فالكل تحت الاحتلال الذي لا يفرق بين حماس وفتح وبين فلسطيني وآخر. الكل مستهدف فلا فرق بين مفاوض ومقاوم والقوم سادرون في خلافاتهم مما يدعوني إلى استحضار قول الشاعر:
إلام الخلف بينكم إلاما ...... وعلام الضجة الكبرى علاما
منذ نجاح حركة حماس في انتخابات السلطة التشريعية الديموقراطية في يناير/كانون الثاني لهذا العام ومنذ تشكيل الحكومة الفلسطينية ومحاولات حصارها وتهميشها بهدف إفشالها وإسقاطها مستمرة. فلماذا إفشال الحكومة الحالية؟ ومن هم الذين يخططون لإفشالها؟ ومن هو الستفيد من إسقاط الحكومة؟ وما هي النتائج المترتبة على إسقاط وإفشال الحكومة؟
منذ اليوم الأول لإعلان تشكيل الحكومة الفلسطينية عزمت كندا و الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبيّ ومعهم صنيعتهم الكيان الصهيوني على عقاب الشعب الفلسطيني على خياره الديموقراطي وذلك بتعليق المساعدات الماليّة إلى السلطة الفلسطينيّة. ولم يتوقف الأمر إلى هذا الحد بل أوعزت الإدارة الأمريكية إلى دول المنطقة بعدم التعاون مع الحكومة الفلسطينية والتي استجاب بعضها لهذا المطلب للأسف الشديد. وكذلك الأمر مع السطلة الفلسطينية الممثلة في مؤسسة الرئاسة وبعض قيادات حركة فتح ساروا على هذا المنوال سوا ء كان ذلك عن قصد أو غير قصد متناسين أن الحصار ليس لن يكون على مقتصرا على حركة حماس وحدها وإنما هو على الشعب الفلسطيني بأسره. وكان الأجدر أن يتذكر الجميع الحصار الذي ضرب على الرئيس الشهيد ياسر عرفات ونأخذ العبرة من ذلك. فالكيان الصهيوني لا يوفر فرصة لينزل الأذى بالشعب الفلسطيني بأسره بغض النظر عمن هو في السلطة.
فمنذ اليوم الأول بدأ التنازع على الصلاحيات. وبدأنا نسمع كل يوم بقرار رئاسي يسحب صلاحيات ما من الحكومة. والأمثلة على ذلك كثيرة. تسلم وزير الإعلام وزارته بدون صلاحية على محطتي الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء (وفا). فماذا تبقى لوزير الإعلام؟ وكذلك أضحت صلاحية السيطرة على أجهزة الأمن الوطني والمخابرات العامة والأمن الوقائي في يد رئيس السلطة. فماذا تبقى لوزير الداخلية؟ ناهيك عن إبطال القرارات التنفيذية من قبل رئيس السلطة بين الفينة والأخرى. وتبشرنا الأيام بالوصاية الدولية عبر البنك الدولي بناء على اقتراح فرنسي. فبات الأمر واضحا للقاصي والداني بأن هناك وراء الأكمة ما وراءها. وبوضوح تام هناك التقاء مباشر أو غير مباشر مع أهداف الإدارة الأمريكية والصهيونية من أجل إفشال الحكومة المنتخبة. فلماذا هذا الأداء المبطن. ولأول مرة تطفو في الإعلام الفلسطيني مؤسسة اسمها (الرئاسة) وكأني بها حكومة موازية أو حكومة ظل. فلماذا لا تكون العلاقة بين المؤسستين (الحكومة والرئاسة) علاقة تكاملية؟
ففي العرف الديموقراطي أن كل طرف أو حزب أو حركة يخوض الانتخابات التشريعية بناء على برنامج عمل يقدمه للناخبين. وعندما ينال هذا الطرف أو ذاك على الأكثرية النيابية التي تخوله بتشكيل الحكومة يعمل على تنفيذ البرنامج الذي انتتخبه الشعب على أساسه. وإذا كان البرنامج يختلف مع برنامج مؤسسة الرئاسة يجب إيجاد آلية أو أسلوب للتعايش مع بعضهما البعض لا التنازع والعرقلة ووضع العصي في الدولاب. وما حصل في فلسطين ليس بدعا. لقد حصل في فرنسا مثلا أن جاء (جاك شيراك) كرئيس للوزراء يمثل اليمين في عهد الرئيس فرانسوا ميتران اليساري. وتم التعابشس بين المؤسستين رغم اختلاف توجهاتهما ولجأوا إل الجميعة الوطينة لحل الخلافات أو اإلى الأستفتاء الشعبي. فلم لا يتم الشيء نفسه في فلسطين؟
وعلى الصعيد العربي تصاعد الضغط العربي فأول ما طلبت الدول العربية من الحكومة الفلسطينية بعد أيام من تشكيلها هو الاعتراف بمبادرة السلام العربية, التي تعترف بالكيان الصهيوني، خلال لقاء جمع وزير الخارجية الفلسطيني محمود الزهار مع السفراء العرب المعتمدين لدى الجامعة العربية. ورأينا امتناع وزير الخارجية المصري عن الاجتماع أو لقاء وزير الخارجية الفلسطيني متعللا بضيق الوقت وما إلى ذلك من أعذار واهية. وما صدر من النطام الأردني عشية زيارة وزير الخارجية الفلسطيني من مسرحيات هزلية لا تمر على طفل صغير وذلك بالإعلان عن اكتشاف أسلحة ومخطط تخريبي لحماس في الأردن. وكان من الأجدر أن يطلب النظام الأردني مباشرة وبلا مواربة من وزير الخارجية الفلسطيني عدم المجيء إلى الأردن دون تشويه لسمعة حركة حماس والحكومة الفلسطينية عبر الفبركة والإخراج المسرحي المكشوف.
