تزامن تدهور الخلافة العثمانية الذي انتهى بإلغاء الزعيم التركي (مصطفى كمال) لتلك الرابطة الإسلامية الجامعة عام 1924، مع قيام الحدود القطرية التي وضعها المستعمر الغربي ممثلاً بالبريطاني (مارك سايكس) والفرنسي (جورج بيكو) في 1916 بين الدول المسلمة. وساهم زوال الخلافة الإسلامية ونشوء تلك الحدود السياسية في تقطيع أواصر التبادل التجاري والتعاون العسكري، وإضعاف الشعور بالوحدة الإسلامية والانتماء للوطن الإسلامي الكبير، حتى نسي الكثيرون من أبناء الإسلام معنى قول الشاعر:
وأينما ذكر اسم الله في بلد ،،، عددت أرجاءه من لب أوطاني
وقد تنادت في كل دولة مسلمة جماعة تذكِّر الناس بقول ربهم تبارك وتعالى: {إنما المؤمنون إخوة} وأمر الله عز وجل: {وكونوا عباد الله إخوانا}، وتوجيه الرسول عليه الصلاة والسلام: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (المسلم للمسلم للبنيان المرصوص).
وحركة المقاومة الإسلامية – حماس – هي واحدة من تلك الجماعات المسلمة التي يفتخر بها المرء، أولاً لكونها تحيي معاني الأخوة الإسلامية والتعاون فيما بين المسلمين كما بينت الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة السابقة، وثانيًا لأن تحرير الأرض المسلمة المحتلة في فلسطين هو فرض على جميع المسلمين، تشكر وتثاب (حماس) لقيامها به منذ تأسيسها عام 1987 وهي بذلك تسقط الوزر عن جميع المسلمين والمسلمات إن شاء الله تعالى.
ولا ينبغي أن يمنعنا الموقف المشين لبعض القيادات والشرائح الفلسطينية تجاه الاحتلال العراقي لدولة الكويت عام 1990 من الإشادة بحركة المقاومة الإسلامية، فالعاقل والعادل يزنان كل فرد أو جماعة أو أمة بحسناتها وسيئاتها دون تعميم أو تضخيم، هذا بجانب كون (حماس) تبنت موقفًا واضح من حرب الخليج الثانية برز من خلال كونها أول منظمة شعبية غير كويتية في العالم تستنكر جريمة نظام البعث العلماني البائد.
حيث أكدت (حماس) في شهر أغسطس من العام نفسه على أنها فوجئت كما فوجئ سائر المسلمين بالتدخل العسكري العراقي في الكويت، وأن وقوفها إلى جانب العراق في وجه التهديدات الأمريكية لا يعني القبول بالوضع القائم، وطالبت مرارًا بعودة الكويت بلدًا حرًا عزيزًا، وهو ما أصدرته في بيان رسمي في 17/8/1990 وعدة بيانات سابقة ولاحقة لهذا التاريخ.
ويورد الباحث (خالد الحروب) في كتابه عـــن حركة المقاومة الإسلامية نصوص بياناتها بتلك الفترة، ويعلِّق عليها قائــلاً: (( إن أهمية بل جرأة هذا الموقف لا تدرك إلا إذا وضع في إطاره الزمنــي والمكاني والظرفي – بسبب الاندفاعة العاطفية الجماهيرية في فلسطيــن والأردن والمؤيدة للموقف العراقي بلا تحفـظ – فقد تفرد إلى حد كبير بدعوة العــراق بوضوح إلى الانسحاب من الكويـت، وهو موقف كان في ذلك الوقت بمثــابة مقامرة لأي تنظيم أو حركة جماهيريــة سواء في فلسطين أو الأردن حيــث الوجود الفلسطيني الأكبر)) منشورات مؤسسة الدراسات الفلسطينية ص182و183.
وهو الموقف المشرِّف الذي حفظه لهم سمو الأمير الراحل رحمه الله تعالى وسمو الأمير الحالي وفقه المولى القدير من خلال الاستقبال الرسمي للحركة والاستضافة الدورية لرموزها، دون التفات للضغط الرسمي الأمريكي المتوقع من حكومة منحازة على الدوام إلى العدو الصهيوني الغاصب.
وموقف (حماس) ذلك مكنهم من الاتصال بكلا الجانبين الكويتي والعراقي طوال سنوات التسعينات، حيث قدموا عروض وساطة بشأن الأسرى الكويتيين رحمهم الله تعالى ولكن نظام البعث العلماني البائد في العراق لم يلتفت لها، كما تدخلوا لرفع المعاناة عن الجالية الفلسطينية في فترة ما بعد التحرير عام 1991، وهو ما أكده المجاهد (محمد نزّال) عضو المكتب السياسي للحركة في مقابلة مع الباحث (الحروب) في تلك الفترة.
لذا أهلاً وسهلاً ومرحبًا دومًا بحركة المقاومة الإسلامية سواء كانوا في صفوف المعارضة أو مقاعد السلطة، وهي بجانب ذلك كله نموذج للنزاهة المالية والإدارة الرشيدة كما أنها وصلت إلى الوزارة التنفيذية والأغلبية التشريعية بانتخابات حرة تعبر عن الإرادة الحقيقية للشعب الشقيق في فلسطين، وهي انتخابات برهنت مجددًا على أن جموع المسلمين والكتابيين في الدول المسلمة تنحاز لشعار (( الإسلام هو الحل )) ولا ترضى عن أتباعه المخلصين بديلاً، والحمد لله تعالى أولاً وأخيرا.