مضحك حتى الثمالة موقف السلطات في الكويت في التعامل مع الاجتماعات غير المرخصة، فرغم إلغاء المحكمة الدستورية لقانون حظر التجمعات سيئ السمعة والصيت، وما يترتب عليه من تبعات جزائية، إلا أن بعض المسؤولين لا يزالون مسكونين بروح ذلك القانون غير المأسوف على وفاته، ويتعاملون مع التجمعات السياسية وفق منظوره الآفل.
فحين قرر مؤسسو حزب الامة عقد مؤتمرهم التأسيسي الأول في قاعة مستأجرة من فندق بادر محافظ حولي بالإيعاز الى ادارة الفندق بالغاء حجز المؤتمرين، بدعوى أن الاجتماع غير مرخص قانونياً، تفريعاً على أن الأصل في الاجتماعات المنع، حتى يتم استخراج اذن لها.
لكن هذا التعامل غير الديموقراطي قاصر على هذه الاجتماعات السياسية الواعية التي ينظمها ناشطون سياسيون واكاديميون معتبرون، وأما ان كان التجمع لمناقشة شؤون الايقاع والزمر وتحرير مقامات السيكا والنهاوند وآليات هز البطن، فإن السادة المحافظين لن يكونوا محافظين منغلقين، بل سيكونون ديموقراطيين متفتحين حتى النخاع، ولن يجسر أحد منهم على منع مثل هذه الاجتماعات غير المباركة، وسيغضون النظر عنها، وان كانت صور «فعالياتها» تتصدر صفحات الجرائد!
في الاسبوع الماضي عقد اجتماع غير مرخص لبرنامج «سوبر ستار» وتم فيه فحص ثلاثمئة عينة غنائية على مدى أيام، ولم يفلح تنبيه النواب الاسلاميين وفعاليات المجتمع المحافظ في فض ذلك الاجتماع غير المرخص، وفي الاسبوع المقبل سيعقد اجتماع آخر غير مرخص لبرنامج «ستار اكاديمي» في فندق معروف، وبانتظار اتصال السيد المحافظ للتكرم بالايعاز الى ادارة الفندق لالغائه أسوة بما فعله مع اجتماع حزب الامة، فكلاهما غير مرخص بحسب قانونه الميت الحي!
بالله عليكم كيف يرتقي وطن، وتنهض أمة تسوس أمورها وفق هذه المعايير المزدوجة؟! ولم تدأب الدولة على محاربة الحراك السياسي الذي يتم في وضح النهار مكشوفاً لأعين المراقبين، بما يكفل له الشفافية الآمنة والسلامة القانونية؟ ولم لا يتم تشجيع مثل هذه الانشطة السياسية بإزالة العراقيل المصطنعة التي تحول دون تحقيق غاياتها المفيدة؟ وإلا فما جدوى التغني بالديموقراطية والتباهي بمنح المرأة حقوقها السياسية مع منع الرجل من ممارسة مستلزمات هذا الحق وفق فعاليات مشروعة ترفض اسلوب العمل تحت الارض وتنظيمات السراديب المظلمة؟!
ثم ما هذا التساهل والتراخي مع منظمي هذه البرامج الهابطة التي تهدف الى ضخ ملايين الدولارات الى جيوب القائمين عليها عبر استدراج المراهقين والصبية في ألاعيب التصويت بالرسائل الخلوية مضاعفة التكلفة، وإذا كان القائمون عليها يزعمون أنهم يهدفون الى الارتقاء بالمواهب الغنائية والموسيقية، فهل يتكرمون بتعليل كثافة مشاهد القبلات والاحضان ودورها في «الارتقاء» بتلك المواهب؟
لقد بات جلياً ان تلك البرامج تهدف بكل جرأة الى إشاعة ثقافة الانحلال وسلوكيات المجون في وقت تحتاج الأمة فيه صحوة جدية تعمر قلوب شبابها وشيبها لتنتشلها من ذلك المستنقع، وما الحاجة الى تصنيع مطربين جدد بينما تشهد القنوات الفضائية تكاثرهم، كما تتكاثر أسراب الجراد التي لا تدع اخضر ولا يابساً من حقول الفضيلة إلا والتهمته؟ وهل سيتصدى هؤلاء الناعمون لجحافل الغزاة بمقارع الطبول وأذرع الكمنجات وتروس الدفوف والصنجات أم انهم سيكونون في طلائع الغزو؟ أنبئوني بعلم إن كنتم صادقين!