ضحكت طويلا حين قرأت ذلك الخبر الغريب الذي تناقلته بعض القنوات الإخبارية، ومفاده أن مجموعات من الناشطين الأوروبيين في مجال حماية الحيوان تعتزم تنظيم مظاهرات ضد الاستعمال غير الرحيم للحيوانات في معامل البحث العلمي، إذ تصبح تلك المخلوقات المسكينة محل تجربة للأمصال والادواء، مما يؤدي الى نفوق الكثير منها و إصابته بآلام مبرحة في ما تبقى من حياته القصيرة،
فقلت في نفسي:
تباً لهؤلاء الأوروبيين! كيف تعمى عيونهم عن حقول للتجارب البشرية مترامية الأطراف، وضحاياها آلاف الآف؟ ولا تدركهم الرحمة إلا في فئران التجارب التي تقدم للبشر خدمات نافعة، بدلا من ان تذهب سدى في قضمة متلفة من ناب قط شرس أو قصمة قاتلة من مصيدة فاتكة!
وتساءلت لم لا يشعر الاوروبيون بالرحمة ازاءنا نحن الذين نعيش في حقل تجارب ضخم ممتد من الخليج الى المحيط، فلأكثر من نصف قرن ظل سكان هذا الحقل أسرى تجارب مضنية طويلة، والمشرفون عليها ليسوا من العلماء الذين يدركون شرائط التجريب الصحيح ويفيدون من أخطائهم، حتى لا يكرروا تجربة ثبت اخفاقها، ولكنهم من أصحاب شعار «التجريب للتجريب» وهم الساسة القادة الذين وصلوا الى قيادة حقل التجارب العربي بأذرعهم المفتولة لا بعقولهم النيرة! وحين يمضي المرء في تصفح سفر التجريب العربي يقف على عجائب ومضحكات لا نظير لها في أي حقل آخر من هذه المعمورة! ولو ان هذه التجارب أتت ثمارها ولو بعد حين لهان الخطب والتمس لها ألف عذر وعذر، لكنها في كل مرة تعود الى المربع الاول لتبدأ سلسلة مبتكرة من التجارب تنطلق معها عجلة رحلة الآلام من جديد!
ماذا أقص لك من شأنها وماذا أدع؟! مجالس لقيادة الثورة ولكن بلا ثورة، وليس ثمة انقلاب عسكري ان نجح أسبغت عليه ألقاب البطولة والشجاعة، وان أخفق كان مصير القائمين به الوصم بالخيانة والعمالة والتعليق على رؤوس المشانق! زعيم لا يدعي تواضعا منه إلا بالأخ والرفيق، ويعامل شعبه بطريقة لا أخوة فيها ولا رفق, انتخابات رئاسية تقام لها الموالد وتنشد في عيونها القصائد، وليس فيها إلا مرشح واحد! تلك هي بدعة الاستفتاء التي أكل عليها الدهر وشرب، وانتخابات ديموقراطية يتنافس فيها حزب واحد مع مجموعة من الاحزاب اللقيطة، التي يتعهد بتمويلها ورعايتها ذلك الحزب الوالد، لتكتسب الانتخابات صورة المنافسة الشريفة النزيهة!
تريدونها ديموقراطية حقيقة لا بأس، ليشترك الجميع، لكن مع تزوير النتائج سلفا! والمرأة تنال حقوقها كاملة غير مهضومة في ما ينتظر الرجل تفعيل حقوقه المجمدة منذ عقود!
حركة شعبية جماهيرية تفوز بثقة الناخبين، لكن العسكر لا يرونها أهلا للثقة فيسقطونها، ثم يصدرون قانونا بحظرها، والجرم فوزها بالثقة الشعبية!
دساتير يسبغون عليها نعوت القداسة واللاهوتية لا يجرؤ أحد على نقدها، وإن فعل نال عقابه اللائق له، إلا ان تلك القدسية ترفع عنها بقدرة قادر لمدة نصف ساعة يتم فيها تعديل بعض المواد الجوهرية، لتعود إليها القدسية بأقوى مما كانت عليه! ألا تقنعون بحكم الجمهور الذي تلقب به دولكم الجمهورية؟ لا بأس سنحولها إذن من جمهورية الى جماهيرية! ولكم مجالس شعبية وأخرى شورية وثالثة برلمانية فانعموا بها، ولكن اتركوا الاختيار لنا، فنحن أدرى بما يصلحكم! ولايزال التجريب مستمرا!