للكذب أيام ومواسم يكثر فيها ويروج، فقد بات اليوم الاول من شهر ابريل يوم الكذب العالمي الذي لا يوثق بشيء من أخباره إلا في اليوم التالي بعد تكشف الحقيقة، وفي عالم السياسة ميدان رحب لممارسة ألوان الكذب،
ومن الساسة من يتعامل مع فن الكذب بطريقة محترفة حين يلبس أكاذيبه ثوبا من الامكانية والمعقولية، فلا يفتضح أمرها إلا بعد حين، وذلك لأن يعمل في مسرح محترف، جمهوره من المراقبين العارفين الذين لا تنطلي عليهم أي كذبة بسهولة, وأما ان كان المسرح مسرح هواة كمسرحنا العربي، فإن الامر لا يحتاج الى ثقافة وتفنن، فجمهوره تتحكم فيه أهواء وأمزجة متباينة تساعد على رواج الكذب، علاوة على ان ذاكرته الضعيفة تغري بذلك، فقوة الذاكرة شرط جوهري لتمييز الكذوب من الصدوق، ومعرفة الحقيقة الراسخة من الكذبة المائعة!

ومع عودة موسم الانتخابات هذه الايام مبكرا، فإن سوقا كبيرة للمتاجرة بالشعارات والوعود البراقة ستقوم لمدة شهر وتنفض مع اعلان نتائج الانتخابات، وتتجسد أبرز صور الكذب والخداع في تلك البرامج الانتخابية التي يطبعها المرشحون ويوزعونها في كل مكان، ولكثرة مطبوعات تلك البرامج وتشابهها عند مرشح وآخر يهجس في الذهن ان اصحاب المطابع، وهم المستفيدون الاكبر في هذه الفترة، لديهم برامج معدة سلفا ضمن تصاميم متنوعة، ولا يلزم الامر سوى تغيير التصميم، وطبع اسم المرشح، لينشر البرنامج المذكور أكثر من مرة، ومن يدري، فلعل لديهم خزينا من مخلفات من الانتخابات السابقة وما قبلها، لأن أحلام المواطن الكويتي لاتزال كما هي في مجالات الاسكان والتوظيف وزيادة المرتبات وعلاوات الابناء والعلاج في الخارج!

وتتبلور الكذبة في شكل برنامج انتخابي حافل يزعم المرشح انه يسعى الى تحقيقه، فمن المعلوم ان مثل هذه البرامج الضخمة لا تصلح إلا في التجارب الديموقراطية التي يسند فيها تشكيل الحكومة الى الحزب الفائز، وحينها يمكن للشارع ان يحاسب الحكومة المنتخبة على اخلاله ببرنامجها الانتخابي المعلن، أما ان يزعم مرشح واحد وبضعة مرشحين لتجمع سياسي ما أنهم سيفعلون ويفعلون فليس ذلك سوى ضحك على الذقون لا ينطلي إلا على المغفلين، فالحكومة معينة لا منتخبة، ونظام الاحزاب غير معمول به، والادوات المتاحة للنائب هي أدوات محدودة التأثير بطيئة المفعول.

فلم بعد هذا تثور هذه الطنطنات المزعجة وينطلق سيل الوعود المعسولة من عقاله؟!
ولك ان تتفكر في الحكمة النبوية في آية المنافق «إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان»، لتدرك الصلة الوثيقة بين هذه الخصال الثلاث ومجريات الحملات الانتخابية، فمن يعد بشيء يعلم انه عاجز عن تحقيقه فهو يضمر في نفسه الخلف وعدم الوفاء، ومثل هذا لا يمكن ان يكون صدوقا لأن متحري الصدق يعد وعده من جنس أخباره سواء بسواء، وإذا اجتمع الكذب والخلف في امرئ فهو حريّ ألا يؤتمن على مصالح الامة، وربما تاجر بها، لتحقيق مصالحه الشخصية، كما في كثير من الاسئلة البرلمانية الهجومية التي تجيء كردة فعل لعدم استجابة الوزير لمصالح السائل الشخصية التي ستتكشف ولو بعد حين!

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية