا غنى لأحد عن حلفاء يرفدونه بالعون والتأييد، ولا تستثنى من ذلك الدول العظمى، فأميركا مثلاً لا تخوض حروبها هذه الأيام إلا تحت مظلة تحالف «شكلي» تشكل هي عموده الفقري الأساس، وكفى بذلك دليلاً على أن سياسة التحالفات هي التي تسيّر شؤون العالم سياسة واقتصاداً وثقافة.
وفي منطقة الخليج العربي التي تمثل منطقة مصالح استراتيجية للعالم يبدو ظهور تكتل «مجلس التعاون الخليجي» أمراً معقولاً فرضته ظروف اختلال موازين القوى في المنطقة، فالعراق وايران كانتا القوتين العظميين منذ عقود، وهو ما فرض على دول الخليج الأخرى أن تنخرط في حلف متعاضد، لعلها أن تنجح في التقليل من درجة اختلال كفتي الميزان، غير أن المجلس ظل عاجزاً عن مسايرة التحولات الجوهرية التي عصفت بالمنطقة بعد الاحتلال الأميركي للعراق، وكان من جرّاء ذلك أن تحول العراق الى منطقة نفوذ ايراني ساقت الأميركيين صاغرين الى منضدة التفاوض مع عدوهم اللدود لتنظيم شؤون العراق.
لقد أهمل الخليجيون دورهم في تحييد العراق والحفاظ على استقلالية قراره، بما يحقق مصالحهم الأمنية المشروعة رغم أنهم قد قدموا للأميركيين دعماً لوجستياً سخياً أثناء حملتهم لكن من دون شروط مسبقة تحقق لهم مكاسب سياسية يحتاجونها، كما استمرت دول الخليج في دفع معونات كريمة للسلطة العراقية التي توالت على حكم العراق بعد سقوط بغداد من دون أن تكون تلك المعونات موجهة بما يحقق مصلحة استقرار المنطقة السياسي والعسكري، هذا في الوقت الذي كان فيه الايرانيون يدعمون حلفاءهم في العراق لتحقيق أهدافهم الخاصة، حتى بلغ الأمر بذلك التصريح الذي أطلقه مسؤول عراقي كبير عبّر فيه عن استعداد العراق لدفع تعويضات لايران عن حرب الخليج الأولى!
إن غياب الرؤية الواعية لمجلس التعاون في التعامل مع الشأن العراقي واضح للعيان، إذ إن هذا التكتل السياسي العريق (نحو ربع قرن على تأسيسه) لا يملك تصوراً مجدولاً واضح الأهداف والمعالم على المستقبل البعيد، ولكنه يتعامل مع الأحداث وفق سياسة المياومة (أي يوماً بيوم)، كما ان كياناته السياسية يتصرف كل منها بنزعة فردية تترجمها تصريحات المسؤولين الخليجيين التي تؤكد غياب التنسيق وافتقاد الرؤية الموحدة.
ولا يقف هذا التخبط عند الشأن العراقي، بل يتعداه الى التعامل مع السياسة الأميركية في المنطقة، تلك السياسة التي لا تكترث الا بمصالحها الخاصة حتى لو كانت على حساب حلفائها الخليجيين، كما تكشف أزمة مفاعل بوشهر، اذ جعلت منشآت دول المجلس النفطية تحت التهديد الايراني المباشر، فالمسؤولون الايرانيون يصرحون بأن أقطار الخليج ستتعرض لأضرار جسيمة، وذلك كلما ازداد لهج الخطاب الأميركي عنفاً وتهديداً، والسر في ذلك ان دول المجلس قد ارتبطت باتفاقيات ثنائية مع الأميركيين حققت لهم مصالحهم الخاصة، وجلبت على دول الخليج شؤم الاستعداء الايراني, ومما يزيد الطين بلة أن الادارة الأميركية الحالية هي ادارة ذات طابع هجومي استباقي تعشق العيش في جو الأزمات، وهي مستعدة لارتكاب حماقة عسكرية جديدة في الخليج من دون ان يكون في حسبانها اعتبار الخطر الذي سيتعرض لها حلفاؤها المستضعفون نتيجة لسياستها الأحادية الجانب.