نحن نفهم دوافع الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني من الحصار والمقاطعة للشعب الفلسطيني وحكومته. ولكن يصبح الأمر محزنا ومؤلما أن يتماهي موقف الإخوة والأشقاء وأبناء جلدتنا مع موقف الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني في الحصار والتهميش والمقاطعة باستثناء بعض الدول العربية والإسلامية وروسيا التي سارعت وعبرت عن موقفها الرافض لحصار الشعب الفلسطيني عبر المساعدات المالية التى أعلن عنها خلال زيارة وزير الخارجية الفلسطيني.
وبالعودة إلى الداخل الفلسطيني نقول: ما المصلحة في التنازع على الصلاحيات في سلطة تحت الاحتلال. أليس التناقض الرئيس هو مع الاحتلال الصهيوني؟ أمن المعقول أن يتنازع الإخوة على الصلاحيات. وعلى فرض أن بعض الصلاحيات الموكولة إلى الرئاسة وكانت تمارسها الحكومة السابقة، فهل من المعقول أن تجرد الحكومة الحالية من تلك الصلاحيات كي لا تستطيع أن تسير قدما في تنفيذ برامجها الإصلاحية. فالمطلوب من الحكومة أن تضبط الأمن دون قوات أمن ومطلوب منها أن توفر تسير في الإصلاح وترتيب البيت الفلسطيني ومحاربة الفساد دون صلاحيات واضحة.
وكل تصرفات وتحركات ما يسمى بمؤسسة الرئاسة ومن يحيط بها تشير إلى شيء واحد فقط وهو محاصرة وإفشال الحكومة الفلسطينية مهما تعلل القوم بحسن النية وبالقوانين وغير ذلك. يخطئ الرئيس الفلسطيني إذا كان تصوره أن المصلحة تكمن في سقوط حركة حماس في المهمة. فالبديل عن ذلك هو خطير وخطير. فماذا سيفعل (أبومازن) إذا فشلت الحكومة في مهماتها؟ فالخيارات محدودة جدا. فقد يقول قائل بالعودة إلى انتخابات جديدة. فما الذي يضمن ألاّ تعود حماس مرة أخرى؟ والخيار الآخر هو النكوص عن الديموقراطية فلا انتخابات ولا يحزنون. عند ذلك ستشتعل انتفاضة أقوى وأشد من الانتفاضات السابقة بقيادة الفصائل الأشد تطرفا من حماس وستَجُبّ هذه الإنتفاضة كل ما أتى مع اتفاقيات أوسلو البغيضة. فهل يا ترى هذا ما يريده أبو مازن؟
إنّ دعوة المجلس التشريعي للحوار الوطني واستجابة الرئيس لها لهي خطوة في الاتجاه الصحيح. فليس أمام الشعب الفلسطيني إلا الوحدة الوطنية والالتزام بها حيت تحصن البيت الفلسطيني وبها يصان الدم الفلسطيني. إن الحوار ليس مهما في حد ذاته إلا إذا أخذه الجميع على محمل الجد والصراحة والشفافية دون إقصاء أو تهميش لأحد حيث يضمن التوصل إلى برنامج وطني مشترك يتمسك بالثوات الوطنية على قاعدة إعادة تفعيل وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية التي يجب التمسك بها لأنها هي المظلة الواقية التي نهضت بنضال الشعب الفلسطيني ومنحته الوطن المعنوي إبان النضال في أرض الشتات واللجوء.